تعريف-الإحسان
محتويات
مكونات الدين الإسلامي
يعدّ حديث جبريل في تعليم الدّين للصّحابة الكرام، خير معينٍ لكلّ من أراد أن يتعرّف على الدّين الحنيف؛ فقد احتوى على أساسيّات هذا الدّين، وهي: الإسلام والإيمان والإحسان، حيث سيكون محور هذا المقال حول تعريف الإحسان، فقد كانت أسئلة جبريل إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أسئلةً دقيقةً وموجزةً، وبالمقابل كانت أجوبة النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أكثر دقّة؛ لما اشتملت عليه من تعاليم الدّين الحنيف، فالحديث يشتمل على الكيفيّة التي يجب أنْ يظهر فيها المسلم، من نظافةٍ ورتابةٍ وأناقةٍ وتواضعٍ، وكذلك كيفيّة أدب المتعلّم مع العالم، إضافة إلى تواضع العالم مع المتعلّم، وكيفيّة طرح السّؤال، وكيفيّة الإجابة عليه.[١]
تعريف الإحسان
يُعرف الإحْسَان لغةً بأنّه ضِدُّ الإساءة، والإحسان هو مصدر الفعل أحسن، أيّ جاء بفعلٍ حسن، وتعريف الإحسان اصطلاحًا: هو مراقبة الله -عزّو جلّ- في الأعمال والأقوال، وهو هنا نوعان: إحسانٌ في عبادة الخالق -عزّ وجلّ- وهو كما عرّفه الرّسول الكريم –صلّى الله عليه وسلّم- عندما سأله جبريل -عليه السّلام- ما الإحْسانُ؟ حيث قالَ: "الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ"،[٢] ويكون ذلك بالقيام بحقوق الله على أكمل وجهٍ بصدقٍ وإخلاصٍ. والنوع الآخر هو الإحسان في حقوق الخَلْق؛ وهو الإخلاص للعباد، بتقديم ما يمكن تقديمه من خيرٍ لهم، وهم بحاجة إليه، وهذا الإحسان يتفاوت بتفاوت المحسَن إليهم، وبحسب إيمان المحسِن وصدقه وإخلاصه، فالإحسان إذًا هو إحسان العبد في عبادة الله تعالى؛ بأنْ يتقرّب إليه بالعبادة كأنّه يراه، فإن لم يكن يراه، فإنّ الله -تعالى- يراه، وإحسان العبد في حقّ عباد الله تعالى، يكون بالإخلاص وببذل المعروف لهم، من قولٍ أو فعلٍ أو مالٍ أو جاهٍ أو أيّ شيءٍ آخر.[٣]
مقام الإحسان
فقد سبق تعريف الإحسان بأنّه عبادة الله -تعالى- وكأنّ المتعبّد يراه، فإن لم يستطع استحضار رؤيته لله، فعليه أن يعلم يقينًا بأنّ الله -تعالى- يراه، وقد أخبر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّ مرتبة الإحسان على درجتين، وأنّ للمحسنين في إحسانهم مقامين مختلفين:[٤]
- المقام الأوّل: ويعدّ هذا المقام هو أعلى المقامين، حيث قال: "أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ"،[٢] وهو عبادة الله تعالى عن قرب، وكأنّ العبد وهو في عبادته يرى الله تعالى، وسمّى بعض العلماء هذا المقام بمقام المشاهدة، فمن وصل إلى ذلك المقام من العباد، تنوّر قلبه حتّى صار لديه الغيب كالعيان، وأوجب لله -تعالى- الخشية والخوف منه، والهيبة والتّعظيم له.
