وصف الليل في الشعر العربي
الوصف في الشّعر العربيّ
منذُ أن بدأ الإنسان سعيَه إلى التّعبير عن أفكارِه وآرائه، وتجسيد خواطره ومشاعره، سواء كان شاعرًا أم رسّامًا أم موسيقيًّا أم نحّاتًا، عمد إلى الطّبيعة وما تحتويه من إبداع وجمال، حيث رأى فيها مسارح فسيحة يتحرّك فيها عقله، ويسبح فيها خياله، وتحطّ عليها مشاعره وآلامه، فخلّف في متاحف الفنّ صورة لإبداعه، ومثلًا من أخلاقه، ويعدّ الوصف في الشّعر العربيّ من الأغراض الشّعريّة الأصيلة، حيث طرق الشّعراء به كلّ ميدان قرب من حسّهم وإدراكهم، أو قام في تصويرهم، فالشّاعر الواصفُ واسع الخيال قادر على تصوير المحسوس إلى صورة حيّة، يظهر فيها إبداعه النّاتج عن انفعالاته وتأثّره بما حوله، وفي هذا المقال سيتمّ الحديث عن وصف الليل في الشعر العربي. [١]
وصف الليل في الشعر العربي
فالوصف إذًا قديم في الشّعر العربي، قِدمَ الشّعرِ نفسهِ، فقد كان الشّاعر يصف كلّ ما تقع عليه عينه وتروق له نفسه من مظاهر الطّبيعة، الصّحراء بحيوانها ونباتها، الإبل والخيل والصّيد وأدوات الحرب، وكلّ موضوع يطرقه الشّاعر، يعتمد على الوصف، فالغزل يعتمد على وصف محاسن المحبوبة، والرّثاء يعتمدُ على وصف محاسن ومآثِر الميّت، وهكذا، وكان للّيل نصيبُه في الوصف في الشعر العربيّ، فقد تعرّض الشّعراء لوصف اللّيل في كلّ العصور الأدبيّة، وتاليًا بَدءٌ بالعصر الجاهليّ. [٢]
- وصف الليل في العصر الجاهليّ: من الشعراء الجاهليّين الذين وصفوا الليل امرؤ القيس، ففي قصيدتِه اللاميّة يبدو أنّه يعاني همومًا وأحزانًا أثقلت كاهلَه، وعندما نزل بساحته اللّيل أحسّ بتراكم الهموم عليه، فشبّهه بظلامه بأمواج البحر المتلاطمة والمخيفة، ولازدياد معاناته من طول هذا اللّيل، يطالبه بأنْ يغادرَه، ويأتي صبحٌ جديد، لكنّه يتراجعُ عن ذلك؛ لأنّه يرى بأنّ الصّبح ليس بأفضل منه، ثمّ يشبهه بحيوان يجهز نفسه للانقضاض عليه، ويمعن النّظر في نجوم اللّيل الثّابتة في مكانها فيشبهها وكأنّها حبال مشدودة إلى جبل يذبل، فصُور الشّاعر مستمدّة من واقعه وبيئته، ويقول الشّاعر امرؤ القيس في أبياتِه: [٣]
ولَيلٍ كَمَوجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدولَهُ
- عَليّ بأَنْواعِ الهُمُومِ ليَبتَلي
فَقُلْتُ لَهُ لمّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ
- وَأَرْدَفَ أَعْجازاً ونَاءَ بكَلْكَلِ
أَلا أَيُّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلِ
- بصُبْحٍ، وما الإصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ
فَيا لَكَ مِنْ لَيْلٍ كَأَنَّ نُجُومَهُ
- بِكُلِّ مُغَارِ الفَتْلِ شُدّتْ بِيَذْبُلِ
- وصف اللّيل في عصر صدر الإسلام: في أبيات حسّان بن ثابت الآتية يُلاحَظ بأنّ الشّاعر -رضي الله عنه- أيضًا يشكو من طول ليله، ويؤكّد ذلك من خلال تأخّر نجومه بالأفول، ويتحدّث عن نفسه بأنّه يرعى هذه النّجوم وكأنّه مكلّف بذلك ومجبر عليه، ولا يأتيه النّوم إلّا بعد أن تتوارى النّجوم عن أنظاره، يقول حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- في أبياتِه: [٤]
تطاولَ بالجمّانِ ليلي فلمْ تكنْ
- تَهمُّ هوادي نجمهِ أن تصوبا
أبيتُ أراعيها كأنّي موكلٌ
- بها لا أُريدُ النّوْمَ حَتّى تَغَيّبَا
إذا غارَ منها كوكبٌ بعدَ كوكبٍ
- تُرَاقِبُ عَيْني آخِرَ اللَّيلِ كَوْكبا
غَوَائرُ تَتْرَى من نجُومٍ تَخَالُها
- مَعَ الصّبْحِ تَتْلُوها زَوَاحِفَ لُغبا
- وصف اللّيل في العصر الأمويّ: في أبياتٍ لبشّار بن برد يسأل الشّاعر خليلَيْه عن عدم تَزحزُح ليله، وكأنّه متشبّثٌ بمكانه، لا يرغب بالرّحيل، حتّى الصّبح لا رغبة له بالبزوغ، ثمّ يتساءلُ الشّاعر تساؤلَ المتعجّب: هل ضيّع الصّبح المتوهّج طريقَه، أم أنّ الدّهر كلّه ليل مظلم؟، وفي أبياتِه يقولُ الشّاعر بشّار بن برد في وصفه للّيل: [٥]
