سؤال وجواب

عراقة الحضارة الأندلسية


الفتح الإسلامي للأندلس

الفتح الإسلاميّ للأندلس هو حملة عسكريّة بدأت في عام 92 هجريّة، وكانت بقيادة المسلمين تحت راية الخلافة الأموية ضدّ القوط الغريبين في إسبانيا، وكانت الجيوش العربيّة مُعظمها من البربر تحت قيادة طارق بن زياد، وقد نزل زياد وجيشه في منطقة سُميت لاحقًا بجبل طارق، واتّجه شمالًا وألحق هزيمةً ساحقة بمقلك القوط "لزريق" في معركة وادي لكّة، واستمرت الفتوحات حتّى عام 107هجريّة، واستولت على مناطق كثيرة من البرتغال واسبانيا وجنوب فرنسا، وكان من الأسباب التي أدت إلى فتح الأندلس اعتناق البربر للإسلام وشوقهم للجهاد في سبيل الله، وكذلك لأنّ المسلمين رأوا أنّه من الجيّد توجيه الجيوش العربيّة لمناطق غربيّة حضرية تعود بالفائدة على الدولة الأمويّة، وسيتحدث هذا المقال عن عراقة الحضارة الأندلسية.[١]

المجتمع الأندلسي بعد الفتح الإسلامي

يعدّ الفتح الإسلاميّ لإسبانيا فاتحةَ عصرٍ جديد في حياتها العامّة وفي نظمها الاجتماعية، وحمل الإسلام للعباد الحرية والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، وقضى على نفوذ الطبقات العليا، وخفف عن كاهل الطبقات الدنيا ما كانت تنوء به من الأعباء والمغارم، وتمتَّع أهل البلاد من النصارى واليهود بالحريّة الدينيّة لقاء دفع الجزية ، والواقع آنذاك أوضاع الذميين لم تكن مما يدعو إلى الكثير من الشكوى بالمقارنة مع ما كانت عليه أوضاعهم قبل الفتح، حيث إنّ النصرانيّة لا تبيح دم اليهود فقد كانت تعد إذلالهم فضيلة، وبذلك اكتسب التشريع القمعيّ دعمًا لاهوتيًا غير أن المجتمع الذي نشأ بعد الفتح حمل في طياته البذرة الجينية للخلافات الخطيرة التي شهدها هذا العهد ، وما اندرج تحته من عناصر ذات أهواء وميول متنافرة، كانت القبائل العربيّة لا تزال تضطرم بنار العصبيّة القديمة بين القيسية واليمنية وهيمنت الروح القبلية على نفوس من دخلوا مع القائد موسى بن النصير.[٢]

وكان البربر الذين تحملوا العبء الأكبر في فتح إسبانيا، ويشكلون غالبيةَ القوى المُسلحة، ينفرون من قاداتهم ورؤاساهم العرب، وينقمون عليهم لاستئثارهم بالنفوذ والإقطاعات الغنية، وأدى استمرار تدفقهم من شمالي إفريقية إلى بدء شعورهم بقوتهم من عهد مبكر، لذلك لم يكم مُستغربًا أن يقوموا بثورات ضد هذا الوضع الذي عدوه شاذًا، ولم يكن المسلمون الإسبان، وهم المولدون، وحديثو عهدٍ بالإسلام، على نمطٍ واحدٍ من التفكير، فكتن فيهم من يشعر دائمًا بأنّه أدنى اجتماعيا من العرب، ويشكل هؤلاء أقليّة ضئيلة العدد، أما معظمهم فكانوا صادقي التّعلق بالإسلام.[٢]

لكن العرب كانوا يشكون في ولائهم، فأبعدوهم عن تولي المناصب العليا، فأنف المولدون من هذا الوضع، وكانوا يشعرون بمكانتهم، وبما لديهم من القوى المادية لأنهم يؤلفون غالبية السكان، مما أدى إلى قيامهم بثورات في جميع الولايات والمدن الكبرى، والواقع أنّ السياسة القبلية، التي كان مصدرها غالبًا القيروان، تحكمت في أحداث الأندلس، وانعكست على كان يجري فيها من تطورات داخليّة، وخارجيّة.[٢]

عراقة الحضارة الأندلسية

بعد أن تمّ للعرب التحرير راحوا يطبقون رسالتهم الإنسانيّة في الحضارة، ويذكر التاريخ عراقة الحضارة الاندلسية فقد استطاع العرب في أقلِّ من قرنٍ أن يحيوا المدن بعد خرابها، ويقيموا المباني الفخمة، ويوطدوا العلاقات التجاريّة مع الأمم الأخرى، وبدأوا بدراسة الآداب والعلوم، وترجموا الكتب اليونانيّة واللاتينية، وأنشأوا الجامعات التي ظلّت الملجأ الوحيد للثقافة في أوربا لزمنٍ طويلٍ، وبدأت حضارة العرب في الأندلس بالنهوض منذ أن استلم عبد الرحمن الأول العرش، أي منذ أن انفصل الحكم في الأندلس عن الحكم في الشرق سياسيًا، وأُعلنت إمارةُ قرطبة في عام 138هجريّة، فأصبحت الأندلس من أرقى الدول في العالم لثلاثةِ قرون متتابعة.[٣]