- المقام الثّاني: وهو مقام الإخلاص والمراقبة، وهو بأن يوقن العبد في قرارة نفسه بأنّ كلّ ما يقوم به في حركاته وسكناته، فإنّ الله -تعالى- مطلعٌ عليه، ومراقبٌ له، وبذلك يمتنع العبد من الالتفات إلى غير الله تعالى، وإذا استطاع العبد أن يصل إلى ذلك المقام، سَهُل عليه الوصول إلى المقام الأوّل، ولذلك قال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تعليلًا للأوّل: "فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ".[٢]
الإحسان في العبادة
يُستخلص من تعريف الإحسان بأنّ أعظم عملٍ يقوم به المسلم في الحياة الدّنيا هو عبادته لله تعالى، على أن يقوم بها على أكمل وجهٍ من الإتقان، دون زيادةٍ أو نقصان، وأن يؤدّي صلاته وصيامه وزكاته وحجّه على الوجه الذي أراده الله -عزّ وجلّ-منه، من فرائض وواجبات وسنن، وأن يحسن في أقواله وأفعاله التي يتقرّب بها إلى الله تعالى، ويكون الطّريق إلى ذلك من جواب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على سؤال جبريل عليه السّلام له: مَا الإِحْسَانُ؟ حيث قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"،[٢] فيؤدّي المسلم العبادة وكأن الله -تعالى- أمام ناظريه، فيراه ببصيرته وبصره، فإن عجز عن ذلك، فيعبد الله تعالى وقد أيقن بأنّ الله -تعالى- مراقبٌ لأقواله وأفعاله في السّرّ والعلن، مطّلعٌ عليه في كلّ حركاته وسكناته، حيث قال الله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.[٥]
الإحسان في القول والعمل
ما زال البحث في صدد تعريف الإحسان، وأنّ الإحسان نوعان، نوعٌ في العبادة، وقد سبق الحديث عنه، ونوعٌ مع العباد، ويكون ذلك الإحسان في القول والعمل، وهو ما يخصّ التّعامل مع الخلق والعباد، فما من قولٍ يقوله المسلم أو فعلٍ يفعله، إلّا ويجب عليه أن يخلص فيه، ويصدق، ويتقنه، سواء أكان يخصّ العباد أو العبادة، وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ"،[٦] فقد أوجب الله -تعالى- الإحسان في كلّ شيٍء؛ في أقوال العباد وأفعالهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، وقد نهى الله -تعالى- عن الفساد في كلّ شيء، حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.[٧][٨]
الإحسان في القول
فكما أمر الله -تعالى- المسلم بالإحسان في عبادته، كذلك أمره بالإحسان إلى عباده بالقول وبالعمل، فبالقول بأن يخاطب الناس بكلّ كلامٍ طيّبٍ وحسن، ويحمل الخير لهم كإلقاء السّلام وردّه، كما ويبعد عن الفحش والبذاءة، وعن الكذب والخداع، وعن كلّ كلامٍ يضرّهم أو يقلق راحتهم، حيث قال الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}،[٩] وقال أيضًا: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}،[١٠] وبتقديم النّصح والإرشاد للناس، والدّعوة إلى دين الله بكلّ طيّب من الكلام وليّنه، حيث قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.[١١]
الإحسان في العمل
وأمّا الإحسان في العمل، فيكون من خلال صدق الإنسان مع ربّه أوّلًا، ثمّ صدقه مع نفسه ثانيًا، فلا يمكن أن يكون علاقته حسنة وطيّبة مع ربّه، بينما سيئة مع النّاس، كاذب معهم وغاشّ لهم، فاستخلاصًا من تعريف الإحسان، يمكن القول بأنّ العبد المحسِن تكون علاقته حسنة مع العباد كما مع ربّ العباد، فالإحسان في العمل هو إحسانٌ لعباد الله تعالى؛ لأنّ العمل الدّنيوي يخصّ العباد، كما العمل الأخرويّ يخصّ ربّ العباد، ويوجد العديد من الآيات التي تربط العمل بالعبادة، حيث قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}،[١٢]فالمؤمن الحقّ يعلم بأنّ الله -تعالى- مراقبٌ له في السّرّ والعلن، فلا يغشّ عباد الله، ولا يخدعهم ولا يكذبهم، ولا يخونهم، ولا يغدر بهم، فيعمل معهم بكلّ صدق وإخلاص حيث قال الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}.[١٣]المراجع[+]
- ↑ "تعَلّم دينَك إسلام- إيمان-إحسان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4777، حديث صحيح.
- ↑ "معنى الإحْسَان لغةً واصطلاحًا"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "مراتب الدين الإسلامي "، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحديد، آية: 4.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 1955، حديث صحيح.
- ↑ سورة النّحل، آية: 90.
- ↑ "الإحسان فضله وحقيقته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 53.
- ↑ سورة البقرة، آية: 83.
- ↑ سورة النّحل، آية: 125.
- ↑ سورة العصر، آية: 1-3.
- ↑ سورة الزلزلة، آية: 7-8.