أثر التوبة في دفع البلاء

التوبة

في الحديث حول مقال أثر التوبة في دفع البلاء، لابد من بيان تعريف التوبة وبيان أهميتها في دفع البلاء ورفعه، فلا يعلم سلاح يرفع البلاء مثل التوبة لله والتضرع بين يديه، قال علي -رضي الله عنه-: "ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة" وقال الله -عز وجلّ- {وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ}^[١]، والله -سبحانه وتعالى- يحب التوبة ويحبّ التوّابين كما قال -عزّوجل- {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}^[٢]، والتوبة إسم وهو مصدر تاب، والتوبة التي يحبها الله تعالى هي النصوح، أي الخاصة الصادقة لله تعالى، كما قال الله -سبحانه وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا}^[٣]، وهي في الإصطلاح: الندم في القلب، والإقلاع، والاعتراف بالإستغفار باللّسان ، والعَزْم على ألاَّ يعاود الإنسان بما فعله من الذنوب والمعاصي.^[٤]،^[٥]

أثر التوبة في دفع البلاء

في الحديث عن أثر التوبة في دفع البلاء، فإنّه يتوجب حينئذ بيان ما للتوبة من آثار عظيمة في رفع البلاء و دفعه على الأفراد والمجتمعات والشعوب، فكلّ بلاء ووباء وقع فسببه الحقيقيّ هو: فعل المعاصي وإقتراف الذنوب، فالذنوب حجاب عن الله سبحانه تحجب العبد عن ربه -جل في علاه- بقدر ما إقترف من الذنوب والمعاصي وبقدر عظم الذنب وما يصحبه من فعل القلب وخوفه، فالواجب على المؤمن أن يتيقن أن كل بعد عن الله -تعالى- وكل مصيبة وكل بلاء هو بسبب الذنوب والمعاصي، فإذا تيقن المؤمن من ذلك أوجب عنده خوفًا عظيمًا من فعل ما يغضب الله -تبارك وتعالى-، قال -سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }^[٦] قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- :"لعلّهم يتوبون من المعاصي" فقد ظهر الفساد في مآكل النّاس ومشاربهم وفي برّهم وبحرهم وفي سفرهم وإقامتهم وفي كلّ شؤونهم، فيذيقهم الله -سبحانه وتعالى- بعضاً من قدرته وقوته لعلّهم يتوبون فيرفع الله عنهم ما نزل بهم من البلاء والوباء والمحن. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "مما ينبغي أن يعلم أن المعاصي والذنوب تضر وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الآخرة شر وداء إلا بسبب الذنوب والمعاصي".^[٧]

شروط التوبة النصوح

الحديث حول شروط التوبة النصوح أي: التوبة الصادقة، حديث مهم بالغ في الأهميّة؛ لما للتوبة النصوح من أثر كبير في دفع البلاء ورفعه ، كما أنَّ الحديث عن أثر التوبة في دفع البلاء يستوجب بيان وبسط شروط التوبة النصوح، فشروط التوبة النصوح أربع شروط:^[٨]

