الحكمة من فرض الصيام

الصيام
إنّ مفهوم الصّيام في اللغة هو الإمساك عن الشيء، وأمّا في الاصطلاح فهو أن يُمسك المرء عن طعامه وشرابه وما يكون من المفطرات من أوّل طلوع الفجر وحتّى غياب الشمس، أيّ من وقت صلاة الفجر وحتّى صلاة المغرب، ويكون ذلك بقصد التعبّد والتّقرّب لله عزّ وجلّ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}،[١] ويكون الصّوم مأمورًا به أو منهيًّا عنه كما جاء عن الشريعة الإسلاميّة، فأمّا المأمور به فهو صيام شهر رمضان أو ما وجب على المرء من صوم النذر والقضاء والكفّارة، وأمّا ما نُهي عنه من الصّيام فهو صوم أيّام العيدين وهو محرّمٌ بالقطع، وصوم يوم عرفة لمن كان حاجًّا وهو صومٌ مكروه، والمقال يُسلّط الضوء على الحكمة من فرض الصيام.[٢]
الحكمة من فرض الصيام
خصّ الله -عزّ وجلّ- الصّيام بفضائل عظيمةٍ وكبيرة، وإنّ فضل الصوم ومصالحه بيّنةٌ واضحةٌ بالعقل والفطرة السليمين، وكان للمسلمين أن شرعه الله -عزّ وجلّ- لهم من باب رحمته بهم وإحسانه إليهم ليهديهم سواء السبيل، وينجيهم من عذابٍ أليم، وإنّ الحكمة من فرض الصيام:[٢]
- الصّيام من الوسائل التي تحقق التقوى في قلب المؤمن لله عزّ وجلّ.
- الصّيام وسيلة لإشعار المؤمنين بنعم الله -عزّ وجلّ- الكثيرة عليهم.
- الصّيام من الوسائل التي تدفع النفس على شحن الهمم وتقوية الإرادة والصبر والتّحمّل.
- الصّيام وسيلةٌ لدحر وساوس الشياطين.
- الصّيام من الوسائل التي تدفع العباد إلى التراحم فيما بينهم، وتجلب الرّحمة والعطف للمساكين بفضل الله.
- الصّيام وسيلةٌ لتطهير القلب وتطهير الجسد وتمكين القوّة والصّحة.
فضائل الصيام
يعدّ الصّيام مدرسةً كاملةً مبنيّةً على الصبر ومخالفة الشهوات واحترام والتزام النظام الشرعيّ المتّبع بهذه الفريضة، وبعد بيان الحكمة من فرض الصيام لا بدّ من بيان الفضائل العظيمة والمعاني السّامية التي ترافق الصّيام، ومن فضائل الصّيام التي وردت في الكتاب والسّنّة:[٢]
- أن خصّ الله -عزّ وجلّ- الصوم لذاته العظيمة، وقد جاء في الحديث القدسيّ: "يقولُ اللهُ: الصومُ لي، وأنا أَجْزي به، يَدَعُ الطعامَ والشَّرابَ من أجْلي، وشَهوتَهُ لي، والصومُ لي، وأنا أَجْزي به، ولَخُلوفُ فَمِ الصائمِ أطيَبُ عندَ اللهِ من ريحِ المُسكِ".[٣]
- أنّ الصبر على الصّيام يجمع الأنواع الثلاثة للصبر، صبرٌ على الطّاعة وصبرٌ عن المعاصي وصبرٌ على القضاء.
- الصّيام مدعاةٌ للشفاعة يوم القيامة، فهو مدعاةٌ لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا، قال تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.[٤]
- الصّيام حصنٌ للمؤمن من عذاب النّار يوم القيامة، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- في الحديث الحسن عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "الصيامُ جُنَّةٌ وحصنٌ حصينٌ من النارِ".[٥]
- الصّيام والإكثار منه مدعاةٌ للفوز بجنّات النعيم ويبتعد به عن نار جهنّم، عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "الصِّيامُ جُنَّةٌ يَستجِنُّ بها العبدُ من النَّارِ".[٦]
- إنّ خلوف فمّ المؤمن الصّائم عند الله -عزّ وجلّ- أطيب من ريح المسك.
سنن الصيام
الخوض في الحديث عن الحكمة من فرض الصيام وفضائله يدفع إلى الخوض في بعض تفاصيل الصّيام وسننه، فقد خصّ الله تعالى ونبيّه محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم- للصّيام سننًا كثيرة، بعضها من لوازم وخصائص شهر رمضان المبارك، والآخر منها عامٌّ في الصّيام دون تخصيص، وقد أوضحت الشريعة الإسلاميّة هذه السنن من باب الحرص على التزام المسلم بها، وذلك لتحقيق غايات هذه الفريضة المباركة، ولعلّ أبرز هذه السنن:[٧]
- تعجيل الإفطار: حيث من السّنّة أن يستعجل المرء إفطاره عند غروب الشّمس، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "لا يزالُ الدِّينُ ظاهرًا ما عجَّل النَّاسُ الفِطْرَ إنَّ اليهودَ والنَّصارى يؤخِّرونَ".[٨]
- الإفطار بالظنّ: حيث يجوز للمرء أن يفطر في حين غلب عليه الظّنّ أنّ الشمس قد غربت، وذلك على إجماع المذاهب الأربعة، روت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أَفْطَرْنَا علَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ قيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بالقَضَاءِ؟ قالَ: لا بُدَّ مِن قَضَاءٍ وقالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا لا أدْرِي أقَضَوْا أمْ لَا".[٩]
- أذكار الإفطار: حيث إنّه يُسنّ للمرء أن يردّد ما جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الصّحيح: "كانَ إذا أفطرَ قال : ذهب الظمأُ، وابْتلَّت العروقُ و ثَبَتَ الأجرُ إنْ شاءَ اللهُ".[١٠]
- الاشتغال بالطّاعات: حيث يُسنّ للصائم أن يشغل نفسه وقلبه ولسانه بذكر الله وطاعته، وقراءة القرآن والدعاء.
- الابتعاد عن المحرّمات: فكما هي محرّمةٌ على العبد بغير الصّيام فحريٌّ على المرء أن يجتنبها في صيامه، فهي تجرح الصّوم وتنقص أجره، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من لم يدَع قولَ الزُّورِ ، والعملَ بِهِ ، فلَيسَ للَّهِ حاجةٌ أن يدعَ طعامَهُ وشرابَهُ".[١١]
سنة السحور
السحور هو ما يأكله المرء ويشربه في وقت السّحر قبل الفجر، وهو من المستحبّات في السّنّة لمن أراد الصّيام، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "تَسَحَّرُوا فإنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً"،[١٢] تأخير السحور من سنن الصيام، حيث يسنّ للمرء أن يؤخّر سحوره إن لم يفوّت سحوره بطلوع الفجر، عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "أنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قَامُوا إلى الصَّلَاةِ، قُلتُ: كَمْ بيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ أوْ سِتِّينَ، يَعْنِي آيَةً".[١٣][٧]المراجع[+]
- ↑ سورة البقرة، آية: 183.
- ^ أ ب ت "تعريفُ الصَّوم، وأقسامُه، وفضائِلُه، والحِكمةُ من تَشريعِه، وأركانُه، وشُروطُه، وسُنَنُه وآدابُه"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-03-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2975، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 35.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2/107، إسناده حسن.
- ↑ رواه الدمياطي، في المتجر الرابح، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 128، إسناده حسن.
- ^ أ ب "سننُ الصِّيامِ وآدابُه"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-03-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3503، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 1959، حديث صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 6571، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2362، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1923، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 575، حديث صحيح.