نشأة البنيوية وما بعد البنيوية في
محتويات
المناهج النقدية
عرفتْ أوروبّا عددًا كبيرًا من المناهج النقدية التي تناولت الأدب بالدرس والتحليل، وكانت هذه المناهج ترتبط بالمنطق، والإجراءات العقلية التي من شأنها إيصال الناقد لنتائج معينة، وارتباطها بحركة التطور العلمي التي أثّرت على المجتمع وقوانينه، وبالتالي كان على الناقد توظيف كل ما يمتلكه في دراسة النصوص دراسة الأدبية، ومعالجة مظاهر الإبداع الأدبى في النص وتحليلها في ظل منهج أدبي محدد من المناهج النقدية السائدة، ومن أبرز هذه المناهج كانت مناهج البنيوية وما بعد البنيوية، وهو ما يتناوله هذا المقال اللسانيات العامة، التي فرّق فيها بين اللغة والكلام، مما فتح الطريق لاستقلال النص الأدبي وإن لم يتناول فيها مفهوم البنية، وإنما لفت النظر بأن للغة نظاما خاصا، ومن ثم كان لحلقة براغ، وآراء ياكبسون في اللغة أثر هام في نشر الوعي بالبنيوية، ومن ثم ترسيخها في الأوساط النقدية والأدبية. [٢]
وقد جاءت نشأة البنيوية وما بعد البنيوية بعد كل ذلك استجابة طبيعية التطور العلمي، وثقافة العصر، خاصة أن البنيوية جاءت بوصفها رد فعل لمغالاة الرومانسية في الهرب إلى الخيال، ومغالاة الماركسية، وشعور العالم بالإحباط والضياع من كل ما يدور حولة، فكان لا بد من البحث عن نظام كلي متناسك ومتماسك، يجعل العالم بيئة مناسبة للإنسان بعد ربط العلوم كلها ببعضها بعضًا. [٣]
وقد كانت فلسفة كانْت من أهم عوامل نشأة البنيوية في النقد الأدبي، بل وكانت الأساسي الفكري لها، لعدم إيمانها إلا بالظواهر الحسِّيَّة القائمة على الوقائع التجريبية، وأن الظاهرة هي بنية منعزلة عما يحيط بها، عن أسبابها، وتسعى إلى تفكيكها إلى عناصرها الأولية من أجل فهمها، ومن ثم تحليلها لإدراكها. وقد رفعوا البنيويين من هذا المنطلق شعار النص ولا شيء غير النص، بحثا عن كل ما يحقق أدبيته من أبنية داخلية، وعلاقتها ببعضها، وكيفية أدائها لوظائفها، وطبيعة اللغة الأدبية المختارة للكتابة، إلا أن البنيوية بعدما ملأت الآفاق، ما لبثت أن تراجعت في فرنسا عام 1968 بعد اضرابات الطلاب الراديكالية وأخذت بالانهيار في أوائل سبعينيات القرن العشرين، مما دفع بالعديد من البنيويين إلى مراجعة منهجهم البنيوي والعودة عنه لم رأوا فيه من تناقضات عدّة، فظهرت مناهج عديدة التفكيكي، وما بعد البنيوية[٢]، وكما أن كثيرا من النقاد لم يتقبلوا البنيوية، كذلك الأمر لما بعد البنيوية، فقد رفض عدد من النقاد هذا الاسم، وانتقدوها بأنها نسبية وعدمية ومتطرّفة، بالإضافة إلى تعقيدها اللغوي، ورأوا فيها خطرا مهددا للقيم التقليدية والمعايير المهنية العلمية. [٤]
أعلام البنيوية وما بعد البنيوية
عرفت البنيوية وما بعد البنيوية خمسة من كبار المفكرين الفرنسيين الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين، وارتبطت أسماؤهم بالمدرسة البنيوية في البداية، ولكن ما لبث أن تحول عدد منهم عنها -باستثناء شتراوس- عنها لعدم رغبتهم بأن بأن يحسبوا على منهج شعروا بأنه يقيد حرّيتهم. وقد كان هؤلاء الكتاب رغم ما بينهم من تباين، يعملون في أصول مشتركة هي اللغويات البنيوية التي وضعها ديسوسير وقامت عليها البنيوية وما بعد البنيوية، فأخذوا فكرة اللغة المكتملة، وطبّقوها على ظواهر ثقافية مشابهة للغات بتشكّلها من نظم رمزية قابلة للتحليل والفهم كما اللغة البشرية. وتاليا عرض لخمسة من مفكرين البنيوية وما بعد البنيوية، وأبرز أفكارهم وإن كان يصعب الإلمام بها جميعها، لضخامتها وضخامة أعمالهم في البنيوية وما بعد البنيوية.