• الإخلاص لله -سبحانه وتعالى- في إيقاع التوبة، بأن يتوب العبد لربه مما وقع فيه من الذنوب والمعاصي، خوفاً من الله ورجاء ما عند الله -تبارك وتعالى- فمثلاً لايتوب المؤمن من الذنب لأنه خائف على جسده من الضرر فقط، بل يترك المؤمن الذنوب كلّها لله سبحانه وتعالى، كما قال الله -جل جلاله- {وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }^[٩]، وهذا الشرط هو أهم شروط التوبة النصوح بل يعدّ أصلها ومرجع الشروط التالية راجعة إليه لأنه؛ بقدر إيمان العبد وتعظيمه لربه وإخلاصه، بقدر خلاصه من الذنوب والمعاصي وصدقه في توبته.
• الإقلاع عن الذنب، بأن يقلع العبد عن الذنب فوراً وحالاً، كما جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إياكمْ ومحقراتِ الذنوبِ، فإنَّما مثلُ محقراتِ الذنوبِ كمثلِ قومٍ نزلوا بطنَ وادٍ، فجاءَ ذا بعودٍ، و جاءَ ذا بعودٍ، حتى حملوا ما أنضجُوا به خبزَهم، و إنَّ محقراتِ الذنوبِ متى يؤخذُ بها صاحبُها تهلكُه"^[١٠]
• الندم على ما فات من الذنوب والمعاصي بأن يصاحب العبد الندم على ما فات من اقتراف للذنوب والمعاصي وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: {النَّدمُ تَوبةٌ}^[١١]
• العزم على عدم العودة إليه، بأن يعزم العبد المؤمن على عدم العودة للذنب عزمًا أكيدًا صادقاً من قلبه.
• التحلل من صاحب الحق، أو إعطاؤه حقه، إذا كانت التوبة متعلقة بحقوق العباد في مال أو عرض أو نفس.

وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بالتوبة النصوح ، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}^[١٢] قال الإمام البغوي -رحمه الله- " وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا :قَالَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ وَمُعَاذٌ: "التَّوْبَةُ النَّصُوحُ" أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ .قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ نَادِمًا عَلَى مَا مَضَى؛ مُجْمِعًا عَلَى أَلَّا يَعُودَ فِيهِ .قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَنْ يَسْتَغْفِرَ بِاللِّسَانِ ، وَيَنْدَمَ بِالْقَلْبِ ، وَيُمْسِكَ بِالْبَدَنِ.قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: تَوْبَةً تَنْصَحُونَ بِهَا أَنْفُسَكُمْ.قَالَ الْقُرَظِيُّ: يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ ، وَالْإِقْلَاعُ بِالْأَبْدَانِ ، وَإِضْمَارُ تَرْكِ الْعَوْدِ بِالْجَنَانِ ، وَمُهَاجَرَةُ سَيِّئِ الْإِخْوَانِ."

آثار التوبة

إنّ الحديث عن آثار التوبة و أثر التوبة في دفع البلاء يعدذ من الأهمية بمكان خاصةً عند نزول البلاء، فالتوبة لها آثار حميدة جدًا ، فمن هذه الآثار الحميدة على الأفراد والمجتمعات:^[١٣]

• حصول الفلاح في الدّنيا والآخرة كما قال -سبحانه وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَّ}^[٩]
• أنَّ الله جلّ وعلا من واسع فضله وجزيل عطائه وعظيم رحمته أن يبدِّل سيئات التائبين حسنات، يقول الله -جل وعلا- {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}^[١٤]
• تكفير السِّيئات ورفع الدّرجات وإقالة العثرات ودخول الجنّات يقول الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}^[٣].

المراجع[+]

1. ↑ سورة الأنفال، آية: 33.
2. ↑ سورة البقرة، آية: 222.
3. ^ ^{أ ب} سورة التحريم، آية: 8.
4. ↑ "تعريف و معنى توبة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com.
5. ↑ "تعريف التوبة "، al-maktaba.org، 26-3-2020. بتصرّف.
6. ↑ سورة الروم، آية: 41.
7. ↑ " " من أسباب دفع العقوبات : التوبة من جميع المعاصي ""، kalemtayeb.com، 26-3-2020. بتصرّف.
8. ↑ "شروط التوبة النصوح"، islamqa.info، 26-3-2020. بتصرّف.
9. ^ ^{أ ب} سورة النور، آية: 31.
10. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 2901، حديث صحيح.
11. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3568، حديث صحيح.
12. ↑ سورة التحريم، آية: 8.
13. ↑ "الحث على المبادرة إلى التوبة وذكر آثارها الحميدة"، www.alukah.net، 26-3-2020. بتصرّف.
14. ↑ سورة الفرقان، آية: 68-70.
15. ↑ سورة هود، آية: 52.