حكم الاستناد على علم الفلك الحديث

محتويات
علم الفلك
تُطلق كلمة الفلك في اللغة العربية على غير معنى واحد، فقد تأتي بمعنى التل المستدير وتأتي بمعنى المدار الذي يسبح فيه الجرم في السماء، وإذا قيل: فلك البحر فيعني موج البحر، وقد وردتْ هذه الكلمة في القرآن الكريم في قول الله تعالى في سورة الأنبياء: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}،[١] أمَّا علم الفلك فيُعرَّف هذا العلم على أنَّه علم يختص بدراسة حركات الأجرام السماوية وأحوالها؛ فهو يدرس التغيرات التي تطرأ على هذه الأجرام بين الحين والآخر، ويركز على دورات هذه الأجرام وأبعادها ومواقيت ظهورها بالتفصيل، وفي هذا المقال سيتم الحديث عن حكم الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال كما سيتم التفصيل في مسألة الخطأ في رؤية هلال شهر رمضان أو شهر شوال في الإسلام.[٢]
حكم الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال
في بدايات شهر رمضان من كلِّ عام وفي نهاياته أيضًا، يبدأ الجدل حول مسألة رؤية هلال شهر رمضان وهلال شهر شوال، فالصوم والإفطار لا يكون في الإسلام إلَّا برؤية الهلال، ودليل هذا ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في صحيح الإمام مسلم: "أنَّ أُمَّ الفَضْلِ بنْتَ الحَارِثِ، بَعَثَتْهُ إلى مُعَاوِيَةَ بالشَّامِ، قالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الهِلَالَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ في آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، ثُمَّ ذَكَرَ الهِلَالَ، فَقالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الهِلَالَ؟ فَقُلتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَقالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فلا نَزَالُ نَصُومُ حتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلتُ: أَوَلَا تَكْتَفِي برُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ"،[٣] وجدير بالذكر إنَّه مع تطوُّر الحياة البشرية أصبحت مسألة رؤية الهلال أدقُّ علميًا إلى حدٍّ ما، مع وجود آليات رؤية الهلال الحديث التابعة لعلم الفلك، ولكنّ هذه الآليات العلمية تطرح سؤالًا شرعيًا هامًا يدور حول حكم الاستناد إلى علم الفلك الحديث في رؤية الهلال في الإسلام، وفيما يأتي تفصيل في مسألة حكم الاستناد إلى علم الفلك الحديث في رؤية الهلال:[٤]
حكم رؤية الهلال بالمنظار
قبل التفصيل في مسألة حكم الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال، لا بدَّ من تعريف المنظار، والمنظار في اللغة هو مفرد كلمة "مناظير" وهو اسم آلة من الفعل "نظر"، وتأتي كلمة المنظار في اللغة أيضًا بمعنى المرآة، وهو الأداة العلمية التي تٌستخدم لرؤية الأجرام السماوية البعيدة، ويُسمَّى في علم الفلك بالتِّلسكوب، وهو أيضًا آلة بصرية يستخدمها العلماء الطبيعيون في رؤية الأجسام الصغيرة وفي هذه الحالة تُسمَّى بالمجهر أو الميكروسكوب،[٥] أمَّا فيما يخصُّ مسألة حكم الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال فقد انقسم أهل العلم في هذه المسألة بين مجيز ومانع، وفيما يأتي أقوال المجيزين وأقوال المانعين:
- المجيزون: بتطور العلم الحديث وتطور الوسائل العلمية الحديثة في كلِّ مجالات الحياة، طرح مجموعة من الأسئلة الشرعية حول حكم استخدام العلم في تحري الدقة في بعض المسائل الشرعية، ومن بينها مسألة رؤية الهلال، وفي هذه المسألة ذهب قسم من أهل العلم إلى أنّهُ يجوز استخدام المراصد الفلكية من أجل رؤية الهلال مع ضرورة التنبيه إلى أنّ رؤيته بالمراصد ليست واجبًا شرعيًا، فإذا تمَّت رؤية الهلال بواسطة المراصد الفلكية الحديثة وكان من رآه ممن يوثَقُ بهم فإنَّه يجوز للمسلمين العمل بهذه الرؤية، وقد ذهب إلى هذا الرأي كلُّ من ابن باز وابن عثيمين وهو رأي مجمع الفقه الإسلامي، أمَّا دليلهم في هذا الرأي فهو حديث أبي أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "الشَّهرُ يَكونُ تسعةً وعشرينَ، ويَكونُ ثلاثينَ، فإذا رأيتُموهُ فصوموا وإذا رأيتُموهُ فأفطِروا فإن غُمَّ عليْكم فأَكمِلوا العدَّةَ"،[٦] فالرؤية المقصودة في الحديث الشريف تكون أيضًا بالمراصد الفلكية ولا ضير في ذلك، والله تعالى أعلم.[٧]
- المانعون: بعد الحديث عن المجيزين في حكم الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال، إنَّ بعض أهل العلم ذهبوا إلى عدم جواز الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال، فالهلال -بحسب قولهم- يثبتُ برؤية جماعة ثقة لا يُشكُّ في صدقها، ولا يجوز الاستناد في رؤية الهلال على قول منجِّم او حاسب يتابع ويحسب مسار القمر، فالأصل في الشرع أن يصوم المسلمون ويفطروا ويحجوا برؤية الهلال حصرًا، ولهذا يُعدُّ العمل بالمراصد الفلكية غير جائز في الشرع بحسب قول هذا القسم من أهل العلم، وقد ذهب أتباع المذهب الشافعي إلى أنَّ رؤية الهلال لا تثبت إلَّا إذا رآه شخص عدل، ويُشترط أن يكون هذا الشخص من المسلمين، وأن يكون بالغًا عاقلًا من الذكور، وأن يكون حرًّا لا عبدًا، فلا يجوز أن يُؤخذ برؤية الفاسق والصغير الصبي والمجنون غير العاقل والمرأة والعبد، ودليل الشافعية في هذه الشروط والصفات حديث جاء عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: "تراءى النَّاسُ الهلالَ فرأَيْتُه، فأخبَرْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فصام وأمَر النَّاسَ بصيامِه"،[٨] والله تعالى أعلم.[٩]
ضوابط استعمال المنظار
بعد التفصيل في حكم الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال، لقد حدَّد أهل العلم وتحديدًا من أجاز رؤية الهلال بواسطة المناظر التابعة لعلم الفلك الحديث ضوابط استعمال المناظير التي تساعد في رؤية الهلال وثبوت شهر رمضان وشهر شوال ووقت الحج وغير ذلك، ومن أبرز هذه الضوابط ما يأتي:[١٠]
- إنَّ من ضوابط استعمال المنظار في الإسلام أن يتمَّ الاستعانة بالمناظير الحديثة استعانة وليس اعتمادًا، يعني ألَّا يجعل المسلمون هذه المناظير معيارًا وسببًا في ثبوت رؤية الهلال بشكل مجرد.
- ألَّا يتكلَّف المسلمون في استخدام هذه المناظير.
- أن تتمَّ رؤية الهلال باستخدام هذه المناظير بشكل بصري.
- أن تكون هذه المناظير في حوزة المسلمين وأن تكون بأيادٍ أمينة موثوقة.
- أن تكون صورة المنظار للموقع ذاته الذي يوجد فيه المنظار، كي لا يكون الهلال قد رُصد في بلد آخر أو موقع سابق، أي أن يشدد القائمون على الرؤية بالمنظار على مسألة ولادة الهلال في ذات البلد، والله أعلم.
