الفرق بين الطباق والمقابلة
محتويات
علم البديع
هو علم يعرف به الوجوه والمزايا التي تكسب الكلام حسنًا وقَبولًا بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال التي يورد فيها، ووضوح الدّلالة، وأوّل من دوّن قواعده ووضع أصوله عبد لله بن المعتز العبّاسيّ المتوفّى سنة 374هـ، فقد استقصى ما في الشّعر من المحسّنات، وألّف كتابًا سمّاه "البديع"، ذكر فيه سبعةَ عشرَ نوعًا من أنواع البديع، وقال: ما جمع قبلي فنون البديع أحد ولا سبقني إلى تأليفه مؤلّف، ثمّ ألّف معاصره جعفر بن قدامة كتاباً سمّاه "نقد قدامة" ذكر فيه ثلاثة عشر نوعاً زيادة على ما أملاه ابن المعتز ثمّ جاءت التآليف تترى حتى جاوزت المائة والستين نوعًا، وليتوضّيح للدّارس البحث ستأتي بعد المقدّمة فقرة عن المحسّنات البديعيّة، ثمّ الطّباق، ثمّ تليها الفقرة الأهمّ الفرق بين الطّباق والمقابلة.[١]
المحسنات البديعية
للوصول إلى الفرق بين الطّباق والمقابلة، لا بدّ من المرور بالمحسّنات البديعيّة ليكون الدّارس على دراية أكثر بالبحث العلميّ، فالمحسنات البديعية وهى التي تزيّن المعاني أو الألفاظ بألوان بديعة من الجمال، فقد تأتي في الكلام عفو الخاطر، وقد ينتقيها الشّاعر أو الأديب انتقاء متقنًا، ليزيّن بها كلامه أو ليوضّحه ويؤكّده، وتشمل:[٢]
المحسنات المعنوية
المحسّنات المعنويّة وهي التي يكون التّحسين فيها راجعاً إلى المعنى أولًا وبالذّات، وإن كان بعضها يفيد تحسين اللّفظ كالطّباق بين يسرّ ويعلن في قوله تعالى: {وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}[٣]، والمحسّنات المعنويّة كثيرة، منها: التّورية، والطّباق، والمُقابلة، وحُسن التّعليل، مُراعاة النّظير، والإرصاد، والطّي والنّشر، والجمع، والتّفريق، والمُبالغة، وتأكيد المدح بما يُشبه الذّم، وتأكيد الذّم بما يُشبه المدح، والأسلوب الحكيم.
المحسنات اللفظية
وهي التي يكون التّحسين فيها راجعًا أصالة إلى اللّفظ وإن حسّنت المعنى أحيانًا، كالجناس في قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[٤]، فالسّاعة الأولى يوم القيامة والسّاعة الثّانية واحدة السّاعات الزّمانيّة، والمحسّنات اللّفظية كثيرةٌ منها: الجناسُ، والسّجعُ، والمُوازنة، والتّرصيع، والتّصريع، وردّ العجزِ على الصّدر، وما لا يستحيل بالانعكاس، والاقتباس والتّضمين.
الطباق
الطّباق من المحسّنات المعنويّة لعلم البديع، يقال: طابَقَ الشّيءَ على الشّيءِ مُطَابقةً وطباقاً، أي: جعله مطبقًا عليه، وهذا الإِطباق يقتضي التّعاكس في الغالب، والطّباق هو الجمع بين معنيين متقابلين، أي بين الكلمة وضدّها "عكسها" أو بين المعنى وضدّه، ويأتي في حرفيّ الجر" اللّام وعلى" مطابقة ، لأنّ في" اللّام" معنى المنفعة وفي "على" معنى المضرّة وهما متضادانِ، أي: للنّفس ثواب ما كسبته من الطّاعات، وعليها عقاب ما اقترفته من المعاصي، والجمع بين نوعين متضادين مختلفين، أو بين معنيين مختلفين، نحو قوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ}،[٩] فإنّ أحد المتضادين اسم وهو" ميتاً" والآخر فعل وهو "أحييناه".
طباق سلب
ويكون بين فعلين أحدهما مثبت والأخر منفي، نحو قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ}،[١٠] أو بين فعلين أحدهما أمر والأخر نهي، نحو قوله تعالى: {َلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}،[١١]
وللطّباق فائدة، وهي توكيد المعنى وتوضيحه.بعد تعريف الدّارس على بحث الطّباق، لا بدّ من تعريفه أيضًا على الفرق بين الطباق والمقابلة لترسيخ المعلومات بشكل أفضل.
الفرق بين الطباق والمقابلة
المقابلة أعمّ من الطّباق، لأنّها تشتمل على طباقين فأكثر، إذ يمكن أن نقول عن المقابلة طباقًا، ولكن لا يمكن أن نقول عن الطّباق مقابلة، وثانيًا: الفرق بين الطّباق والمقابلة، الطباق لا يكون إلا في الشّعريّ والنثريّ،[١٢] ومن أمثلة المقابلة:
- مقابلة اثنين باثنين: قول النّبيّ -صلّى لله عليه وسلّم-: إنَّ من النّاسِ ناسًا مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشرِّ.[١٣]
- مقابلة ثلاثة بثلاثة: قال الشّاعر:
فَلاَ الْجُودُ يُفْنِي الْمَالَ وَالْجَدُّ مُقْبلٌ
- وَلاَ الْبُخْلُ يُبْقي الْمَالَ وَالْجّدُّ مُدْبِرُ
- مقابلة أربعة بأربعة: قول أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه- في وصيته عند الموت: هذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ عِنْدَ آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا، وَأَوَّلِ عَهْدِهِ بِالآخِرَةِ دَاخِلا فِيهَا.[١٤]
- مقابلة خمسة بخمسة: كانَ الرّضا بدنوّي منْ خواطرِهم فصارَ سخطي لبُعدي عن جوارِحهم.
القيمة الفنية للطباق والمقابلة
يعدّ الطّباق والمقابلة مصدر الجمال من خلال إثارة الانتباه إلى الفكرة، وإيقاظ الشّعور للموازنة بين الشّيء وضدّه، وفي ذلك يتحقّق الإمتاع الفنيّ، ويتمّ إيضاح المعنى وتوكيده، ويستقرّ في النّفوس، كما يزداد به الأسلوب جمالاً ووضوحًا، فمن الطّباق المقابلة، وهي الجمع بين متوافقين فأكثر ثمّ ما يقابلهما على التّرتيب، نحو قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ}.[١٥]وقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}.[١٦]
ونحو قول الشّاعر:
مَا أَحْسَنَ الدِّينَ وَالدُّنْيَا إِذَا اجْتَمَعَا
- وَأَقْبَحَ الْكُفْرَ وَالإِفْلاَسَ بِالرَّجُلِ
المراجع[+]
- ↑ "علم البديع"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "علم البديع"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 19.
- ↑ سورة الروم، آية: 55.
- ↑ "البلاغة-الطباق"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة فاطر، آية: 19.
- ↑ سورة النجم، آية: 43.
- ↑ سورة البقرة، آية: 286.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 122.
- ↑ سورة النساء، آية: 108.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 23.
- ↑ "الطباق"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-07-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2223، حسن.
- ↑ رواه أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، في السنن الكبرى للبيهقي، عن يُوسُفَ بْنَ مُحَمَّدٍ، الصفحة أو الرقم: 15237، موقوف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 18.
- ↑ سورة المائدة، آية: 116.
- ↑ ناصر محمد السعدي (2014)، علم البديع (الطبعة 1)، دمشق: جامعة دمشق، صفحة 63.