موضوع إنشاء عن النبي لوط
موضوع إنشاء عن النبي لوط
قَضى الله على هذه الأرض قوانينَ وضعها برحمته؛ لتكونَ ميزانًا للعالمين، ولكنَّ بعض النَّاس بدؤوا بمخالفة هذه القوانين، فبعث الله بأنبيائه مبشرين، ومنذرين يأمرونهم بالمعروف، وينهون عن المنكر، ومن بين الأنبياء الذين بعثهم الله -عزوجل- النبي لوط -عليه السلام- وقد حدثت هذه القصة في مكانٍ يُقال له سدوم، وهو عبارةٌ عن عدَّة قرى على شاطئ البحر الميت.
بدأت القصَّة مع قوم لوطٍ الذين أتوا بشيءٍ ما سبقهم إليه أحدٌ من العالمين، لقد خلق الله الطبيعة البشرية بأن يتزوَّج الرجل من المرأة لتكتمل الحياة، ويتوالد النَّاس، ولكنّ قوم لوطٍ خالفوا هذه الطبيعة، وتحدوا آية الله -عزَّوجل- فصار الرجال يتزوَّج الرِّجال، ولا يقربون النساء، وهذه من الأفعال الفاحشة التي يعاقب الله عليها أشدَّ العقاب، وفوق هذا كانوا كافرين، يعبدون الأصنام، ويقطعون الطريق، ويسلبون للمسافرين مالهم وأمتعتهم، فكانوا قومًا مستكبرين طاغين جبَّارين.
وكان بينهم رجلٌ صالحٌ مؤمنٌ بالله يُدعى لوط اختاره الله لكي يكون نبيًّا لهذا القوم يأمرهم بالمعروف، ويخوِّفهم من الله ويستنكر أفعالهم فلا يملّ من مناداتهم ودعائهم إلى ترك الفواحش والإيمان بالله، والكفِّ عن تلك الأفعال، قال تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [١] فبدأ قومُه بتهديده ووعيده والسُّخرية منه، قال تعالى: {قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} [٢] فهذا دأب الكافرين وديدنهم، الاستهزاء وتهديد أنبياء الله الصالحين.
وفي يومٍ من الأيام قدم على إبراهيم -عليه السلام- ثلاثة رجال، وكان إبراهيم هو ابن عم النبي لوط وكان إبراهيم رجلًا كريمًا، فاستقبلهم، وأحسن ضيافتهم، وقام إلى عجلٍ لديه فذبحه، وشواه وقدَّمه إليهم، لكنَّهم لم يقربوا الطَّعام، خاف إبراهيم منهم لأن عادة العرب إن لم يقربوا الطَّعام فهم يحملون أمرًا سيئًا فلمَّا لمسوا خوفه قالوا له نحن ملائكة الله جئنا لنهلك قوم لوط قال تعالى { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ}[٣] ولكنَّ إبراهيم هو الرَّجل الحليم الذي يعلم عذاب الله وشدَّته على الكافرين ويريد أن يؤخِّر عنهم عذاب الله قال تعالى {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}[٤].
كانت الملائكة الثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل، بدأ أمر الله، وسار الملائكةُ إلى مكان سدوم، فرأتهم ابنته فخافت عليهم، قالوا لها: هل من منزل؟ فقالت لهم دونكم وسآتي إليكم، ذهبت إلى أبيها تخبره الخبر الجليل، فخاف النبي لوط عليهم من إيذاء قومه، فأدخلهم إليه، ولكنَّ امرأة لوط كانت كافرةً تساعد قومها على لوط، فذهبت إلى القوم، وأخبرتهم بالخبر، وبوجود ضيوفٍ رجالٍ وسيمين لديه، ذهب القوم إليه وطرقوا الباب بقوَّة، النبي لوط الآن خائفٌ وجلٌ لا يدري ما يصنع، ضاقت به الأرض ولم يجد ملجًأ فقال {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ}[٥]، فخرج الضيوف، وأخبروه بهويتهم، وضرب جبريل -عليه السلام- الطارقين على عيونهم فأصبحوا عميانًا لا يهتدون، وأخبروا لوطًا بأن يخرج من القرية هو وأهله في بقيَّة الليل إلا امرأته فإنَّه مصيبها من العذاب ما أصابهم فغضب الله سيحلُّ عليهم في الصباح.
لقد لقي النبي لوط منهم ويلات الأذى، فقال للملائكة بل عجلوا لهم الهلاك فقالوا له أليس الصبح بقريب، فخرج النبي لوط، وبدأ عذاب الله بالصَّيحة الهائلة، ورميهم بحجارةٍ ملتهبةٍ من السماء، والدخان الحارق يحيط قريتهم يشوي وجوههم، وأجسادهم، واقتلع الملك بطرفه جناحه تلك القرية، حتَّى سمع أهل السَّماء صياح ديكتها، ونباح كلابها فقلبها، فكانت رأسًا على عقب، لقد دُمِّرت سدوم عن آخرها، بسبب فحشهم، وضلالهم، وإنكارهم لله، وتجبُّرهم في الأرض بغير الحق، إنَّ الله لا يهمل من اعتاد الفُحش، والكذب، ولم يأتمر بأوامره سبحانه، فقصة النبي لوط هي واحدةٌ من القصص التي ذكرها الله لتكون عبرةً لمن بعدهم، فلا يأتون أفعالهم، حتَّى لا يصيبهم ذلك العذاب نفسه. [٦]