حكم احتكار السلع عند تفشي الأوبئة
محتويات
مفهوم الوباء
قبل الحديث عن حكم احتكار السلع عند تفشي الأوبئة، لا بُدّ من الحديث عن مفهوم الوباء، فالوباء: هو كل مرض شديد العدوى، يمتاز بسرعة الانتشار من مكان إلى مكان، يصيب الإنسان والنبات والحيوان، كما أنّه عادةً ما يكون قاتلًا كالطاعون والكوليرا وغيرها من الأوبئة، والوباء إما مستوطن وإما موضعيّ، فالمستوطن دائم الانتشار في البلد، أما الموضعيّ فمحدود الانتشار لا يتجاوز المنطقة الجغرافية أو المرزعة التي نشأ بها، والوباء مفرد لكلمة أوبئة،[١] وعادةً ما يقترن الوباء بكلمة تفشي، والتفشي لغة: الزيادة المفاجئة في حدوث المرض في مكان وزمان محددين، فمصطلح التفشي يدل على التوسع والانتشار، ويستعمل في العادة مع الأمراض المعدية، وكذلك مع الأمراض المرتبطة بالبيئة، وفي كثير من حالات تفشي الأوبئة يُنصح بالاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل اليدين باستمرار، وذلك للقضاء على البكتيريا والفيروسات، كما أنّ معرفة سبب تفشي الوباء يساعد على مكافحته والقضاء عليه، وقد ينتقل الوباء عن طريق الإنسان أو الحيوان.[٢]
حكم احتكار أسعار السلع عند تفشي الأوبئة
قد يستائل البعض عن حكم احتكار السلع عند تفشي الأوبئة، فحكم احتكار السلع عند تفشي الأوبئة من الأمور المحرمة في الإسلام، لما فيه من استغلال لحاجة الناس، فقد يقوم بعض التجار باستغلال حاجة الناس والظروف المحيطة بقصد الاحتكار ورفع الأسعار؛ لكي يحقق المكاسب المادية لنفسه، وهذا من صور الإفساد في الأرض، ولا يتوافق مع ضوابط التجارة في الإسلام، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}،[٣] مرجع وقد حث الإسلام على التعاون والتكافل والتراحم بين الناس، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وشَبَّكَ أصَابِعَهُ"،[٤] وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول صلّى الله عليه وسلّم: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى"،[٥] وقد توعد الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- المحتكر بالعذاب يوم القيامة، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن دخلَ في شيءٍ من أسعارِ المسلمينَ ليُغْليَهُ علَيهِم فإنَّ حقًّا علَى اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى أن يُقْعِدَهُ بعِظَمٍ منَ النَّارِ يومَ القيامةِ . قالَ: آنتَ سمِعتَهُ مِن رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ - ؟ قالَ : نَعم غيرَ مرَّةٍ ولا مرَّتَينِ".[٦][٧]
الاحتكار
الاحتكار مصدر لكلمة احتكر، والحكر يدل على الحبس، وقد قال الجوهريّ رحمه الله: "واحتكار الطّعام: جمعه وحبسه يتربّص به الغلاء، وهو الحكرة بالضّمّ، والحكر: الاسم من الاحتكار"، وقال ابن منظور رحمه الله: "الحكر: ادّخار الطّعام للتّربّص، وصاحبه محتكر، وأصل الحكرة: الجمع والإمساك، والحكر والحكرة الاسم منه، والحكر جميعًا: ما احتكر، وإنّهم ليتحكّرون في بيعهم: ينظرون، وقال ابن حجر رحمه الله: "الاحتكار: إمساك الطّعام عن البيع، وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة النّاس إليه"، فالاحتكار يدل على الإمساك والحبس بقصد الربح.[٨]
حكم احتكار السلع