حكم تحري الهلال بالحساب الفلكي
استكمالًا في الحديث عن حكم الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال في الإسلام، إنَّ مسألة أخرى استرسل أهل العلم في الحكم فيها، وهي مسألة إثبات الأهلة بالحساب الفلكي، فمنذ نهايات القرن الأول الهجري أشار التابعون إلى مسألة إثبات الأهلة بالحساب الفلكي وبحثها خيرة الفقهاء السابقين، أمَّا سبب ظهور هذه القضية فهو وجود لفظة أشكلتْ على أهل العلم في حديث ثبتْ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، واختلف فيما بعد أهل العلم في المقصود من هذه اللفظة، وتتضّح هذه المسألة من خلال عرض الحديث والتفصيل في أقوال الشراح بعده، والحديث هو ما رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: "أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقالَ: لا تَصُومُوا حتَّى تَرَوُا الهِلَالَ، ولَا تُفْطِرُوا حتَّى تَرَوْهُ، فإنْ غُمَّ علَيْكُم فَاقْدُرُوا له"،[١١] إنَّ الحديث الشريف يرشد المسلمين إلى أنَّ الصيام والإفطار في الإسلام يكون برؤية الهلال فقط، وإذا تعذَّرت رؤية الهلال لأي سبب كان، قال رسول الله في هذه الحالة: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ"،[١١] وهذه هي العبارة أو اللفظة التي اختلف فيها أهل العلم.[١٢]
وقد رأى بعض أهل العلم أن تحري الهلال بالحساب الفلكي أمر جائز في الإسلام، وذهب إلى هذا القول كلٌّ من: مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وهو تابعي من ابن رشد ناقلًا عن مطرِّف أنَّه قال: "يُعْتَبَرُ الْهِلاَل إِذَا غُمَّ بِالنُّجُومِ وَمَنَازِل الْقَمَرِ وَطَرِيقِ الْحِسَابِ، قَال: وَرُوِيَ مِثْل ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْرُوفُ لَهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يُصَامُ إِلاَّ بِرُؤْيَةٍ فَاشِيَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ عَادِلَةٍ كَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ"، وجاء عن مطرِّف أيضًا أنَّ من يعرف بعلم الحساب الفلكي يعمل بهذا العلم لنفسه فقط، وجاء عن ابن سريج أنَّه رأى أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في قوله: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ"، يُخاطب الذين يعلمون علم الحساب الفلكي، وقد شرح ابن الصَّلاح رأي ابن سريج في هذه المسألة في قوله: "مَعْرِفَةُ مَنَازِل الْقَمَرِ هِيَ مَعْرِفَةُ سَيْرِ الأَْهِلَّةِ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ فَأَمْرٌ دَقِيقٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الآْحَادُ؛ فَمَعْرِفَةُ مَنَازِل الْقَمَرِ تُدْرَكُ بِأَمْرٍ مَحْسُوسٍ يُدْرِكُهُ مَنْ يُرَاقِبُ النُّجُومَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَال بِهِ فِي حَقِّ الْعَارِفِ بِهَا فِيمَا يَخُصُّهُ"،[١٣] وجاء عن بعض الحنفية أنَّهم أجازوا الاعتماد على قول المنجمين، وقال القشيري في ذات المسألة: "إِذَا دَل الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلاَل قَدْ طَلَعَ مِنَ الأُْفُقِ عَلَى وَجْهٍ يُرَى لَوْلاَ وُجُودُ الْمَانِعِ كَالْغَيْمِ مَثَلاً، فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ، وَلَيْسَ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ مَشْرُوطَةً فِي اللُّزُومِ، فَإِنَّ الاِتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَحْبُوسَ فِي الْمَطْمُورَةِ إِذَا عَلِمَ بِإِتْمَامِ الْعِدَّةِ أَوْ بِالاِجْتِهَادِ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ"، والله أعلم.[١٤]
أمَّا من حرَّم إِثْبَاتِ الأَْهلَّةِ بِالحسَابِ فقد ذهب أغلب الحنفية إلى أنَّ شرط الصوم والفطر هو رؤية الهلال، وأنَّه لا يجوز الأخذ بقول المؤقتين ولو كانوا ثقة، ومن أخذ بقولهم فقد خالف الشرع، ولم يٌبحِ الإمام مالك استخدام الحساب في إثبات الهلال، حيث قال: "إِنَّ الإِْمَامَ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ لاَ يُقْتَدَى بِهِ، وَلاَ يُتَّبَعُ"، وقال أبو الوليد الباجي في حكم تحري الهلال بالحساب الفلكي: "فَإِنْ فَعَل ذَلِكَ أَحَدٌ فَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِمَا صَامَ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَيَرْجِعُ إِلَى الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَال الْعَدَدِ، فَإِنِ اقْتَضَى ذَلِكَ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ صَوْمِهِ قَضَاهُ"، وقال الإمام النووي في رأي الشافعية في هذه المسألة: "قَال أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: لا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ إِلاَّ بِدُخُولِهِ، وَيُعْلَمُ دُخُولُهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل، فَإِنْ غُمَّ وَجَبَ اسْتِكْمَال شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ يَصُومُونَ سَوَاءٌ كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً غَيْمًا قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا"، وهو في هذا القول ينفي اعتماد الشافعية للحساب في تحري الهلال، والله تعالى أعلم.[١٥]
