الفرق بين المصدر واسم المصدر
محتويات
المصادر اللغوية
عرفت اللغة العربية المصدر الصريح، الذي عَدّه البصريَون أصل الأفعال والمشتقات، في حين رأى الكوفيون أن الفعل هو أصل المصادر والمشتقات. وأيّا كان من خلاف، فإن اللغة العربية هي لغة اشتقاقية، وبهذه الصفة عرفت وتنوعت أساليبها ومعانيها واتسعت، ومن أنواع المصادر في اللغة العربية: المصدر الميمي، ومصدر المرة، ومصدر الهيئة، الفعل المجرد والمزيد، فالأفعال تكون من هذا على ثلاثة أبنية : فعل يفْعُل، وفعل يفْعل، وفعل يفْعل، ويكون المصدر فعْلا والاسم فاعلا، فأما فعل يفْعُل فمصدره قتل يقتُل قتْلا والاسم قاتل. وكان ابن جني أول من عرّف المصدر، فقال: "كل اسم دلَّ على حدث وزمان مجهول وهو وفعله من لفظ واحد والفعل مشتق من المصدر"، وبهذا على المصدر أن يكون متضمنًا لأحرف فعله.[١]
وبتتبع تعريف المصدر في كتب النحو الكبرى، فإنه يتضمن حالتين: الحالة المعنوية، حيث يدل المصدر على مجرد الحدث الذي يدل على أمر معنوي محض لا صلة له بزمان، ولا بذات، ولا بعلميّة، ولا تذكير أو تأنيث أو جمع أو غيره إلا إذا كان دالًا على مرة أو هيئة. والحالة الثانية، أنّ تكوينه اللفظي لا بدّ من أن يكون جامدًا مشتملا على جميع حروف فعله الماضي أو أكثر، ولا يمكن أن ينقص عنه في الحروف.[١]
ويصاغ المصدر من الفعل الثلاثي المجرد على أوزان كثيرة أغلبها سماعيّة، وقد ذكر السيوطي أنها خمسة وعشرون وزنًا، وذكر سيبويه اثنين وثلاثين بناء، وقد تتعدد مصادر الفعل الثلاثي الواحد ومن الممكن أن تصل أحيانًا إلى تسعة أو عشرة، وقد يعود ذلك اختلاف اللغات من جهة، واختلاف الروايات من جهة أخرى. أما مصادر الفعل غير الثلاثي فهي مقيسة كلها، وما ورد على خلافها يحفظ ولا يقاس عليه.[٢]
تعريف اسم المصدر
لم يذكر اسم المصدر في المعاجم اللغوية عند العلماء المتقدمين صراحة، ولكنَّهم أشاروا إليه بوضوح عند الحديث عن المصدر ودلالاته واستعمالاته. إلا أنّ بعض النحويين القدامى ذكروه ليدلّ على ما دلّ عليه المصدر ويجري من الأحكام عليه ما جري على بعض الأعلام من البناء أو المنع من الصرف، مثل: برَّة غير مصروف بمعنى المبرة، وفجار مبنيًا على الكسر بمعنى الفجور. وكان سيبويه أولَّ من استعمل مصطلح اسم المصدر صراحة في قوله: "ومما جاء اسما للمصدر قول الشاعر النابغة":[٣]
إنّا اقتَسَمنْا خُطّتيَنْاَ بَيْنَنَا،
- فحملتُ برة َ، واحتملتَ فجارِ
ففجار اسم مصدر معدول به عن الفجرة. وقد لحقه في هذا التعريف المبرد.[٤]
وقد ذكر آخرون أن اسمُ المصدر هو ما ساوى المصدر في الدّلالة على الحدَث، دون اشتماله على جميع أَحرف فعله، بل جاءت هيئَتُهُ خالية من بعض أحرف فعله لفظًا وتقديرًا دون عِوضٍ، وذلك مثلُ "توْضأ وضُوءًا، وتكلَّمَ كلاماً، وأيسرَ يُسراً". فالكلام والوضوء واليسر أسماء مصادر، وليست مصادرلأنها جاءت خالية من بعض أحرف فعلها في اللفظ والتقدير، فقد نقص من الوضوء والكلام تاء التفعل وأحد حرفي التضعيف، ونقص من اليسر همزة الإفعال. وليس ما نقص في تقدير الثبوت، ولا عوض عنه بغيره.[٥]
عمل المصدر واسم المصدر
في البحث عن الفرق بين المصدر واسم المصدر في العمل، فإن المصدر يعملُ عَمَلَ فعلهِ سواء من الفعل اللازم أو الفعل المتعدي، فإن كان فعل المصدر لازمًا، احتاجَ إلى الفاعلِ فقط، مثل "يُعجبُني اجتهادُ سعيدٍ". وإن كان فعل الصدر مُتعدِّيًا احتاجَ المصدر إلى فاعلٍ ومفعولٍ بهِ. فهو يتعدَّى إلى ما يتعدَّى إليه فعلُه، إمّا بنفسهِ، كما في جملة "ساءَني عصيانُك أباكَ"، وإمّا بحرف الجرِّ، كما في جملة "ساءَني مُرورُكَ بمواضعِ الشُّبهةِ". واعلم أن المصدرَ لا يعملُ عملَ الفعلِ لشبههِ به، بل لأنهُ أَصلُهُ. كما يجوزُ حذفُ فاعلهِ من غيرِ أن يتحمّلَ ضميرَهُ، كما في جملة "سرَّني تكريم العاملينَ". ولا يجوزُ ذلكَ في الفعل، لأنهُ إن لم يَبرُز فاعلُهُ كان ضميرًا مستترًا.[٦]
