سؤال وجواب

أمثلة عن الجناس الناقص


الجناس في البلاغة

الجناس في البلاغة هو أحدُ المحسنات اللفظية، وتعريف الجناس لغةً هو المشاكلة، والاتحاد في الجنس، يُقال: جانَسهُ، إذا شاكله، واشترك معه في جِنْسه، وجنسُ الشيء أصله الذي اشْتُقَّ منه، وتعريف الجناس في الاصطلاح: هو أن يتشابه اللَّفْظانِ في النُّطْقِ مع اختلافهما في المعنى، والوجه الإبداعيّ في الجناس يكمن في كونه يوهم الدّارس للوهلة الأولى أن اللفظة مكررة ولكن بعد تدقيقٍ وفهمٍ للمعنى يتبين الفرق بين اللفظتين، ومع ما في الجناس من إبداع إلا أنه مشروط بألا يكون مُبالغًا فيه أو متكلّفًا. ولا بد لدارس البلاغة والباحث في تفاصيل الجناس أن يعلم أن الجناس قد يكون ناقصًا وقد يكون تامًّا والفرق بين النوعين يتضح عندما تُطرح أمثلة على الجناس التام، وأمثلة عن الجناس الناقص.[١]


أنواع الجناس

الجناس هو باب من أبواب علم البيان والبديع، والتي لها أثر كبير في البناء البلاغي والموسيقي للنصوص الشعرية والنثرية، والجناس في البلاغة له نوعان، لكل منهما تفاصيل وشروحات وأقسام وضحها علماء البلاغة في الكتب والمراجع البلاغية، وهذان النوعان هما: [٢]


الجناس التام

هو أن يتفق اللفظان في هيئة الحروف، ونوعها، وعددها، وترتيبها، والمقصود بهيئة الحروف أي الحركات "فتحة، ضمة، كسرة، سكون"، أما نوع الحروف فيقصد به نوع الحرف راء أو عين أو شين، وبالنسبة للعدد فهو تشابه الكلمتين في عدد الحروف، والترتيب أن يكون ترتيب حروف الكلمتين متشابهًا، مع أهمية التركيز على الاختلاف في المعنى.


الجناس الناقص

إن التعريف هو المدخل لمعرفة كلٍ من النوعين، وعندما تُطرح الأمثلة عن الجناس الناقص سيكون الفرق واضحًا وجليًّا، وتعريف الجناس الناقص هو الذي تختل فيه إحدى شروط الجناس التام فيكون هناك اختلاف بين اللفظتين إما من حيث نوع الحروف، أو هيئتها، أو عددها، أو ترتيبها، مع وجود اختلاف في المعنى، فهو بذلك بعكس الجناس التام، وسيكون التعريف أوضح عندما تُعرَض الأمثلة عن الجناس الناقص وتُشرح بالتفصيل.


أمثلة عن الجناس الناقص

الجناس الناقص هو النوع الثاني من أنواع الجناس، ومما هو جدير بالذكر أن الأمثلة عن الجناس الناقص موجودة بكثرة ووفرة في الشعر والنثر وفصيح الكلام، واكتشاف الجناس بين اللفظتين إذا كان ناقصًا أيسر وأسهل منه إذا كان تامًّا لوجود اختلافٍ يمكن الوقوع عليه بالنظر، ومن الأمثلة عن الجناس الناقص:

  • قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[٣] الجناس في هذه الآية بين لفظتي: ناضرة وناظرة، وهو جناس ناقص وقع في نوع الحروف، فالاختلاف فقط بين حرفي الضاد والظاء، إضافة إلى اختلاف المعنى.


  • قوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ*إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}[٤] الجناس الناقص وقع بين لفظتي: الساق والمساق، وهو جناس ناقص في عدد الحروف، فقد اتفقن الكلمتان في نوع الحروف وهيئتها وترتيبها، واختلفتا في عدد الحروف وفي المعنى.


والْحُسْنُ يَظْهَرُ فِي بَيْتَيْنِ رَوْنَقُهُ

بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ أَوْ بَيْتٍ مِنَ الشَّعَر

الشاهد هنا في لفظتي الشِّعر، والشَّعر، فقد اختلفت اللفظتان في هيئة الحروف إذ اختلفت الحركات فيما بينها، واختلفتا في المعنى أيضًا، واتفقتا في نوع الحروف وعددها وترتيبها، فهو جناس ناقص.


