معلقة عمرو بن كلثوم
محتويات
الشعر في العصر الجاهلي
كان للشعر مكانة عظيمة في نفوس الجاهليين، وكان له أغراضه وأوقاته، وكان أول من مهّد الطريق للشعر الجاهلي الحجاز والعراق والشام ونجد، وأمه ليلى بنت المهلهل بن ربيعة شاعر جاهلي معروف، وقد كان عمرو بن كلثوم معروف بعزة النفس، والشجاعة وكان سيدًا في قبيلة تغلب، قتل ملك المناذرة عمرو بن هند في دياره وسلب خزائنه، وعاد بأصحابه من بني تغلب الذين كانوا معه من غير أن يصاب أحدحم بأذى، وقد كان شاعرًا مُجيدًا وإن كان مقلَاً من قوله للشعر، وأشهر ما كتبه من الشعر كان معلقة عمرو بن كلثوم وقيل أنها تتكون من ألف بيت ولكن لم يصل إلينا منها سوى مئة بيت، عاش عمرو بن كلثوم عمرًا طويلًا وتوفي في الجزيرة الفراتية قبل مجيء الإسلام.[٣]
معلقة عمرو بن كلثوم
يعدّ عمرو بن كلثوم من الشعراء الفرسان، وقد كان يدور شعره حول الفخر والعزة والإنتصار لسيادة القبيلة، وقد وصفت معلقة عمرو بن كلثوم حروب قبيلة تغلب مع القبائل الأخرى، وقد وصف الدماء في معلقته وكان يتغنى بأصله وفصله فهو من قبيلة معروفة وسيد في قبيلته، وقد أعلى من شأن قبيلة تغلب في معلقته ومدحها وافتخر بها ومن شدة تعلق قبيلة تغلب بالمعلقة حفظها صغيرهم وكبيرهم، وقد بنى معلقته على الاستهتار بقوّة خصمه حتى يضعفه نفسيًّا، وبالتالي يمهد الطريق لانتصار قبيلته ولم يكن يهمه قوة خصمه بقدر ما كان معتدًّا بإباء نفسه وشموخ وعزة قومه لفرض السيادة المطلقة لقبيلة تغلب.[٤]
وتعدّ معلقة عمرو بن كلثوم مَفخَرة من مفاخر الشعر العربي، والتي قالها عمرو بن كلثوم يدافع فيها عن قومه ليستردّ حقوقهم، فقد قيل بأنه قالها على أثر الحادثة التي وقعت مع أمه عند عمرو بن هند عندما أراد أن تخدم أم عمرو بن كلثوم أُمَّه، وقيل أنه قالها بحضرة عمرو بن هند عندما احتكمت قبيلتي بكر وتغلب إليه في الحروب التي كانت قائمة بينها فقالها ردًّا على معلقة الشعراء الجاهليين في قصائدهم لكنّه تميز عنهم بطلب الصبوح وكأنّه أراد أن يُغيّب فكرة الفراق، ثم انتقل عمرو بن كلثوم إلى الفخر والحماسة والدفاع عن بني تغلب ورد مزاعم الأعداء عنهم، فيقول في معلّقته:[٦]
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا
- وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيه
- إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا
قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعين
- نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا
قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعين
- نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا
بِيَومِ كَريهَةٍ ضَرباً وَطَعن
- أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا
قِفي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرم
- لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمينا
ثمّ ينتقل ليصفَ محبوبته، فهو يذكر أنها بيضاء، في ريعان شبابها، صاحبة نعمة، طويلة القامة وعفيفة لم يمسسها أحد، وذكر أن الفراق أثار صبابته وكلما أسرع الرّكب في المشي وزاد البعد زادت حنيته، فيقول:[٧]