الاحتكار محرم في كل ما يحتاج إليه الناس في حياتهم، وفي كل ما يتضررون بحبسه، وقد وصف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- المحتكر بالخاطئ، فعن معمر بن عبدالله بن نضلة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لا يَحْتَكِرُ إلَّا خاطِئ"،[٩] ففي هذا الحديث الدليل على تحريم الاحتكار، فالخاطئ يعني العاصي الآثم، كما وصف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- المحتكر بالملعون، والملعون يُطرد من رحمة الله تعالى، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "المحتكرُ ملعونٌ"،[١٠] فالاحتكار محرم لما فيه من إلحاق الضرر والأذى والحرج بالناس، وينبغي أنّ تنتشر الرحمة بين الناس ويتمنون لبعضهم البعض الخير، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"،[١١] وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "منْ لا يَرحمْ لا يُرحمْ، ومنْ لا يَغفرْ لا يُغفرْ لهُ، ومنْ لا يتبْ لا يُتبْ عليهِ"،[١٢] أما حكم ما لا يحتاجه الناس فيجوز تخزينه حتى يحتاجون إليه فيُبذل لهم من غير استغلال.[١٣]
الوقت الذي يمنع فيه الاحتكار
بعد الحديث عن حكم احتكار السلع عند تفشي الأوبئة وعن حكم احتكار السلع، فمن الجدير الحديث عن الوقت الذي يمنع فيه الاحتكار، فقد اتفق الفقهاء على وجوب منع الاحتكار في حالة الضيق وحاجة الناس؛ وذلك من أجل عدم إلحاق الأذى والمشقة بالناس من وراء ذلك، أما وقت الرخاء واليسر فقد ورد الخلاف داخل مذهب الإمام مالك على منع الاحتكار فيها، فقد روىَ أنّه لا يُمنع الاحتكار في أوقات الرخاء واليسر، كما روىَ أنّ احتكار الطعام يمنع في كل الأوقات، فيمنع في وقت الرخاء واليسر وفي وقت الشدة والعسر، أما غير الطعام فلا يُمنع احتكارها إلا في وقت الضرورة والحاجة إليها من غالبية الناس، كما يجب الإشارة إلى أنّ الاحتكار يكون بهدف البيع وطلب الربح عند تقلب الأسواق وحاجة الناس إلى السلع المختلفة، أما من يدخر القوت لنفسه أو لأهله فلا يُعد هذا من الاحتكار المحرم، لأنه لا يضر بالناس، وهذا ما كان يفعله الصحابي معمر رضي الله عنه، وكذلك كان يفعله سعيد بن المسيب رحمه الله، فعن معمر بن عبدالله بن نضلة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: مَنِ احْتَكَرَ فَهو خاطِئٌ، فقِيلَ لِسَعِيدٍ: فإنَّكَ تَحْتَكِرُ، قالَ سَعِيدٌ: "إنَّ مَعْمَرًا الذي كانَ يُحَدِّثُ هذا الحَدِيثَ، كانَ يَحْتَكِرُ"،[١٤] فقد قصد سعيد -رحمه الله- الاحتكار المباح الذي لا يلحق به الأذى والضرر بالناس.[١٥]المراجع[+]
- ↑ "وبأ"، al-maktaba.org، 18-3-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.
- ↑ "تفشي (وبائيات)"، ar.wikipedia.org، 18-3-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 60.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 481، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 2586، حديث صحيح.
- ↑ رواه الوداعي، في الصحيح المسند، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم: 1148، حديث صحيح.
- ↑ "دار الإفتاء تجيب عن أهم 9 أسئلة عن فيروس كورونا من الناحية الشرعية"، www.youm7.com، 18-3-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.
- ↑ "الاحتكار"، al-maktaba.org، 18-3-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معمر بن عبدالله بن نضلة، الصفحة أو الرقم: 1605، حديث صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 9157، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 13، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جرير بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 6600، حديث صحيح.
- ↑ "الاحتكار المحرم يكون في كل ما يحتاج الناس إليه"، al-maktaba.org، 18-3-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معمر بن عبدالله بن نضلة، الصفحة أو الرقم: 1605، حديث صحيح.
- ↑ "تحديد أرباح التجار "، al-maktaba.org ، 18-3-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-3-2020. بتصرّف.