حكم صيام تاسوعاء
الصيام
فرض الله -جلّ جلاله- الصيام على المسلمين كما فرضه على الأمم التي خلت من قبلهم، فيجزي ويحاسب به كما كان يجزي الأمم السابقة، قال تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،[١] والصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب والابتعاد عن المفطرات من الفجر إلى المغرب، وقد روى أبو هريرة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ إنَّمَا يتْرُكُ طعامَهَ وشَرَابَهُ مِن أجْلِي فصيامُهُ لَه وأنا أجزِي بِه كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالِهَا إلى سبعمائِةِ ضعفٍ إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ"،[٢] ويجري البحث في هذا المقال حول حكم صيام تاسوعاء.[٣]
شهر محرم
شهر محرّم هو أولّ الأشهر الهجريّة، وهو من الشهور الأربعة الحرم التي جعل الله -سبحانه وتعالى- لها فضلًا عظيمًا، وأتى على ذكرها في القرآن الكريم، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}،[٤] وفيه يكون أفضل الصيام بعد شهر رمضان، وذلك أبو هريرة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الصحيح: "أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ"،[٥] وفيه الأيام المعروفة بتاسوعاء وعاشوراء ذات الفضل العظيم في صومهما، وسيتم تسليط الضوء على حكم صيام تاسوعاء وحكم صيام عاشوراء كلًّا على حدا، وصيامهما معًا وبيان فضل صيامهما، وذلك كما ورد في الكتاب والسنّة النبويّة الشريفة.[٦]
صيام عاشوراء
قبل الخوض في حكم صيام تاسوعاء لا بدّ من تبيّن حكم صيام عاشوراء الذي به يقترن تاسوعاء، وعاشوراء هو العاشر من شهر محرّم وصيامه لا خلاف في مشروعيته لدى علماء الفقه والعقيدة، وصيامه مستحبٌّ بالإجماع وليس بواجب، وقد كان أهل مكةّ ومن بينهم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يصومون هذا اليوم في الجاهليّة، ولمّا قدم المدينة وبلغه صوم اليهود لهذا اليوم، استفسر عن سبب صومهم له، وقد روى ابن عباس في ذلك الأمر، فقال: "لَمَّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- المَدِينَةَ واليَهُودُ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَسَأَلَهُمْ، فقالوا: هذا اليَوْمُ الذي ظَهَرَ فيه مُوسَى علَى فِرْعَوْنَ، فقالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: نَحْنُ أوْلَى بمُوسَى منهمْ فَصُومُوهُ"،[٧] وهكذا أصبح صيامه سنّةً مستحبّةً وجعل الله لصيامه الفضل العظيم.[٨]
حكم صيام تاسوعاء
جاء في حكم صيام تاسوعاء الاستحباب، وذلك لمخالفة اليهود في صومهم، فيكون صيام العاشر والحادي عشر من محرّم، أو التاسع والعاشر من الشهر نفسه، والمستحبُّ لدى أهل السنّة والجماعة صيام التاسع والعاشر، وذلك لما ورد في الصحيح من الحديث عن عبد الله بن عباس، قال: "حِينَ صَامَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ، قالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ، حتَّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-"،[٩] وهذا ما أكدّ عليه الإمام الشافعيّ -رحمه الله- في صوم التاسع والعاشر، وذلك لما نوى وهمّ به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قبل وفاته.[١٠]
وفي حكم صيام تاسوعاء لوحده فهو جائزٌ ويكون كما لو كان له أجر صيام يومٍ من أيّام شهر محرّم، ففي هذا الشهر يستحبّ الإكثار من الصيام فيه، وأمّا عن حكم صيام عاشوراء لوحده وكما ورد عن شيخ الإسلام بجواز إفراده بالصيام، وله فضل كفارة ذنوب السنّة التي مضت، ويقول الإمام النووّي -رحمه الله- أنّه يكفرّ كلّ الذنوب الصغائر، وقد وقع الخلاف بين أهل العلم على استحباب صيام تاسوعاء أو عاشوراء للمسلم الذي عليه قضاء صيام أيّامٍ من شهر رمضان المبارك، فصوم رمضان فريضة وصوم عاشوراء سنةٌ مستحبّة، وقياسًا على ذلك يرى البعض أنّ الفريضة أولى من السنّة، ويرى الآخرون في جواز تأخير القضاء لتحصيل أجر صيام أيام التاسع والعاشر من شهر محرّم.[١١]
وقد اختصر الإمام النووي -رحمه الله- الحكمة من صيام يوم تاسوعاء مع عاشوراء على وجه الخصوص في ثلاث نقاطٍ بيّنها للنّاس، الأولى منها الابتعاد عن مسايرة اليهود في صومهم لعاشوراء فقط دونًا عن باقي أيام الشهر ومخالفتهم بذلك بصوم التاسع، والثانية لوصل يوم عاشوراء بصومٍ آخر لتفادي مجيئه يوم الجمعة، فإفراد الصوم في يوم الجمعة منهيٌّ عنه، والثالثة منها لتجنّب وقوع الخطأ في تقدير هلال هذا الشهر، وخوفًا من أن ينقص هلال هذا الشهر، فجاء صوم التاسع تحسبًّا لذلك، وهذا ما ورد في فضل وحكم صيام تاسوعاء وعاشوراء من شهر محرّم المبارك.[١٢]
قصة نجاة سيّدنا موسى
سيّدنا موسى -عليه السلام- هو كليم الله وأحد أولي العزم من الرسل، والذي نشأ وترعرع في قصر فرعون، ذلك الطاغية الذي ادّعى الربوبيّة، وبقي في كنفه ما شاء الله له أن يكون، حتّى أمره بتبليغ رسالته لفرعون وآله، وقد أيّده الله بأخيه هارون نبيًّا يشدّ به عضده في مجابهة فرعون وجنوده، ومازال موسى وهارون يمضينا في سبيل دعوتهما، حتى أيس فرعون مجادلتهما، فقرر أن يمضي خلفهما بجيشٍ قوامه مئات الآلاف من الجنود، فلما بلغ موسى وقومه البحر خاف القوم وارتبكوا، فأوحى الله إلى سيّدنا موسى، قال تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}،[١٣] فعبروا البحر آمنين، ولمّا لحقهم فرعون وجنوده في البحر أطبق الله عليهم وأغرقهم أجمعين.[١٤]المراجع[+]
- ↑ سورة البقرة، آية: 187.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 13/239، صحيح.
- ↑ " نبذة.. في الصيام"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-08-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 36.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
- ↑ "محرم"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-08-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4737، [صحيح].
- ↑ "متى يصام يوم عاشوراء؟"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 27-08-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1134، صحيح.
- ↑ "استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 27-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-08-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الشعراء، آية: 63.
- ↑ "نجاة موسى الكليم وهلاك فرعون اللئيم"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-08-2019. بتصرّف.