موضوع-تعبير-عن-ترشيد-الاستهلاك
ترشيد الاستهلاك
إن ترشيد الاستهلاك من الضرورات التي ينبغي الالتزام بها في كل وقت مهما كانت الأشياء متوفرة وموجودة بكثرة، فالترشيد منهجٌ ينبغي اتباعه لأنه يؤدي إلى الطريق الصحيح، ولهذا فإن الله -سبحانه وتعالى- أمر عباده بالترشيد وعدم الإسراف والتبذير، وقد صوّر المبذرين بأنهم إخوان الشياطين، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن سوء التصرف في نعم الله تعالى وعدم ترشيد استهلاكها من الأشياء التي توجب غضب الله، وقد ذُكر هذا في أكثر من آية، ومنها قوله تعالى محكم التنزيل: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)"، وقوله: " إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ"، وغير ذلك الكثير، لهذا فإن ترشيد الاستهلاك لا يعتبر خياراً وإنما ضرورة، لأن فيه صون لنعم الله تعالى واحترام لها.
من يحافظ على نعم الله عليه ويحرص على ترشيد استهلاكها فإنه يضمن ديمومتها، فالترشيد نوعُ من أنواع التنظيم الذي يتم فيه التصرف في الأموال ومختلف الأشياء الأخرى كالماء والطعام والكهرباء وغيرها بطريقة منظمة تخلو من البخل وتخلو من الإسراف أيضاً، فهو لا يعني أن يكون الإنسان بخيلاً، بل أن يعرف كيف يتصرف في كل شيء بطريقة صحيحة، خصوصاً أن الكثير من الأشياء التي بين أيدينا اليوم قد نفقدها غداً وتصبح غير موجودة، وخير مثالٍ على هذا وسائل الطاقة غير المتجددة التي ستنضب في وقتٍ قريب، خصوصاً أن استهلاكها من قبل الغالبية العظمى من الأشخاص والدول يعتبر استهلاكاً غير مسؤول.
يقول -عليه الصلاة والسلام- أيضاً حول ترشيد الاستهلاك: "لا تسرف في الماء ولو كنت على نهرٍ جارٍ"، ولهذا يجب أن لا يغترّ الإنسان بالكثرة وتوفر الأشياء، بل يجب أن يكون مقتصداً في استهلاكها في كل وقت، حتى لا يأتي يوم ويفقد وجودها من حوله، كما أن الشخص الذي يلتزم بترشيد الاستهلاك ينال رضى الله تعالى وأجره، لأنه التزم بعدم تبذير النعم، والتزم بشكرها والحفاظ عليها، وبالشكر تدوم النعم، كما أن المنطق يقول أن الاقتصاد والترشيد في استهلاك الأشياء يمدّ في عمرها، ويُعطي لها فسحة كي تتكاثر وتنمو وتزيد، وهذا ينطبق على النباتات والحيوانات، فالبعض يقطع الأشجار بإسراف ويصيد الحيوانات بشكلٍ جائر، مما يسبب قلة أعدادها وانقراضها.
إن ترشيد الاستهلاك لا يكون في الأموال فقط، بل في كل شيء، لأن الله تعالى عندما أنعم علينا نعمه الكثيرة فرض علينا أن نحترم هذه النعم ونصونها ونصرفها بطريقة صحيحة كي نحفظ حق غيرنا فيها، فالأجيال القادمة أيضاً لها الحق في كل ما هو موجود الآن، وتبذير الاستخدام يعتبر تعدٍ على هذه الحقوق، لهذا فإن ترشيد الاستهلاك هو الحل الأمثل لكل هذا.