ماذا يقتضي الخطأ في رؤية الهلال
في ختام الحديث عن حكم الاستناد على علم الفلك الحديث في رؤية الهلال في الإسلام، إنَّ مسألة الخطأ في رؤية الهلال مسألة ترتبط ارتباطًا وثيقًا في حكم الاستناد على علم الفلك في رؤية الهلال، فإذا حدث الخطأ في رؤية الهلال سواء كانت هذه الرؤية باستخدام العين المجرَّدة أو باستخدام وسائل علم الفلك الحديث، فإنَّ هذا الخطأ سيؤدي إلى إفطار يوم من أيام رمضان أو سيؤدي إلى صيام يوم العيد، أو قد يؤدي إلى الخطأ في بداية شهر ذي الحجة والخطأ في يوم الوقوف على جبل عرفات ويوم عيد الأضحى أيضًا وهنا تكمن خطورة الخطأ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ الخطأ في رؤية الهلال لا يذهب أجر المسلمين، واستندوا في هذا الحكم على ما جاء في صحيح البخاري من حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي قال فيه: "شَهْرَانِ لا يَنْقُصَانِ، شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ، وذُو الحَجَّةِ"،[١٦] فالخطأ في الوقوف في عرفة لا ينقص أجر المسلمين بحسب رأيهم، وقال الطيَّبي في شرح الحديث الشريف: "ظَاهِرُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ بَيَانُ اخْتِصَاصِ الشَّهْرَيْنِ بِمَزِيَّةٍ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الشُّهُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ثَوَابَ الطَّاعَةِ فِي غَيْرِهِمَا يَنْقُصُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّا عَسَى أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأٌ فِي الْحُكْمِ لاِخْتِصَاصِهِمَا بِالْعِيدَيْنِ وَجَوَازِ احْتِمَال وُقُوعِ الْخَطَأِ فِيهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ قَال: شَهْرَا عِيدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ".[١٧]
ونقل ابن بطال عن العيني في هذه المسألة أيضًا: "قَالَتْ طَائِفَةٌ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِخَطَأٍ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَهْل الْمَوْقِفِ فِي يَوْمٍ قَبْل يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْل عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِصِيَامِ مَنِ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَقَعَ صِيَامُهُ قَبْل رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ"، وذهب الإمام النووي أيضًا إلى نفس هذا الرأي في هذه المسألة في قوله: "إِنَّ كُل مَا وَرَدَ فِي رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ مِنَ الْفَضَائِل وَالأَْحْكَامِ حَاصِلٌ سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانُ ثَلاَثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، سَوَاءٌ صَادَفَ الْوُقُوفُ الْيَوْمَ التَّاسِعَ أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطِ انْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ فِي ابْتِغَاءِ الْهِلاَل"، وقال ابن حجر عن الحديث السابق أيضًا: "الْحَدِيثُ يُطَمْئِنُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا اجْتِهَادًا"، وقال العينيُّ: "قَدْ تَكُونُ أَيَّامُ الْحَجِّ مِنَ الإِْغْمَاءِ وَالنُّقْصَانِ مِثْل مَا يَكُونُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ بِأَنْ يُغَمَّى هِلاَل ذِي الْقَعْدَةِ وَيَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ أَوْ نُقْصَانِهِ فَيَقَعُ عَرَفَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ أَوِ الْعَاشِرِ مِنْهُ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ أَجْرَ الْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ فِي مِثْلِهِ لاَ يَنْقُصُ عَمَّا لاَ غَلَطَ فِيهِ"، والله أعلم.[١٨]
المراجع[+]
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 33.
- ↑ "تعريف و معنى علم الفلك في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1087، حديث صحيح.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية - الدرر السنية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى المنظار في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3744، حديث صحيح.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية - الدرر السنية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 3447، أخرجه في صحيحه.
- ↑ "كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1080، حديث صحيح.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 1912، حديث صحيح.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.
- ↑ "كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية"، www.al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-04-2020. بتصرّف.