ماهو النقد في العصر الأموي
كان مفهوم النقد وتوجيه النقد في العصر الجاهلي انطباعيًّا شفويًا يركّز على القافية أو انسجام كلمة مع اليت الشعري وعدمها، وبقي على هذه الحال تقريبًا في عصر صدر الإسلام، الذي ركّز في هذه المرحلة على مفهوم الشعر من وجهة نظر إسلامية، وكان يستحسن من الشعر -حسب مفهوم النقد في صدر الإسلام- ما وافق مكارم الأخلاق والتعاليم الإسلامية، ولكن تغيّر بدأ مفهوم النقد بالتغيّر في العصر الأموي، فالنقد في العصر الأموي رغم بقائه في إطار الذوق والسليقة والفطرة وابتعاده عن المنهجية، إلا أنّ نطاقه اتّسع، فما عاد الشعراء وحدهم من ينقدون باقي الشعراء في الأسواق الأدبية، بل أصبح للأمراء والملوك والرؤسات سلطة نقدية، وذوق أدبي خاص في شعر الشعراء، ومن سمات النقد في هذا العصر ما يأتي:
- تعددت نواحي النقد بتعدد الأغراض التي برزت في العصر الأموي، وتعدد البيئات التي برز فيها النقد، فعرفت بيئة الحجاز الغزل وانصبّ النقد عليه، وفي الشام تركّز النقد على المديح، أما العراق فركّز النقد على موضوعات الرثاء والهجاء.
- حددت بعض الضوابط للقصائد من قبل النقّاد ليلتزم الشعراء بها، ومنها: سلامة مطلع القصيدة، وضرورة اختلاف ما يمدح به الملوك عن ما يمدح به الآخرون.
- تناول مفهوم النقد في العصر الأموي بواعث الشعر وأثرها في جودة فن الشاعر وتميّزه عن آخر، فعفة الشاعر جرير أثّرت في رقّة نسيبه، والفجور في حياة الفرزدق جعل نسيبه أبعد عن الرقة من جرير، وعليه عُرف النقد الشعوري، بوصفه مظهرًا نقديًّا جديدًا في العصر الأموي.
- امتاز النقد بشكل عام في هذا العصر بالسهولة والوضوح، كما امتاز بالأصالة الفنية والعمق في فهم النصوص، مقرونا بالذوق والتعليل العلمي.
- ظهرت اتجاهات نقديّة جديدة في هذا العصر، تناولت المعاني والأفكار والتصوير وتصحيح الخيال لدى بعض الشعراء.
هذه السمات ساعدت على تطوّر النقد في العصر العبّاسي، وانتقالة من مرحلة الذوق والانطباع، إلى المرحلة المنهجية القائمة على أسس محددة، خاصة بكل فن أدبي، وفي الشعر خاصة، كالتزام الشعراء بمعايير قصيدة عمود الشعر، وظهور مجموعة من قضايا النقد العربي القديم لم يكن مسبوقًا إليها في العصر الأموي، استجابة لحاجات العصر العباسي.