خَلِيلَيَّ مَا بَالُ الدَّجَى لاَ تَزَحْزَحُ
- وَمَا بَالُ ضَوْءِ الصُّبْحِ لاَ يَتَوَضَّحُ
أضَلَّ الصَّبَاحُ الْمُسْتَنِيرُ سَبِيلَهُ
- أم الدَّهْرُ لَيْلٌ كُلُّهُ لَيْسَ يَبْرَحُ
- وصف اللّيل في العصر العبّاسيّ: يتحدّث الشّاعر أبو فراس الحمداني واصفًا طول ليله في سجون الرّوم، إذ يشرح معاناته في سجونِ الرّوم، فإنّه يرى كلّ شيء إلى تغيّر وتبدّل وزوال إلّا ليله ونجوم ليله فإنّهم لا يرغبون بمفارقته، وهذا كناية عن طول ليله، يقول: [٦]
وَأَسرٌ أُقاسيهِ وَلَيلٌ نُجومُهُ
- أَرى كُلَّ شَيءٍ غَيرَهُنَّ يَزولُ
تَطولُ بِيَ الساعاتُ وَهيَ قَصيرَةٌ
- وَفي كُلِّ دَهرٍ لا يَسُرُّكَ طولُ
- وصف اللّيل في العصر الحديث: إنّ الشّاعر حافظ إبراهيم في أبياته الآتية يجسّد من اللّيل إنسانًا، له من الأحاسيس والمشاعر ما للإنسان، يسمعه، ولكنّه لا يحسّ به، عندما يرسل إليه بشكواه، وكأنّه أقسم أن يلازمه حتّى يقضي عليه، يقول الشّاعر حافظ إبراهيم في قصيدة له بعنوان "أما لهذا النَّجْمِ في السَّحَرِ": [٧]
ما لهذا النَّجْمِ في السَّحَرِ
- قد سَها مِنْ شِدّةِ السَّهَرِ؟
خِلْتُه يا قَوْمُ يُؤْنِسُنِي
- إنْ جَفاني مُؤْنِسُ السَّحَرِ
وكأنّ اللَّيْلَ أَقْسَمَ لا
- يَنْقَضي أو يَنْقَضي عُمُري
أجمل ما قيل في وصف الليل في الشعر العربي
أكثَرَ الشّعراء العرب منذ العصر الجاهليّ حتّى هذا اليوم من الحديث عن اللّيل، ووصفه بالطّول تارةً وبالقصر تارةً أخرى، فوصفوه بالطول عندما كانت تنزل بهم الأحزان والهموم، ووصفوه بالقصر عندما كانوا يشعرون بالسرور. [٨]
- يقول عليّ ابن أبي طالب -رضي الله عنه-: [٩]
إِنّ اللّياليَ للأنامِ مناهلُ
- تُطوَى وتُنْشَرُ دونَها الأعمارُ
فقِصارُهنَّ معَ الهُمومِ طويلةٌ
- وطِوالُهنَّ معَ السُّرورِ قصارُ
- يقول بشار بن برد: [١٠]
لا أَظْلِمُ اللَّيْلَ ولا أَدَّعِي
- أنَّ نجومَ اللّيلِ ليستْ تغورُ
ليلي كما شاءتْ فإنْ لم تزرْ
- طالَ وإنْ زارتْ فليلي قصيرُ
- يقول الوليد بن يزيد بن عبد الملك: [١١]
لا أسألُ اللهَ تغييرًا لما صنعتْ
- نامتْ وقد أسهرتْ عَينيّ عيناها
فاللّيلُ أطولُ شيءٍ حينَ أفقدُها
- واللّيلُ أقصرُ شيءٍ حينَ ألقاها
المراجع[+]
- ↑ "تاريخ الأدب العربي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "غرض الغزل وغرض الوصف"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "امرؤ القيس » قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزِل"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019.
- ↑ "قصيدة: تطاولَ بالجمانِ ليلي فلمْ تكنْ"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019.
- ↑ "بشار بن برد >> خَلِيلَيَّ مَا بَالُ الدَّجَى لاَ تَزَحْزَحُ "، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019.
- ↑ "أبو فراس الحمداني » مصابي جليل والعزاء جميل"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019.
- ↑ "حافظ إبراهيم >> ما لهذا النَّجْم في السَّحَرِ "، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019.
- ↑ "ذكر ما قيل في وصف الليل وتشبيهه"، www.books.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "روائع الشعر"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019.
- ↑ "بشار بن برد >> لا أَظْلِمُ اللَّيْلَ ولا أَدَّعِي "، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019.
- ↑ "ذكر ما قيل في وصف الليل وتشبيهه"، www.books.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-05-2019.