مقومات المجتمع الإسلامي

المجتمع الإسلامي

العقيدة الإسلامية الراسخة تؤمّن للمجتمع السعادة والطمأنينة وتسمو به نحو الكمال البشري وتميّزه عن باقي المجتمعات، والسبب في هذا أنّ التشريعات والقوانين الخاصّة بتنظيم المجتمعات الإسلامية مرتبطة ارتباطًا شديدًا بالعقيدة الإسلامية، وتطبيق القوانين المجتمعية الإسلامية التي وردت في القرآن الكريم والسنّة النبوية وسيَر الخلفاء يؤدي إلى ازدهار المجتمع وتطوره ونجاحه في القدرة على توفير الحياة الكريمة والهدوء والأمان لأفراده، وسيّتحدّث هذا المقال عن مقومات المجتمع الإسلامي وعوامل ازدهاره.^[١]

مقومات المجتمع الإسلامي

إنّ مقومات المجتمع الإسلامي مستخلصة من الأوامر الشرعية التي تهدف إلى تعزيز الروابط المجتمعية ومحاربة الجريمة والفساد وغير ذلك من الأسباب ذات الارتباط الوثيق بتكوين مجتمع إسلامي مزدهر، فمن هذه المقومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنكار المجتمع بجميع أفراده للمنكرات بشتّى أشكالها يضعفها ويقلّل من وجودها أمّا السكوت عن المنكر فيعزّز وجوده ويقوّي شوكته،^[٢] كما أنّ لقانون المسلم ليس بمنأى عن الآخرين والحاجة إلى الشورى تتجدد عند اتخاذ كل قرار مصيري على الصعيدين العام والخاص،^[٥] ومن مظاهر وحدة المجتمع الإسلامي وترابطه إقامة صلاة الجماعة فهي إحدى السمات البارزة للمجتمع الإسلامي السليم، وبالإضافة إلى أنّ المبادرة لصلاة الجماعة فيها تنفيذ لأمر الله العزيز، فإنّ صلاة الجماعة تُساعد على لقاء المسلمين ببعضهم البعض وبالتالي تقوّي روابطهم وتعزّز أخوتهم وجميع ذلك له أثر بالغ في قيام المجتمعات الإسلامية قيامًا سليمًا ومثمرًا.^[٦]

كما أنّ الإسلام قد أولى الأسرة عنايةً خاصّة، حيث قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}،^[٧] فالحفاظ على الروابط الأسرية هو أحد الدعائم المهمّة في تأسيس المجتمع الإسلامي،^[٨] ومع كون متانة العلاقات الأسرية سببًا رئيسًا في تنظيم المجتمع فإنّ الولاء في الإسلام هو لله ورسوله وللمؤمنين، فرابطة العقيدة والإيمان فوق كل رابطة وهي إحدى مقومات المجتمع الإسلامي الذي لا يعتد بالروابط القبلية والقومية ويحارب العنصرية والطبقية وجميع الموروثات التي تميّز بين أفراد المجتمع الواحد وفق أسس غير سليمة،^[٩] كما أنّ إقامة الشعائر الإسلامية من زكاةٍ وصيامٍ وغيرهما سبيل للنهوض بالمجتمع وتوطيد أركانه، فالزكاة هي خير مثال على التكافل المجتمعي الذي يقلّل من الفقر والحاجة بين الأفراد دون أن يسلب الأغنياء أموالهم ويحرمهم من حقوقهم في الملكية، ومن فوائدها على المجتمع أيضًا أنّ الفقير لن يشعر بحقد على الغني والبغض له، وكذلك الأمر بالنسبة للصوم الذي يُشعر جميع أفراد المجتمع بالوحدة والتماسك ويؤدي إلى تعزيز العطف في نفوس المسلمين على إخوانهم من الفقراء والمحتاجين، بالإضافة إلى تنمية قوة الإرادة والصبر في النفوس.^[٩]

كما وردت في سورة الإسراء العديد من القواعد المعتبرة في بناء المجتمع الإسلامي، حيث قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا* وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا* وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا* كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}،^[١٠] فكفالة اليتيم ورعايته والحفاظ على ماله والوفاء بالعهد والابتعاد عن الغش والتلاعب بالوزن والتواضع للناس والابتعاد عن الاختيال والمفاخرة من المقومات المهمّة في بناء المجتمعات الناجحة.^[١١]

كيف استطاع النبي بناء المجتمع الإسلامي

بنى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المجتمع في المدينة المنورة، فكان هذا المجتمع مثال عظيم في الأمن والاستقرار وتحقيق العدل والمساواة، ومن المؤكد أنّ كون المجتمع على الصورة التي كان عليها في العهد النبوي له أسباب وعوامل عديدة، ومن هذه الأسباب ما يأتي:^[١٢]

• بناء المسجد: بنى رسول الله المسجد في المدينة في بداية قدومه إليها، ممّا ساعد في إيجاد مرجع يلجأ إليه حين النوازل، وكان المسجد بمثابة مكان يجتمع فيه المسلمون يسأل بعضهم عن بعض، ويعرف بعضهم أحوال بعض، فيُعاد مريضهم، وتُتبع جنازة ميتهم، ويُعان مسكينهم، ويُزوّج أعزبهم، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "لمَّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ أمَرَ ببِنَاءِ المَسْجِدِ، وقالَ: يا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بحَائِطِكُمْ هذا قالوا: لا واللَّهِ لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَّا إلى اللَّهِ".^[١٣]
• المؤاخاة: آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار، وقد قوّى هذا الفعل الروابط الأخوية بين أفراد المجتمع المدني بما لم يُسمع بمثله، فأصبح العجمي أخو العربي، والحرّ أخو المولى، فزالت الفوارق واجتُثت أواصر الجاهلية وحلّت محلّها الروابط الإيمانية النقيّة.
• تشريع الزكاة: شُرعت الزكاة في السنة الثانية للهجرة، فصارت سببًا للمواساة بين الأغنياء للفقراء، ممّا زاد في وحدة المجتمع المدني ولحمته، وقويت أواصر المحبة في الله أكثر من ذي قبل، بل تعدّى الأمر من إيتاء الزكاة إلى صدقة التطوع.

المراجع[+]

1. ↑ "الرابطة بين أفراد المجتمع الإسلامي رابطة الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
2. ↑ "طريقة أهل السنة والجماعة في الإصلاح في المجتمع"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
3. ↑ "شبهات حول تشريع العقوبات الإسلامي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
4. ↑ "حرية الفكر"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
5. ↑ "التيسير في أحاديث التفسير"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
6. ↑ " فوائد في صلاة الجماعة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
7. ↑ سورة الأنفال، آية: 75.
8. ↑ "زهرة التفاسير"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
9. ^ ^{أ ب} "الرابطة بين أفراد المجتمع الإسلامي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
10. ↑ سورة الإسراء، آية: 34-38.
11. ↑ "أصول أخرى لنظام المجتمع الإسلامي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
12. ↑ "النبي صلى الله عليه وسلم وبناء المجتمع الإسلامي"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2020. بتصرّف.
13. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2774، حديث صحيح.