تُريكَ إِذا دَخَلتَ عَلى خَلاءٍ
- وَقَد أَمِنَت عُيونَ الكاشِحينا
ذِراعَي عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ
- هِجانِ اللَونِ لَم تَقرَأ جَنينا
تَذَكَّرتُ الصِبا وَاِشتَقتُ لَمّا
- رَأَيتُ حُمولَها أُصُلاً حُدينا
فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت
- كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا
ثمّ ينتقل بعد ذكره للمحبوبة والفراق إلى لوم عمرو بن هند، وكيف أنه استمع للوشاة، وكيف أنّه ازدرى بني تغلب وحاول النيل من كرامتهم، فقام يصف إباء قومه وعزتهم منتقصًا من كل من يحاول النيل منهم فيقول في ذلك:[٧]
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ
- نَكونُ لِقَيلِكُم فيها قَطينا
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ
- تُطيعُ بِنا الوُشاةَ وَتَزدَرينا
تَهَدَّدنا وَأَوعِدنا رُوَيد
- مَتى كُنَّا لِأُمِّكَ مَقتَوينا
فَإِنَّ قَناتَنا يا عَمرُو أَعيَت
- على الأَعداءِ قَبلَكَ أَن تَلينا
إِذا عَضَّ الثِقافُ بِها اِشمَأَزَّت
- وَوَلَّتهُم عَشَوزَنَةَ زَبونا
عَشَوزَنَةً إِذا اِنقَلَبَت أَرَنَّت
- تَشُجُّ قَفا المُثَقَّفِ وَالجَبينا
فَهَل حُدِّثتَ في جُشَمَ بنِ بَكرٍ
- بِنَقصٍ في خُطوبِ الأَوَّلينا
وَرِثنا مَجدَ عَلقَمَةَ بنِ سَيفٍ
- أَبَاحَ لَنا حُصونَ المَجدِ دينا
وتتوالى أبيات القصيدة، فيهدّد بني بكر، وينقص من شأنهم، ويصف حروب بني تغلب وشجاعتهم، ويصف دور نساءهم في الحروب وكيف أنّهن يتصفن بالشجاعة والإقدام، وتأخذه الحميّة ويرفع قدر قومه فوق جميع الناس، فيقول في معلقته:[٧]
وَقَد عَلِمَ القَبائِلُ مِن مَعَدٍّ
- إِذا قُبَبٌ بِأَبطَحِها بُنينا
بِأَنا المُطعِمونَ إِذا قَدَرن
- وَأَنّا المُهلِكونَ إِذا اِبتُلينا
وَأَنّا المانِعونَ لِما أَرَدن
- وَأَنّا النازِلونَ بِحَيثُ شينا
وَأَنّا التارِكونَ إِذا سَخِطن
- وَأَنّا الآخِذونَ إَذا رَضينا
وَأَنّا العاصِمونَ إِذا أُطِعن
- وَأَنّا العازِمونَ إِذا عُصينا
وَنَشرَبُ إِن وَرَدنا الماءَ صَفو
- وَيَشرَبُ غَيرُنا كَدَراً وَطينا
قصة قتل عمرو بن كلثوم لعمرو بن هند
روى أبو عبيدة معمر بن المثني التيمي في كتابه أيّام العرب قبل الإسلام، حادثة مقتل عمرو بن هند على يد عمرو بن كلثوم، فذكر أن عمرو بن هند في أحد الأيام كان بين جلسائه فسألهم: هل من أحد تأنف أمه أن تخدم أمي؟ فقالوا: لا أحد، إلا عمرو بن كلثوم، فأمه ليلى بنت المهلهل أخو كليب وعمها وائل بن ربيعة ملك العرب وزوحها كلثوم. فبقي في نفس عمرو بن هند شيء من ذلك، وأراد أن يأتي بأم عمرو بن كلثوم فبعث إليه يطلبه لزيارته وطلب منه إحضار أمه معه، فلبّى عمرو بن كلثوم الدعوة، وجاء مع فرسان من قبيلة تغلب وكانت أمه معه.[٨]