ويجوزُ حذفُ مفعول المصدر كما في قوله تعالى {وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلا عن موعِدةٍ وَعدَها إياهُ}،[٧] فحذف مفعول المصدر استغفارُ، كما يعملُ عملَ فعلهِ مضافًا كقوله تعالى: {ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضِ}[٨] فالله أضيفت إلى المصدر دفعُ الذي نصب الناسَ مفعولا به للمصدر. أو مجرَّدًا من أَلْ والإضافةِ ويكون إِعمالُه قليلٌ.[٦]
ومن شورط عمل المصدر في الفرق بين المصدر واسم المصدر أن يكون المصدر نائبًا عن فعلهِ، أو أن يصحَّ حُلولُ الفعل مقترنًا بأنْ أو ما المصدريتين مَحلَّهُ. فإذا قيل "سرَّني فَهمُكَ الدَّرسَ" جاز القول "سرَّني أن تفهمَ الدرسَ". وإذا قيل "يَسرُّني عملُكَ الخيرَ" جاز القول "يَسُرُّني أن تعملَ الخيرَ". وإذا قيل "يُعجبُني قولكَ الحقَّ الآن" جاز القول "يعجبني ما تقولُ الحقَّ الآن". وإذا أريد من المصدر الاستقبالُ قُدِّرَ بأنْ، وإذا أريدَ به الحالُ قُدِّرَ بِمَا، لذلك لا يعملُ المصدر ولا مصدر المرّة ولا مصدر الهيئة ما لم يُرَدْ به الحَدَثُ.[٦]
ولا يجوز في الفرق بين المصدر واسم المصدر، تقديمُ معمولِ المصدر عليه، إلا إذا كانَ المصدرُ بدلا من فعلهِ نائبًا عنه، مثل "عملَكَ إتقانًا"، أو كان معمولهُ ظرفًا أو مجرورًا بالحرف، كقوله تعالى {فلمّا بلغَ معهُ السَّعيَ}،[٩] وقولهِ {ولا تأخذكم به رأفةٌ}،[١٠] ويُشترطُ في عمل الصدر ألّا يُوصف قبلَ تمامِ عملهِ. وإذا أُضيفَ المصدرُ إلى فاعله جَرَّهُ لفظاً، ورفعه حكمًا، ثم يَنصبُ المفعولَ به، مثل "سرَّني فهمُ زُهيرٍ الدرسَ". وإذا أُضيفَ إلى مفعولهِ جَرَّهُ لفظاً، ونصبه حكمًا، مع رفعُ الفاعلَ، مثل "سرَّني فَهمُ الدرسِ زُهيرٌ".[٦]
أما في الفرق بين المصدر واسم المصدر، فإن اسمُ المصدرِ يعملُ عملَ المصدرِ الذي يكون بمعناهُ، وبِشروطهِ، غيرَ أنّ عملَهُ قليلٌ، ومنه قولُ عُمير بن شييم:[١١]
أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي
- وَبَعْدَ عَطائِكَ الْمِئَةَ الرِّتاعا
المراجع[+]
- ^ أ ب حنان سالم، اسم المصدر: المصطلح والدلالة، صفحة 32. بتصرف.
- ↑ حنان سالم، اسم المصدر: المصطلح والدلالة، صفحة 34. بتصرّف.
- ↑ "نبئتَ زرعة َ، والسفاهة ُ كاسمها،"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-09-2019.
- ↑ حنان سالم، اسم المصدر: المصطلح والدلالة، صفحة 36. بتصرّف.
- ↑ مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية، صفحة 123. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "عمل المصدر واسم المصدر"، www.almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-09-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 114.
- ↑ سورة الحج، آية: 40.
- ↑ سورة الصافات، آية: 102.
- ↑ سورة النور، آية: 2.
- ^ أ ب بدر الدين العيني (1971)، المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية المسمى شرح الشواهد الكبرى، بيروت- لبنان: دار الكتاب العلمية، صفحة 12، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيخ، عن ابن مسعود، الصفحة أو الرقم: 316.