أول مدينة تأسست في المغرب
محتويات
الفتح الإسلامي للمغرب
لم يتّخذ المسلمون في المغرب مركزًا ثابتًا خلال السنين الطويلة التي استغرقتها المرحلة الأولى من فتوحِهم وحملاتهم؛ لذا كانوا يعودون إلى قواعدهم في برقة وطرابلس التابعتَيْن لولاية مصر بعد أن يعاهدوا أهل القبائل من البربر والأمازيغ على الإسلام، لكن الكثير من القبائل كانوا يعمدون إلى نقض العهود مع انكفاء المسلمين إلى قواعدهم، ومع بداية عهد الخلافة الأموية وجّه الخليفة معاوية بن أبي سفيان جلّ اهتمامه لإنهاء الفتوح في المغرب، فجهز الجيوش، وزاد لهم النفقات والتعزيزات، وفي عام 50 هـ عيّن الخليفة معاوية القائدَ عقبة بن نافع واليًا على مصر، فبدأ المرحلة الثانية من الفتح الإسلامي للمغرب، وتاليًا حديث عن استكمال الفتح، وكلام مفصل عن أول مدينة تأسست في المغرب.[١]
أول مدينة تأسست في المغرب
كان عقبة بن نافع والذي عرف فيما بعد عمرو بن العاص ، وقد أقام منذ الفتح الأول لمصر في إفريقيا لم يغادرها، وقد اجتهد في دعوة القبائل للإسلام، وخبر إفريقيا وعرف أهلها وعرفوه، وبعد تعيينه واليًا أعاد عقبة فتح سرت، وأسلم له أهل جرمة، ثم قرّر أن يبني للمسلمين مدينة تكون مركزًا ثابتًا في المغرب تنطلق منه الجيوش، ويكون منارة للعلم يقصدها أهل تلك المناطق ليتعلموا دين الإسلام، فتثبت عقيدة التوحيد في قلوبهن[١]
وأخذ عقبة بن نافع المشورى من الأمراء في أمر المدينة، فأشاروا عليه بأن تكون على البحر، فرفض؛ كي لا تتعرض لهجمات أساطيل الروم، وقام بدراسة الطبيعة الجغرافية للمناطق التي وصل إليها المسلمون، فاختار لها موقعًا وسطًا عند واد خصيب كثير الشجر والمراعي، يبعد عن البحر مسيرة يوم، ومسيرة يوم أيضًا عن الجبال التي تحصنت بها القبائل التي رفضت الإسلام، حتّى يَأمن المسلمون مباغتة أعدائهم من الجانبين، فيعلموا بتحركات القبائل، ويخبروا إذا ما رَسَت سفن الرومان على الشواطئ، وفي عام 51 هـ شرع ببناء المدينة الكائنة اليوم، فأمر بقطع الأشجار، وبدأ بالمسجد ودار الإمارة، وأطلق عقبة بن نافع على المدينة اسم القيروان، وهي كلمة فارسية تعني المعسكر، فكانت القيروان أول مدينة تأسست في المغرب معسكرًا كبيرًا لجيوس المسلمين ومُنطلقًا لحملاتهم نحو باقي الأراضي المغربية، وهي الكائنة اليوم وسط دولة تونس الحديثة.[٢]
مراحل بناء مدينة القيروان
تم تخطيط المدينة على النمط الإسلاميّ، فمسجد القيروان قبالة دار الإمارة في قلب المدينة، وبينهما يبدأ الشارع الرئيسي للقيروان، والذي سمّي بالسّماط، ثم ترك عقبة فراغًا واسعًا حول المسجد ودار الإمارة في هيئة دائرة، ثم قسّمت الأراضي، وبدأ بناء الأحياء خارج الدائرة، لتكون استمرارًا للسماط إلى نهاية المدينة في الاتجاهين.[٣]
وأقيمَت حول المدينة الأسوار العالية، وقد تطوّرت هذه الأسوارعلى مدى التاريخ؛ لتكوّن حصنًا يصدّ عن أهل المدينة هجمات الغزاة، ولم يهمل أهل القيروان على مرّ الزمان إصلاح الأسوار بعد كل غزوة إذا ما أصابها شيء من الهدم، وفي الحرب العالمية الثانية هدم الألمان جزءًا من سور المدينة؛ لاستعمال حجر الطابوق في رصف مدرج للطائرات، وبقيت الأجزاء الأكبرمن أسوار القيروان شاهدة على تاريخ أول مدينة تأسست في المغرب.[٤]
الأهمية العسكرية لمدينة القيروان
أنفق عقبة الكثير من المال والوقت لتجهيز المدينة، فقد أراد أن يكون عسكر المسلمين وأهلهم وأموالهم في مأمن، وكان اختيار موقع القيروان ملحوظ الأهمية في غاية التوفيق عسكريًا، فقد قامت على مسطّح أرضي يسهل معه أمر الاستنفار إلى الجهاد في حالات الدفاع والهجوم على حدّ سواء، فمن القيروان يمكنه تجهيز الجيوش، كما يمكنه التزود بالمؤن للحملات، ومن القيروان يُرَى العدو من بعيد على جميع الجّبهات، وهو ما حمى المدينة من الغارات المفاجئة الكثيرة من البربر، فإذا أراد الجيش المعسكر بالمدينة أن يطاردهم إلى هضابهم وجد الطرق مفتحة أمامه، حتى لَيصل إلى أعالي الهضاب بمسير بضع ساعات، وكذلك كان الفرسان الخفاف قادرين على القيام بالحملات الاستطلاعية وبالغارات السريعة والحراسة الدائمة، وقد أدرك أهمية هذا الموقع جميع الولاة من بعد عقبة، وكذلك أمراء الدول التي قامت بعد ذلك في المغرب، ولذلك أقاموا فيها، ولم يتركوها إلا إذا اضطرتهم لتركها أحوال السياسة.[٥]
