التصريع في الشعر
محتويات
المحسنات البديعية
تعدّ المحسنات البديعيّة من الوسائل التي يستخدمها الأديب، ويستعين بها لإظهار مشاعرِه وعواطفه، وللتأثير في نفوس المتلقين، وتكون هذه المحسنات رائعة إذا جاءت عفو الخاطر وبلا تكلّف من الأديب، وكانت قليلة ومؤدّية المعنى الذي يريده الأديب، أمّا إذا جاءت كثيرة ومتكلّفة، فإنّها تفقد جمالها وتأثيرها، وتصبح دليل ضعف الأسلوب، وعجز الأديب، وتنقسم إلى قسمين: محسّنات معنويّة وهي التي تعتمد على المعنى، كالطّباق والمقابلة ...، ومحسّنات لفظيّة، وهي التي تعتمد على اللّفظ دون المعنى، والتي ستكون عنوان الفقرة التّالية، ثمّ تليها فقرة التصريع في الشعر والتي سيكون مدار البحث حولها.[١]
المحسنات اللفظية
وهي عنصرٌ من عناصر علم البديع، التي يرجع التّحسين فيها إلى اللّفظ، وإن حسّنت المعنى أحيانًا تبعًا، كالجناس في قوله تعالى:
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[٢]، فالسّاعة الأولى يوم القيامة والسّاعة الثّانية واحدة السّاعات الزّمانيّة، إذًا المحسّنات اللّفظيّة هي التي تحسّن الكلام ، وتكسبه جمالًا ورونقًا من خلال الألفاظ، والمحسّنات اللّفظيّة كثيرةٌ منها: السّجعُ والجناسُ، المُوازنة، والاقتباس والتّضمين، وردّ العجزِ على الصّدر، وما لا يستحيل بالانعكاس، والتّرصيع، والتّصريع، الذي سيتمّ التّركيز حوله في الفقرة التّالية بعنوان التصريع في الشعر.[٣]
التصريع في الشعر
لتعريف الدّارس على التصريع في الشعر، لابدّ من تعريفه أولًا، فالتصريع في الشعر امرئ القيس:[٦]
قفا نبكِ منْ ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ
- بسقط اللّوى بينَ الدّخولِ فَحومَلِ
فالضرب وباقي عروض القصيدة "مفاعلن"، وسبب اعتماد الشّاعر التّصريع، لفت انتباه المتلقي بأنّه يقول كلامًا موزونًا وليس نثرًا، ولذلك جُعل في مطلع القصيدة[٧]، وبعد اطلاع الدّارس على التصريع في الشعر، ومعرفة أنّ الأصل فيه أن يكون في مطلع القصيدة، وما سوى ذلك يعدّ تقفية، فلا بدّ من الاطّلاع على الشّعراء الأوائل الذين أتوا على التّصريع في الشعر في مطلع القصيدة، وضمنها.
اعتماد التصريع في غير المطلع
ربّما اعتمد الشّاعر التّصريع في الشعر في غير المطلع، ويكون ذلك إذا انتقل الشّاعر من موضوع معيّنٍ إلى آخر، أو من وصفٍ شيءٍ إلى وصف شيءٍ آخر، فيأتي بالتّصريع ليخبر المتلقّي بذلك، وقد وقع ذلك كثيرًا، وإنّ دلّ ذلك فإنّما يدلّ على قوّة الطّبع لدى الشّاعر، وغناه بالمادّة العلميّة والأدبيّة، ولكن إذا كثر التّصريع في القصيدة الشّعريّة، يعدّ تكلّفًا إلّا من المتقدّمين من الشّعراء الأوائل[٨]، ومن أمثلتهم:
- قال امرؤ القيس:[٩]
أَحارِ بنُ عَمروٍ كَأَنّي خَمِر
- وَيَعدو عَلى المَرءِ ما يَأتَمِر
- ثمّ عاد إلى التّصريع بعد ثلاثة أبيات، فقال:
تَروحُ مِنَ الحَيِّ أَم تَبتَكِر
- وَماذا عَلَيكَ بِأَن تَنتَظِر؟
أَمَرخٌ خِيامُهُمُ أَم عُشَر
- أَمِ القَلبُ في إِثرِهِم مُنحَدِر
وَفيمَن أَقامَ عَنِ الحَيِّ هِرّ
- أَمِ الظاعِنونَ بِها في الشُطُر
صرّع البيت الأوّل والأبيات الثّلاثة الخامس والسّادس والسّابع.