  • قول حسان بن ثابت:[٥]

وَكُنّا مَتى يَغزُ النَبِيُّ قَبيلَةً

نَصِل حافَتَيهِ بِالقَنا وَالقَنابِلِ

الجناس في هذا البيت بين لفظتي: القنا والقنابل وهو جناس ناقص واقع في عدد الحروف، فقد اتفقت اللفظتان في نوع الحروف وهيئتها وترتيبها، واختلفتا في عدد الحروف في المعنى.


وظيفة الجناس البلاغية

بعد أن اتضحت الصورة حول الجناس ونوعيه، وفُصّلت الأمثلة عن الجناس الناقص وشُرحت، لا بد أن يعرف الدارس الأثر الذي يتركه هذا المحسن من المحسنات اللفظية في نصوص اللغة العربية، أو السبب الذي يجعل الكاتب يستخدم الجناس في نصوصه، إضافة إلى الفائدة المرجوة من هذا الاستخدام، وبعد البحث والتدقيق تبين أن الجناس يستعمله الأديب أو الشاعر حتى يؤثر في نفوس سامعيه ويخلب ألبابهم، ويسحر عقولهم، إضافة إلى أن استعمال الجناس يدل على الجهد الكبير الذي بذله الأديب في إبداع نصه وتنميقه، ولا سيما من ناحية التصوير ودقته وبراعته؛ ولذلك كثيرًا ما يجهد الأديب خياله وفكره ويعيد مراجعة نصوصه مرارًا وتكرارًا ليأتي فيه بالنادر الطريف المختلف عن غيره من المبدعين.[٦]


استعمال الجناس وتركه

إن الجناس على ما فيه من فن وإبداعٍ، وتنميق للنصوص ومتعة في المجانسة بين اللفظتين إلا أنه ليس مطلوبًا دائمًا، بل في بعض المواضع يكون تركه أفضل وأوضح من الإتيان به، ويحسن ترك الجناس وإن تيسّرعندما يقتضي المعنى تركه وعَدَمَ الاحتفاء به، وذلك لأن مراعاة المعاني أهم من مراعاةِ الألفاظ. ومن الشواهد الواضحة ما جاء في قول الله -عزَّ وجلَّ-: {قَالُواْ يَا أَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[٧]. فلو أُريد الإتيان بالجناس لقيل: وما أنْتَ بمصدِّقٍ لنا وإنْ كنّا صادِقين. إلا أنّ هذا الجناس يلغي معنًى أرادوا التعبير عنه، وهو أنَّ أباهم غَيْر مطمئن لمشاعرهم نحو أخيهم، إذْ هُو يعلمُ حسَدَهم له، فلو كانوا صادقين حقّاً وصَدَّقهم لما وصلَ تصديقه إلى درجةِ الإِيمان الذي يُحدِث في القلب الطَّمْأْنينة.[١]


ومن الأمثلة أيضًا قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}[٨]، لربّما سأل الدارس: لم لم تكنْ الجملة كالآتي: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وتَدَعُونَ أَحْسَنَ الخالقين. الإجابة عن ذلك في أنّ استخدام هذا الجناس يُلغي معنىً مقصودًا، والدّلالة عليه أهمّ من الاحتفاء بمُحَسِّنٍ لفظي؛ وذلِكَ لأَن كلمة "تَدَعُون" تدلُّ على أنّ المتروكَ شيءٌ معتنًى به، لأن مادّة الكلمة ليست موضوعة لمطلَق التَّرْك، بل هو ترك مقرون بالاعتناء بحال المتروك، والمخاطبون عُبَّادُ "بعل" غيْر مهتمّين ولا معتنين بالله ربِّ العالمين، أحْسَنِ الخالقين، بخلاف عبارة: "تَذَرُونَ" فإنّ مادَّتَها موضوعة لمطلق الترك أو للترك مع إعراضٍ وإهمال وعدم اعتناءٍ بالمتروك مطلقًا، وبناء على هذا رُجِّح جانب المعنى على جانب المحسّن اللفظي.[١]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب ت ث "الجناس"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019. بتصرّف.
  2. "جناس"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019. بتصرّف.
  3. سورة القيامة، آية: 22-23.
  4. سورة القيامة، آية: 29-30.
  5. "أهاجك بالبيداء رسم المنازل"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2019.
  6. " الخصائص اللفظية "، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019. بتصرّف.
  7. سورة يوسف، آية: 17.
  8. سورة الصافات، آية: 125.