الفرق بين الكرم والتبذير في الإسلا
مفهوم الكرم والتبذير
قبل الحديث عن الفرق بين الكرم والتبذير في الإسلام، من الجدير بيان مفهوم كلًا منهما، فالكرم مصدر الكريم، وقد قال الجرجاني -رحمه الله- في تعريف الكرم: "هو الإعطاء بسهولة"،[١] أما التبذير فقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله- في تعريفه: "التبذير إنفاق المال في غير حقه"، فالكرم من مكارم الأخلاق والتبذير من مساوئه، ولقد كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أكرم الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لَوْ كانَ لي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرُّنِي أنْ لا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ، وعِندِي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ"،[٢] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: "ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ".[٣]
الفرق بين الكرم والتبذير في الإسلام
قد يتداخل معنى الكرم والتبذير عند بعض الناس، والفرق بين الكرم والتبذير في الإسلام واضح، وقد فرق ابن القيم -رحمه الله- بينهما، فقد قال: "إن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه، والمسرف مبذر، وقد يصادف عطاؤه موضعه، وكثيرا لا يصادفه، وإيضاح ذلك أن الله بحكمته جعل في المال حقوقا، وهي نوعان: حقوق موظفة وحقوق ثانية، فالحقوق الموظفة كالزكاة والنفقات الواجبة، والثانية كحق الضيف ومكافأة المهدي وما وقى به عرضه ونحو ذلك، فالجواد يتوخى بماله أداء هذه الحقوق على وجه الكمال طيبة بذلك نفسه، فهو يخرج ذلك بسماحة قلب وسخاوة نفس وانشراح صدر، بخلاف المبذر فإنه يبسط يده في ماله بحكم هواه وشهوته جزافا لا على تقدير ولا مراعاة مصلحة"، فالكريم يبذل من أمواله بطيب نفس حينما يجب عليه البذل، وأما المبذر يبذل أمواله في غير موضعها دون تقدير ولا حساب.[٤]
ضوابط الكرم
الكريم من يُنفق دون تبذير في إنفاقه، فلا ينفق من أمواله فوق الحاجة، ولا يبخل حينما يجب عليه الإنفاق، ويُنفق أمواله في مواضعها الصحيحة، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}،[٥] فلا بُدّ من الوسطية والاعتدال في الإنفاق دون بُخلٍ ولا إسراف، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}،[٦] والاعتدال يكون في الأمور كلها حتى في الطعام والشراب، فقد قال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}،[٧] فالإسلام يحثّ على الكرم دون التبذير والبخل، ولقد كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم- ما رويَ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَدْعُو: أعُوذُ بكَ مِنَ البُخْلِ والكَسَلِ، وأَرْذَلِ العُمُرِ، وعَذَابِ القَبْرِ، وفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وفِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ".[٨][٩]
المراجع[+]
- ↑ "الجود، والكرم، والسخاء، والبذل"، al-maktaba.org، 18-4-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2389، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2312، حديث صحيح.
- ↑ "الإسراف في نصوص العلماء والحكماء"، al-maktaba.org، 18-4-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 67.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 29.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 31.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4707، حديث صحيح.
- ↑ "قواعد الاعتدال والتوسط"، al-maktaba.org، 18-4-2020، اطّلع عليه بتاريخ 18-4-2020. بتصرّف.