ومن أهم المصادر التي تحدّثت حول عراقة الحضارة الأندلسية هي الميل الشديد للاعتناء بالعلوم والآداب والفنون، فقاقوا بإنشاء المكتبات والمدارس في كلّ أنحاء البلاد، كما قاموا بترجمة الكتب المختلفة، واهتمّوا بدراسة العلوم من فُلك ورياضيات وكيمياء وعلوم طبيعية وعلوم الطب ونجحوا في دراستها جميعًا، كما لهم اهتمام بالتجارة والصناعة، فصدروا منتجاتهم من المناجم ومصانع الأسلحة، ومصانع النسيج والسكر والجلود، كما برع المسلمون في الأندلس في الزراعة كبراعتهم بغيرها من مجالات الحياة، فابتكروا نظامًا للريّ، وأدخلوا إلى أرضِ الأندلس زراعة القطن والأرز وقصب السكر، والموز، كما أنشأوا الجسور والفنادق والمساجد والطرق في كل أنحاء الأندلس.[٣]

كما تعودُ عراقة الحضارة الأندلسيّة أيضًا إلى قوة البحرية العربيّة التي كانت تتم بفضلها تجارة المسلمين بكلِّ مرافئ أوروبّا وآسيا وإفريقيا، وبقي العرب سادة البحر المتوسط لزمنٍ طويل، كما قاموا بإنشاء أسطولٍ ضخم ليواجه أسطول البيزنطيين، وليضمنوا الأمن للسواحل العربيّة من هجمات البيزنطيين، وأصبحت بعض الجزر القريبة من السواحل العربيّة مراكز بحرية للأسطول العربيّ كصقليّة ومالطا وغيرها، فازدهرت التجارة وازدهرت معها الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتمكن العرب في الأندلس من الاتصال بالعالم الخارجي.[٣]


وقد مرت الحضارة الأندلسية بأدوارِ عديدة، خاضعةً لمؤثّراتٍ حضاريَّة منها ما يعود للحضارة العربيّة في المشرق، ومنها ما يعود لمؤثرات محليّة بسبب طبيعة البيئة التي قامت فيها، فقامت النظم السياسيّة والعسكريّة والإداريّة في الأندلس على غرار تلك التي في المشرق، فنشأ نظام الإمارة ثمّ نظام الخلافة، وأقاموا نظام الوزارة والدواوين كما كان سائدًا في عهد أبو جعفر المنصور بصقر قريش، لما كان فيه من الدهاء والذكاء والشجاعة، فاستطاع الهروب من العباسيين للأندلس وتأسيس خلافة أموية من جديد.[٤]

وقد عمل عبد الرحمن ومن بعده ابنه هشام ثم حفيده الحكم على تقوية دائم الدولة الأموية الجديدة في الأندلس، ووحدوا الأراضي الأندلسيّة، وحاربوا ممالك المسيحين، وقد كان مجد الدولة الأموية في عهد عبد الرحمن الأوسط، حيث ازدهرت حركات العلم والأدب والعمارة والفن، ووصلت إلى مرحلةٍ متقدمة من التمدن، وقد أصبح الأندلسيون على قدر عالٍ من الثقافة، وصارت دولة بين أمية في الأندلس مركزًا من مراكز الحضارة المهمة في غرب العالم الإسلامي.[٤]

وبعد تلك المرحلة انقسمت دولة بني أمية إلى أجزاء ولكلٍّ منها حكم مستقل بذاته، مما شجع الممالك النصرانية على محاولة استعادة البلاد التي كانت تحت حكم المسلمين، ومع تولي الحكم من قبل عبد الرحمن الثالث، عادت وحدة البلاد السياسية وعادت قوتها العسكرية، وتابع بعده ابنه الحكم الذي استمر في عهده ازدهار الدولة، وآل الحكم بعده لابنه هشام الذي كان صغير السن ولا يقدر على أمور الحكم، ووضع تحت وصاية الحاجب المنصور، وفي عام 1009م دخلت الأندلس في الحروب الأهلية، وكثر المطالبون بالسلطة، وسقط آخر خليفة أموي وهو هشام عام 1031م، ودخلت الحكم في الأندلس لعهد ملوك الطوائف.[٤]

سقوط الأندلس

انهيار دولة الموحدين في الأندلس جعلها عرضةً للهجوم الإسباني، وهي دون حماية وأدى ذلك لسقوط العديد من الممالك الأندلسية بيد الإسبان، وبدأ العرب بالانسحاب من الأندلس شيئًا فشيئًا، ولكن بسبب ابن الأحمر عاد للعرب ما بقي من تراثهم الأندلسي في مملكة غرناطة وهي آخر قلاع العرب في الأندلس، وظلّ بنو الأحمر في الحكم مئتين وخمسين سنة، وهم آخر سلالة إسلاميّة حكمت الأندلس، وسقطت غرناطة آخر المعاقل الإسلاميّة في الأندلس بيد فردنايد الخامس ملك قشتالة وإيزبيلا ملكة أرغون، بعد اتحادهما في عام 897 هجريّة، في عهد آخر الأمراء العرب محمد بن علي بن سعد.[١]

وهكذا دخل الإسبان غرناطة، وتوجه الأمير مع أهله إلى أندرش، في جبل البشرات المطل على غرناطة، وقد حُددت هذه القرية مكانًا لإقامته تحت إشراف القشتاليين، وهو يذرف الدموع حسرةً وألمًا على المُلم الضائع، وبسقوط غرناطة انتهت دولة المسلمين في الأندلس، وظلّت الآثار العلميّة والعمرانية شاهدًا على عراقة الحضارة الأندلسية.[١]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب ت "تاريخ الأندلس"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 02-08-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت "الفتح الإسلامي للأندلس "، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-08-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج "الحضارة العربيّة في الأندلس وأثرها في أوربا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-08-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "أمويو الأندلس"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 03-08-2019. بتصرّف.