شعر-الغزل-الجاهلي
الغزل في العصر الجاهلي
لا يمكن الاطلاع على الشعر في أيّ عصر من تاريخ الأدب العربي، ومنذ العصر الجاهلي وحتَّى العصر الحالي، وقد اختلفتْ نوعية الغزل في الأدب العربي بين عصر وآخر، وبين شاعر وآخر، وقد كان الغزل في العصر الجاهلي ينقسم بين غزل ماجن صريح، وبين غزل عفيف عذري، ويصف الماجنون مفاتن المرأة الجسدية، ويصف العذريون حالات الشوق والهيام التي يعيشونها، وقد تصدَّر الغزل قصائد الشعراء الجاهليين، حيث كان الشعراء يستهلون به قصائدهم، وهذا المقال سيذكر بعضًا من شعر الغزل الجاهلي.[١]
أشهر شعراء الغزل الجاهليين
قبل ذكر ما ورد من شعر الغزل الجاهلي، لقد كان للغزل في العصر الجاهلي مكانة مرموقة، حتَّى أنَّ قصائد الجاهليين كلَّها كانت تحوي بعضًا من أبيات الغزل، والسبب هو أنَّ الجاهليين كانوا يبدؤون قصائدهم ببعض المقدمات الغزلية التي يمهِّد بها الشاعر قبل أن يدخل في غرض قصيدته الرئيس، وكان معظم شعراء الجاهلية يتطرقون لوصف جمال المرأة الجسدي كجمال الوجه وسائر أعضاء الجسد، في حين قلَّ الشعراء الذين وصفوا أثر هذا الجمال على أنفسهم ومشاعرهم، ومن أبرز شعراء الغزل في الجاهلية: عنترة بن شداد وعروة بن حزام، وعبلة بنت مالك، وهؤلاء كانوا عذريين لا يخوضون فيما فحش من الغزل، وفيما يأتي بعض من شعر الغزل الجاهلي.[٢]
شعر الغزل الجاهلي
بعد تعريف الغزل الجاهلي والحديث عن أشهر شعراء الغزل الجاهليين، إنَّ تسليط الضوء على بعض ما ورد من شعر الغزل الجاهلي سيظهر ملامح هذا الفن الشعري في هذا العصر، ولا بدَّ من أخذ قصائد تنتمي إلى الغزل الفاحش، وقصائد من الغزل العفيف، وفيما يأتي أبرز قصائد الغزل الجاهلية:
- يقول امرؤ القيس:[٢]
سموتُ إليها بعد ما نامَ أهلُها
- سموَّ حباب الماء حالًا على حالِ
فقالت: سباك الله، إنَّك فاضحي
- ألست ترى السَّمار والناس أحوال
فقلت: يمين الله أبرح قاعدًا
- ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
حلفتُ لها بالله حلفةَ فاجرٍ
- لناموا فما إن من حديث ولا صالِ
فلما تنازعْنا الحديثَ وأسمحتْ
- هصرت بغصن ذي شماريخ ميالِ
وصرنا إلى الحسنى ورقَّ كلامنا
- ورضت فذلت صعبة أي إذلالِ
فأصبحت معشوقًا وأصبح بعلها
- عليه القتامُ سيئَ الظنِّ والبالِ
يغطُّ غطيط البكرِ شدَّ خناقهُ
- ليقتلني والمرء ليس بقتالِ
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
- ومسنونة زرق كأنياب أغوالِ
وليس بذي رمح فيطعنني به
- وليس بذي سيف وليس بنبَّالِ
وقد علمت سلمى وإن كان بعلها
- بأن الفتى يهذي وليس بفعَّال
وماذا عليه أن ذكرت أوانسًا
- كغزلان رمل في محاريب أقيال
- ويقول الشاعر زهير بن أبي سُلمى:[٣]
صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو
- وَأقْفَرَ من سَلمى التّعانيقُ فالثّقْلُ
وقد كنتُ مِن سَلمَى سِنينَ ثَمانيًا
- على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ، وما يحلُو
وكنتُ إذا ما جئتُ يومًا لحاجةٍ
- مضَتْ وأجَمّتْ حاجةُ الغدِ ما تخلو
وكلُّ محبٍّ أعقبَ النأيُ لبهُ
- سلوَّ فؤادٍ، غير لبكَ ما يسلُو
فأقسمتُ جهدًا بالمنازلِ من منىً
- وما سحفتْ فيهِ المقاديمُ، والقملُ
لأرْتَحِلَنْ بالفَجْرِ ثمّ لأدأبَنْ
- إلى اللَّيْلِ إلاّ أنْ يُعْرّجَني طِفْلُ
- يقول عنترة بن شداد:[٤]
إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي
- طفا بردها حرَّ الصبابةِ والوجدِ
ولولاَ فتاة في الخيامِ مُقيمَةٌ
- لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوما على البعدِ
مُهفْهَفةٌ والسِّحرُ من لَحظاتها
- إذا كلمتْ ميتا يقوم منْ اللحدِ
أشارتْ إليها الشمسُ عند غروبها
- تقُول: إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي
وقال لها البدرُ المنيرُ ألا اسفري
- فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ
فولتْ حياء ثم أرختْ لثامها
- وقد نثرتْ من خدِّها رطبَ الوردِ
وسلَّتْ حسامًا من سواجي جفونها
- كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ
تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ
- ومنْ عجبٍ أن يقطع السيفُ في الغمدِ
مُرنِّحةُ الأَعطاف مَهْضومةُ الحَشا
- منعمة الأطرافِ مائسة القدِّ
يبيتُ فتاتُ المسكِ تحتَ لثامها
- فيزدادُ منْ أنفاسها أرج الندّ
ويطلعُ ضوء الصبح تحتَ جبينها
- فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعدِ
وبين ثناياها إذا ما تبسَّمتْ
- مديرُ مدامٍ يمزجُ الراحَ بالشَّهد
وبين ثناياها إذا ما تبسَّمتْ
- مديرُ مدامٍ يمزجُ الراحَ بالشَّهدِ
شكا نَحْرُها منْ عِقدها متظلِّمًا
- فَواحَربا منْ ذلكَ النَّحْر والعقْدِ
فهل تسمح الأيامُ يا بنةَ مالكٍ
- بوصلٍ يداوي القلبَ من ألم الصدِّ
سأَحْلُم عنْ قومي ولو سَفكوا دمي
- وأجرعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ الملا وحدي
وحقّكِ أشجاني التباعدُ بعدكم
- فها أنتمُ أشجاكم البعدُ من بعدي
حَذِرْتُ من البيْن المفرِّق بيْننا
- وقد كانَ ظنِّي لا أُفارقكمْ جَهدي
فإن عانيت عيني المطايا وركبها
- فرشتُ لدَى أخْفافها صَفحةَ الخدّ
- وقال الأعشى:[٥]
ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ
- وهلْ تطيقُ وداعا أيها الرّجلُ؟
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها
- تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا
- مر السّحابةِ، لا ريثٌ ولا عجلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاسا إذا انصَرَفَتْ
- كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
ليستْ كمنْ يكره الجيرانُ طلعتها
- ولا تراها لسرّ الجارِ تختتلُ
يَكادُ يَصرَعُها لَوْلا تَشَدّدُهَا
- إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ
إذا تُعالِجُ قِرْنًا سَاعةً فَتَرَتْ
- وَاهتَزّ منها ذَنُوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَةٌ
- إذا تَأتّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ
صدّتْ هريرةُ عنّا ما تكلّمنا
- جهلًا بأمّ خليدٍ حبلَ من تصلُ؟
أأنْ رأتْ رجلًا أعشى أضر بهِ
- لِلّذّةِ المَرْءِ لا جَافٍ وَلا تَفِلُ
هركولةٌ، فنقٌ، درمٌ مرافقها
- كأنّ أخمصها بالشّوكِ منتعلُ
إذا تَقُومُ يَضُوعُ المِسْكُ أصْوِرَةً
- والزنبقُ الوردُ من أردانها شملُ
ما رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الحَزْنِ مُعشبةٌ
- خَضرَاءُ جادَ عَلَيها مُسْبِلٌ هَطِلُ
يضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شرقٌ
- مُؤزَّرٌ بِعَمِيمِ النّبْتِ مُكْتَهِلُ
يَوْمًا بِأطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ
- ولا بأحسنَ منها إذْ دنا الأصلُ
علّقتها عرضًا، وعلقتْ رجلًا
- غَيرِي، وَعُلّقَ أُخرَى غيرَها الرّجلُ
وَعُلّقَتْهُ فَتَاةٌ مَا يُحَاوِلُهَا
- مِنْ أهلِها مَيّتٌ يَهذي بها وَهلُ
وَعُلّقَتْني أُخَيْرَى مَا تُلائِمُني
- فاجتَمَعَ الحُبّ حُبًّا كُلّهُ تَبِلُ
فَكُلّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بصَاحِبِهِ
- نَاءٍ وَدَانٍ، وَمَحْبُولٌ وَمُحْتَبِلُ
قالتْ هريرةُ لمّا جئتُ زائرها:
- وَيْلي عَلَيكَ، وَوَيلي منكَ يا رَجُلُ
يا مَنْ يَرَى عارِضا قَد بِتُّ أرْقُبُهُ
- كأنّمَا البَرْقُ في حَافَاتِهِ الشُّعَلُ
- يقول النابغة الذبياني:[٦]
رأيتُ نعمًا وأصحابي على عجلٍ
- والعِيسُ، للبَينِ، قد شُدّتْ بأكوارِ
فريعَ قلبي، وكانتْ نظرةٌ عرضتْ
- حينًا، وتوفيقَ أقدارٍ لأقدارِ
بيضاءُ كالشّمسِ وافتْ يومَ أسعدِها
- لم تُؤذِ أهلًا، ولم تُفحِشْ على جارِ
تلوثُ بعدَ افتضالِ البردِ مئزرها
- لوثًا، على مثلِ دِعصِ الرملة الهاري
و الطيبُ يزدادُ طيبًا أن يكونَ بها
- في جِيدِ واضِحةِ الخَدّينِ مِعطارِ
تسقي الضجيعَ -إذا استسقى- بذي أشرٍ
- عذبِ المذاقةِ بعدَ النومِ مخمارِ
كأنّ مَشمولةً صِرْفًا برِيقَتِها
- من بعدِ رقدتها، أو شهدَ مشتارِ
ألَمحَةٌ من سَنا بَرْقٍ رأى بصَري
- أم وجهُ نعمٍ بدا لي، أم سنا نارِ؟
بل وجهُ نعمٍ بدا، والليلُ معتكرٌ
- فلاحَ مِن بينِ أثوابٍ وأستْارِ
المراجع[+]
- ↑ "غرض الغزل في العصر الجاهلي"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 24-02-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "غزل (شعر)"، www.ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 24-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-02-2020.
- ↑ "إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-02-2020.
- ↑ "ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ، ( معلقة )"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-02-2020.
- ↑ "عوجوا ، فحيوا لنعمٍ دمنة َ الدارِ ،"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-02-2020.