- مثال آخر من الشّعر الجاهليّ قول عنترة العبسيّ:[١٠]
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ؟
- أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ؟
أَعْيَاكَ رَسْمُ الدَّارِ لم يَتَكَلَّمِ
- حتى تَكَلَّمَ كَالأَصَمِّ الأَعْجَمِ
- ثم قال بعد بيت واحد:
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
- وَعَمي صَباحًا دارَ عَبلَةَ وَاسلَمي
فصرع البيتين الأول والثّاني، ثمّ الرابع.
- وفي قصيدة للأخطل لم يصرّع في مطلع قصيدته، ليخالف من سبقه، ثمّ يصرّع بعد ذلك:[١١]
حَلَّت صُبَيرَةُ أَمواهَ العِدادِ وَقَد
- كانَت تَحُلُّ وَأَدنى دارِها تُكُدُ
وَأَقفَرَ اليَومَ مِمَّن حَلَّهُ الثَمَدُ
- فَالشُعبَتانِ فَذاكَ الأَبرَقُ الفَرَدُ
- فَالشُعبَتانِ فَذاكَ الأَبرَقُ الفَرَدُ
- مثال من شعر ذي الرّمّة، إذ يقول في مطلع قصيدة:[١٢]
أَدَاراً بِحُزْوَى هِجْتِ للْعَيْنِ عَبْرَة ً
- فَمَآءُ الْهَوَى يَرْفَضُّ أَوْ يَتَرَقْرَقُ
- ثمّ قال في وسط القصيدة:
أمنْ ميَّة َ اعتادَ الخيالُ المؤرِّقُ
- نعمْ إنها ممّا على النَّأيِ تطرُقُ
- نعمْ إنها ممّا على النَّأيِ تطرُقُ
وممّا سبق يُلاحظ بأنّ امرأ القيس رائد هذا الفن ويتبعه كثير من الشّعراء الأوائل، ومن جاء بعدهم وسار على نهجهم.
تخلي الشعراء الصعاليك عن التصريع
هناك جماعة من الشّعراء الأوائل كاد شعرهم أن يخلوا من التّصريع، وهم تأبّط شرًّا ما عدا قافيّته المفضليّة، وشعر عروة بن الورد ما عدا رائيّتين له، و شعر صخر الغيّ ما عدا داليّته، وميميّته التي قالها في رثاء ابنه قد تخلّص من التّصريع، هم وغيرهم كثير من شعراء الصّعاليك كذلك الأمر، خلا شعرهم من التّصريع إلّا ما ندر.[١٣]
المراجع[+]
- ↑ "علم البديع"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 55.
- ↑ "المحسنات اللفظيّة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019.
- ↑ "لمن طلل أبصرته فشجاني"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019.
- ↑ "قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019.
- ↑ "التصريع"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "التصريع في وسط القصيدة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019. بتصرّف.
- ↑ "أحار بن عمرو كأني خمر"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019.
- ↑ "هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019.
- ↑ "حلت صبيرة أمواه العداد وقد"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019.
- ↑ "أَدَاراً بِحُزْوَى هِجْتِ للْعَيْنِ عَبْرَة ً "، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2019.
- ^ أ ب يوسف خليف، الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي (الطبعة: الرابعة، مصر: دار المعارف، صفحة 274-275. بتصرّف.