جهّز عمرو بن هند خيمة لاستقبالهم، وحضّر فيها الطعام وجعلها قسمين، جلس هو وعمرو بن كلثوم في مجلس وجعل أمّه وأم عمرو بن كلثوم في مجلس آخر بجانبهم، وأخبر أمه أن تبعد خدما عن المائدة إذا فرغت من الطعام وإن أرادت شيئًا أن تطلبه من ليلى أم عمرو بن كلثوم، ففعلت ذلك وطلبت طبقًا من ليلى ولكنها أبت أن تناولها فأصرّت عليها أم عمرو بن هند، فنادت ليلى: واذلاه يا تغلب، واذلاه. فسمع ابنها ذلك وثار الدم في وجهه ولم يكن هناك في الخيمة إلا سيف عمرو بن هند معلّقًا، فتناوله عمرو بن كلثوم وقطع رأس عمرو بن هند ونادى في فرسان تغلب فنهبوا ماله وعادوا إلى ديارهم.[٨]
من أشعار عمرو بن كلثوم
لم يكن عمرو بن كلثوم مقلًّا في قول الشعر، فقد كانت له عدد من المقطوعات والقصائد، والتي كانت من أجودها معلقة عمرو بن كلثوم المشهورة والتي حفظها أبناء قبيلته وتغنوا بها، ومن أشعار عمرو بن كلثوم:
- قوله:[٩]
جَلَبنا الخَيلَ مِن جَنبَي أَريكٍ
- سَواهِمَ يَعتَزِمنَ عَلى الخَبارِ
نَزائِعَ لِلغُرابِ بِنا تُباري
- خَوارِجَ كَالسَمَامِ مِنَ الغُبَارِ
صَبَحناهُنَّ يَومَ الأَتمِ شُعث
- فِراسًا وَالقَبائِلَ مِن غِفارِ
- وقوله:[١٠]
أَلا أَبلِغِ النُعمانَ عَنّي رِسالَةً
- فَمَجدُكَ حَولِيٌّ وَلُؤمُكَ قارِحُ
مَتى تَلقَني في تَغلِبَ اِبنَةِ وائِلٍ
- وَأَشياعِها تَرقى إِلَيكَ المَسالِحُ
- وقوله:[١١]
مَعاذَ الإِلَهِ أَن تَنوحَ نِساؤُنا
- عَلى هالِكٍ أَو أَن نَضِجَّ مِنَ القَتلِ
قِراعُ السُيوفِ بِالسُيوفِ أَحَلَّن
- بِأَرضٍ بَراحٍ ذي أَراكٍ وَذي أَثلِ
فَما أَبقَتِ الأَيامُ مِنَ المالِ عِندَن
- سِوى جِذمِ أَذوادٍ مُحَذَّفَةِ النَسلِ
ثَلاثَةُ أَثلاثٍ فَأَثمانُ خَيلِن
- وَأَقواتُنا وَما نَسوقُ إِلى القَتلِ
المراجع[+]
- ↑ "بداية الشعر الجاهلي (1)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "قصة «المعلّقات» السبع الطوال"، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "عمرو بن كلثوم"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 02-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "أغراض الشعر الجاهلي1"، art.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 02-08-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب حسين بن أحمد بن حسين الزَّوْزَني (1423هـ - 2002م)، شرح المعلقات السبع (الطبعة الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 203-204-207-208. بتصرّف.
- ↑ "أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا (معلقة)"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-08-2019.
- ^ أ ب ت علي الجندي (1412هـ - 1991م )، في تاريخ الأدب الجاهلي (الطبعة الأولى)، بيروت- لبنان: دار التراث، صفحة 317-318.
- ^ أ ب "عمرو بن المنذر"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 14-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "جَلَبنَا الخَيلَ مِن كَنَفَي أَريكٍ"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-08-2019.
- ↑ "أَلا أَبلِغِ النُعمانَ عَنّي رِسالَةً"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-08-2019.
- ↑ "مَعاذَ الإِلَهِ أَن تَنوحَ نِساؤُنا"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-08-2019.