سؤال وجواب

قصة حب قصيرة


قصة حب قصيرة

قصص الحب كثيرة ومتنوّعة، منها ما يُضحك ومنها ما يُبكي، ولكن ما ألفته البشرية عن الحب، هو ذاك الحب الممزوج بالآهات والدموع، كيف لا والحب أعمى يقود زمامه ذاك القلب الضعيف والعقل المجنون، وما سيُروَى الآن هو قصة حب قصيرة ولكنها أدمت القلوب كافةً، كانت تلك الفتاة البائسة قد شاءت لها الأقدار أن تترعرع في عائلةٍ تميل لذكورها أكثر من إناثها، وزوجتها تلك الأم التي تخلت عن كل مشاعر الأمومة التي يجب أن تتحلى بها لأول طارقٍ يطرق بابها، والذي يكبرها بثلاثين سنة.


لم يكن لتلك الفتاة حول ولا قوة، فقد وقع عليها حكم تلك الأم الظالمة التي لم تَتَوانَ عن الإلقاء بها في هذا السجن، والتي حكمت عليها به بالمؤبد مع الأشغال الشاقة لا لشيء وإنما لأنها وُسمت بعار الأنثى، وقدر الله لها أن تكون من هذا الجنس اللطيف والضعيف الذي هُشم أخر مظاهر براءته في هذه العائلة، انتقلت تلك الفتاة المسكينة التي لم تبلغ من العمر سبعة عشرة ربيعًا، لتقاسي ما تقاسيه هناك من الظلم والأسى والليالي السوداء التي كُتبت عليها، لم تستسلم عذاب، أجل فاسم تلك الفتاة كان عذاب هذا ما أرادته لها والدتها العذاب في حياتها والعذاب في اسمها، قاومت عذاب تلك الحياة، وصمدت وبدأت تبني من العقبات والألم سلمًا عسى أن ترى شعاع الأمل في إحدى نوافذ الحياة.


لم يستطع جسدها الغَضّ تحمُّلَ هذا الألم كله، بل لم تستطع روحها أن ترزخ تحت هذا العذاب أكثر من ذلك، فهربت في إحدى الليالي المظلمة، ولكن إلى أين؟ وإلى مَن؟، هذا ما كانت جاهلةً به، فهي وحيدة إلا من عائلة الذئاب تلك التي رمتها بكل قسوة دون أن تبالي لاستغاثتها وأصوات ندائها، أصبحت عذاب شاردةً ضائعة ولكن ثقتها بربها كبيرة، رأت نورًا ينبعث من أحد الأكواخ البعيدة عن الطريق فهرعت إليه عله يحميها من ذاك الظلام الذي ملأ قلبها قبل أن يملأ المكان، وجدت هناك عجوز وعجوزة يتسامران في ضوء القمر، اللذان عطفا عليها وقدمها لها الطعام وغرفة تستريح فيها بعد أن استمعا لقصتها الحزينة.


بقيت تلك الفتاة عندهما؛ رغبةً منهما للاعتناء بهما وستجد عندهما الأمان، فرحت عذاب كثيرًا ولكن انتبهت السعادة أن تلك الفتاة قد تمتعت بها أكثر مما ينبغي، وفي أحد الأيام طرُق الباب لتفتحه عذاب التي حباها الله جمالًا لا يقاوم، فكان على الباب شابٌ وسيم لطيف الوجه والابتسامة تعلو محياه، تلاقت عيناهما ليغزلا قصة حب قصيرة ولكنها ستكون دامية، فقال لها: من أنت يا سيدتي؟، قالت له: أنت من تطرق على الباب وأنت من يجب أن يعرف عن نفسه، فقال لها: أنا فداء ابن صاحب هذا البيت، اعتذرت منه عذاب كثيرًا على موقفها، وابتعدت ليدخل ويسلم على والديه وقد تحدثا له عن قصة تلك الفتاة المسكينة، شعر فداء بالحزن والأسى عليها فهي كوردةٍ نبتت بغابة من الأشواك.


أصبح فداء كثيرًا ما يتردد لمنزل والديه اللذَيْن لاحظا اهتمامه بعذاب، وبدأ فداء يعلمها الفنون واللغات ولأنها موهوبة وذكية أحرزت الكثير من التقدم والنجاح، وبدأ الاثنان يقضيان الوقت الطويل وهما يسيران في الأحراش القريبة من الكوخ، ليولَد حبٌ صغير بينهما وترعاه البراءة والطيبة اللتان تسكنان عيني عذاب، ولكن عذاب كانت تخاف من تلك السعادة التي أصبحت ترفل فيها، فقد قاست الكثير من الألم في حياتها وكانت دائمة الطلب من فداء أن يبتعد عنها، ولا يريها الحياة الجميلة، لأنه إن تركها ستكون ضربةً قاسمةً ولن تقوى على الصبر من جديد، وفداء يعطيها العهود والمواثيق بأنه سيكون معها ولها ولن يسمح للدموع أن تعرف طريقًا لعينيها.


ولكنّ فداء نكث هذا الوعد وطعن ذاك الحبّ، فهو كمهندسٍ مشهور لم يوافق والداه على ذاك الحب، وهو كرجلٍ شرقي لم يقاوم رغبة والديه فاختفى في ليلة مظلمة عن حياة عذاب التي زادت ظلامًا ووحشة، فهو لم يتركها تتجرع جراحات قلبها وحسب، وإنما حرمها من الأمان الذي كان تعيشه في بيت والديه، فقد صرفاها من المنزل بحجة سفرهما، خرجت عذاب من بيت العجوزين لتخوض في بحر الحياة وتواجه القسوة التي لم ترحم ضعفها ولا رقّتها.


وقفت عذاب بجانب شجرة لترمق بعينيها الذابلتين نجومًا، تائهة في السماء كحالها في الأرض مناجيةً ربها بأنها ضاقت بهذه الحياة، فكانت رحمة ربها كفيلةً بأن تنجيها من تلك القلوب القاسية، لتشرق الشمس على جثتها وفي يدها قصاصة ورقٍ مكتوبٌ عليها، أنا خطيئة عائلتي التي رمتني ببحرٍ هائج ولم تعلّمني السباحة، وانتهت بذلك قصة حب قصيرة رسمت على شفتي عذاب بعض الابتسامات التائهة هنا وهناك، ولكنها استلّت روحها في النهاية.