المكانة العلمية لمدينة القيروان
نزلت العديد من قبائل البربر التي دخلت الإسلام إلى القيروان، وشرعوا بتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم، فشهدت المدينة بين سنتي 50 و55 هـ حركة علمية كبرى وكانت إضافًة إلى كونها معسكر الجيوش منارة للعلوم الدينية ومنهلُا للثقافة، ومع استكمال فتح المغرب على يد عقبة بن نافع كبرت مكانتها العلمية، فعقدت حلقات العلم في مسجدها الجامع، وبنيت المدارس التي قصدها أبناء المغرب وغيرهم من البلدان المجاورة.[٦]
وأقام في القيروان عدد من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد استكمال الفتح يعلّمون الناس علوم دينهم، فازدهرت علوم القرآن والحديث، ثم علوم الفقه والتفسير، وقد ذكر المؤرّخون أن عددًا من هؤلاء الصحابة كانوا مع عقبة عندما طاف حول المدينة أثناء بنائها، وهو يدعو لها بأن يؤمها طلبة العلم من كل مكان.[٧]
وعلى مرّ السنين قصد المدينة العلماء والدعاة من المشرق، فارتفع بهمتهم شأن اللغة العربية بين أبناء المغرب، وأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى المدينة بعثة علمية من عشرة أشخاص من التابعين انقطعوا لتعليم النّاس أمور دينهم، وفي عهد هارون الرشيد في بغداد، واستقدم الأمير إبراهيم بن أحمد التغلبي عددا كبيرا من علماء العلوم الكونية من فلك، ورياضيات وهندسة، وأرسل إلى بغداد بعثة كل ستة أشهر يجدّدون الولاء للخليفة، ويأتون بنفائس الكتب وصار بيت الحكمة معهدًا للدراسة والعلم والترجمة والبحث.[٦]
اشتهر في كلّ عصر من العصور عدد من العلماء، فمن التابعين الذين أرسلهم الخليفة عمر بن عبد العزيز إسماعيل بن عبيد الله، وعبد الله بن يزيد الحلبي الذي شهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير، ومن الفقهاء الإمام سحنون بن سعيد الذي ألف كتاب المدونة عن فقه المذهب المالكي، والفقيه أسد بن الفرات قاضي إفريقية وفاتح جزيرة صقلية، وكذلك لمع اسم محمد بن الأمام سحنون، وعبد الله القزاز، وابن رشيق القيرواني، وابنه الحسين، وابن هانئ الأندلسي، وعالم اللغة عبد الكريم النهشلي، وأبو إسحاق الحصري القيرواني صاحب زهر الأدب، وبرز في مجال الطب عائلة الجزار الذين توارثوا علوم الطب والأدوية جيلًا بعد جيل، ولا يمكن حصر أسماء علماء مدينة القيروان في مختلف ضروب العلم، فقد أنجبت أول مدينة تأسست في المغرب عددًا كبيرًا من أنجب وأشهر العلماء الذين ذاع صيطهم وانتشرت كتبهم في أرجاء العالم قديمًا وحديثًا.[٦]المراجع[+]
- ^ أ ب "الفتح الإسلامي للمغرب"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 05-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "القيروان"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 05-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "بناء مدينة القيروان"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "القيروان"، http://al-hakawati.net، اطّلع عليه بتاريخ 06-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "قصة عقبة بن نافع فاتح تونس والقيروان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 06-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "القيروان مجد شامخ وإرث عريق"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-08-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد محمد زيتون (1988)، القيروان ودورها في الحضارة الإسلامية (الطبعة الأولى)، القاهرة - مصر: دار المنار، صفحة 186. بتصرّف.