كلود ليفي ستراوس
كلود ليفي ستراوس أو شتراوس، عالم اجتماع فرنس، ولد عام 1908 وتوفي عام 2009، بدأ حياته بدراسة الفلسفة، ومنها انتقل إلى دراسة علم الاجتماع حتى شغل كرسي انثربولوجيا الاجتماع بعد أن قدّم أطروحته في فرنسا حول المشاكل النظرية للقرابة، وأفكار أخرى الكتفكير الجامح، والطوطمية والأسطورةوكان لأعماله أثر كبير في الأنثربولوجيا البنيوية [٥]، وقد بنى شتراوس أفكاره في علم الانثربولوجيا وطوّرها بناء على ثلاثة مبادئ في اللغويات البنيوية استفادت منها البنيوية وما بعد البنيوية، إذ رأى من خلالها أن الحضارات تماثل المنظومات، هي: [٦]
- يجب دراسة اللغة نفسها والبنى الداخلية قبل دراسة علاقتها بالنظم الأخرى الخارجية، وطوّر أفكاره من هذا المبدأ من خلال تعميمه للموضوع الصحيح للدراسة العملية الذي جعله في التجانس الداخلي لمجموعة من المعطيات، واستقلالها الذاتي عما خارجها، وقد استفاد من هذا المبدأ في أفكاره حول الطوطمية.
- الشكل المسموع من اللغة هو الكلام، ويجب تحليله إلى عدد محدود من العناصر البسيطة كالفونيمات على المستوى الفونولوجي. وقد لعب هذا المبدأ دورًا ثانويًّا في أعمال شتراوس، خاصة الأسطورة، وقد أكّد من خلاله وجود ذرات من القرابة، وهذه الذرات لا هي بالبسيطة ولا تشبه الفونيمات، ، ويصعب تحليلها لمجموعة من العناصر البسيطة، كونها مجموعة غير قابلة للعد، ولها وظائف متصلة، لذلك كان ربطه لهذا المبدأ بالأسطورة ربطا غير ناجح؛ لأن التوقعات البنيوية تقوم على التجانس والاستقلال الذي يقبل التقسيم إلى عناصر محدودة لا تسندها الوقائع.
- تحدد عناصر اللغة بعلاقاتها المتبادلة، المتمثلة في العلاقات الجدولية التي تحل فيها العناصر محلّ بعضها، والعلاقات التركيبية التي ترتبط فيها العناصر معا، وأستفاد منه في أن جعل الوصف البنيوي هو الصف الذي تترتب فيه هذه العلاقات بترتيب الجدولية والتركيبية عندما تكون قابلة للانفصال عن بعضها بعضًا.
- وهو مبدأ أضاف شتراوس، ودعا فيه بوجوب أن تكون البنى المتصلة ببعضها، هي تحولات شكلية سماها بالديالكتيكي، وأن القواعد التي تحكم هذه التحوّلات يجب أن تكون أعم من التحليل وأشد تجريدًا، وبالرغم من أن شتراوس كان يرى أنه ليس من الضروري اتباع هذه المبادئ، إلا أنها قدمها في ظل الجدل بين العقلانية والتجريبية، متجاوزا بذلك التجريبية عندما نسب التطوّر في الثقافات إلى الضوابط الداخلية للذهن البشري أكثر من الحاجات الخارجية؛ فالذهن البنيوي مرتب وواضح لا مكان فيه للملكات الكامنة.
رولان بارت
ناقد فرنسي من رواد علم الإشارات، ومن أعلام البنيوية وما بعد البنيوية، ولد عام 1915 وتوفي عام 1980، كان متأثرا بالفلسفة الوجودية السارترية المعادية للجوهرية، إذ نادت الأولى بحرية الإنسان في التغير المستمر والهرب من الماضي. كان له والتناص هو استحضار نصوص أخرى في نص المؤلف بطريقة واعية أو غير واعية. فأي نص يتفاعل مع نصوص أخرى ويتداخل معها امتصاصا وتقليدا وحوارا، مما يدل على التعددية، ورواسب الذاكرة، والمعرفة الخلفية. وقد ارتبط التناص نظريا مع النقد الحواري لدى ميخائيل باختين.
المراجع[+]
- ↑ "المنهج البنيوي"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "البنيوية: عوامل النشأة وأسباب التقوض"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "بنيوية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "ما بعد البنيوية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "كلود ليفي شتراوس"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ↑ جون ستروك، ترجمة: محمد عصفور، "البنيوية وما بعدها: من ليفي شتراوس إلى دريدا"، عالم المعرفة، العدد 206، صفحة 68-71. بتصرّف.
- ↑ "رولان بارت"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "من ترهات النقد الحداثي الغربي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ↑ جون ستروك، ترجمة محمد عصفور، "البنيوية وما بعدها: من ليفي شتراوس إلى دريدا"، عالم المعرفة، العدد 206، صفحة 76-96. بتصرّف.
- ↑ "ميشيل فوكو"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "مدخل إلى مفهوم ما بعد الحداثة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ↑ جون ستروك، ترجمة: محمد عصفور، "البنيوية وما بعدها: من ليفي شتراوس إلى دريدا"، عالم المعرفة، العدد 206، صفحة 171-174. بتصرّف.
- ↑ "جاك دريدا"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفكيكية دريدا والاحتفاء بالاعتبارات الهامشية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-6-2019. بتصرّف.