تعريف-الوصية
القربات بعد الموت
خلقَ الله -عزَّ وجلَّ- البشر ليقوموا بعبادته والتقرب إليه عن طريقِ الأعمال الصالحة ومن رحمته -تعالى- أنه لم يجعل هذا العمل الصالح فقط منحصرًا في حياةِ الشخص فقط، بل إنّه يمكنه الاستمرار حتى بعد موت الشخص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له"،[١] وقد كانت من بينِ هذه الأعمالِ الصالحة صدقةٌ جارية وتنقسم الصدقات الجارية إلى عدةِ أنواع مثل الوقف أو الوصية وغيره؛ وقد تنقسم الوصية لتشمل العمل الصالح وقد تكون مكروهةً أو حرامًا أو واجبةً أيضًا، وهذا ما سيأتي تفصيله، وفي هذا المقال سيتم بيان تعريف الوصية وبيان أحكامها.[٢]
تعريف الوصية
إنَّ الوصية التي أنعم الله بها على الناس قد تكون كفيلةً في نشرِ الخير كما هو الأجرُ للموصي بها، ويتبينُ ذلك إذا ما كانت الوصية للفقراء أو لبناءِ المساجد، ومساعدةِ طلابِ العلم وغيره، فتعريفُ الوصية هو: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت والأمر بالتصرف عن طريق التبرع؛ إما بمال أو منفعة ينتفع بها الموصى إليه؛ وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّ الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته، وقد تصح الوصية من مسلمٍ أو كافر، والدليلُ على مشروعية الوصية هو قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}،[٣] والمقصود بقوله أن ترك خيرًا؛ أيّ المال؛ وقوله -تعالى- في توزيع الميراث: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}،[٤] ومع التأمل في حكمة الوصية فإنَّ في تشريعها الكثيرُ من الخير فمنه أنّها فضلٌ من الله على عباده ليستمروا بالعمل الصالح إلى ما بعد الموت؛[٥] وأنّ العبدَ أيضًا قد يغفل في حياته عن أعمالِ البر فيستطيع بالوصية تداركَ ما فرَّط به والاستزادة من فضل الله سبحانه وتعالى.[٦]
أحكام الوصية وشروطها
فكما جاءَ في تعريفِ الوصية فإنَّ الوصيةَ لها أحكامٌ وشروط؛ فيُشترط من أجل أن تصح الوصية أن يكون الموصي أهلاً للتبرع، وأن يكون راضيًا مختارًا؛ أيّ لا يقوم أحدا بإجباره، وأن يكون مالكًا لما يوصي به فلا يمكنه التوصية بما لا يملكه، ويجب أن يكون الموصى له حسن التصرف؛ أيّ ليس سفيهًا لا يعرف كيف يتصرف بالمال، وأن يكون معلومًا بنفسه أو صفته؛ أيّ ليس بمجهولًا؛ لكي لا يدعي أحدًا هذه الوصية أنّها له وهي ليست كذلك، وأن تكون الجهة الموصى لها جهة برّ لا جهة معصية، وأن يكون الموصى له بالمال غير وارث كما تم ذكره، كما يُشترط في الموصى به أيّ الوصية أن يكون مالًا يُباح الانتفاع به شرعًا، وألّا يكون بأكثر من ثلث ماله إن كان له وارث من أجل عدم الإضرار بالورثة، وحصول الإيجاب من الموصي بقول أو فعل أو كتابة قبل موته، وقبول الموصى له؛ وأمّا أحكامها فقد بينَ العلماءُ هذه الأحكام على النحو الآتي:[٥]
- الوصية الواجبة: وتكون الوصية واجبة إذا كان عليه حقٌ لله تعالى؛ كأن يكون عليه كفارة مثل كفارة اليمين أو أن يكون دين ولم يستطع فعله فيوصي من يؤديه عنه.
- الوصية المستحبة: وتكون الوصية مستحبة إذا كان الرجل ثريًا وورثته وأقاربه أغنياء فيوصي بثلث ماله فما دون فيما يكون له خيرًا في آخرته وهذا هو المعنى المراد بالصدقة الجارية من تعريف الوصية.
- الوصية المحرمة: وتكون الوصية محرمة إن كان القصدُ منها الإضرارُ بالورثة كأن يوصي بالمالِ لأحد الورثة دونَ الآخرين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ ولا وصيَّةَ لوارثٍ".[٧]
- الوصية المكروهة: وتكون مكروهة كأن يكون الموصي فقيرًا وورثته أحقُّ بهذا المال، ثم يوصي بشيءٍ من هذا المال لغيرهم وهم أولى أن يُتصدق عليهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِن أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ بهَا، حتَّى ما تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِكَ".[٨]
المراجع[+]
- ↑ رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 340/4، حديث ثابت.
- ↑ "الأعمال الخالدة بعد الموت"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-07-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 180.
- ↑ سورة النساء، آية: 12.
- ^ أ ب " الوصية في الإسلام – ملف علمي"، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 02-07-2020. بتصرّف.
- ↑ "حكمة مشروعية الوصية"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 02-07-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمرو بن خارجة، الصفحة أو الرقم: 2121، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 1295، حديث صحيح.