سؤال وجواب

ما-هو-حد-الغيلة


الحدود في الإسلام

شَرَع الله الحدود وأمرَ بتطبيقها إقامةً للعدل، وعقابًا لمن يرتكب أعمالًا معينة تستوجب إقامة الحدّ عليها؛ وذلك لتكونَ رادعًا قويًا لانتشار هذه الأعمال، كما أن الحدود استيفاءٌ لحق الله، لهذا قُدّرت شرعًا، ومن بين الأعمال التي يُعاقب عليها بإقامة الحد: شرب الخمر والزنا والحرابة (الغيلة) والسرقة وغيرها، ويُشترط لإقامة الحدّ توفّرُ بعض الشروط فيمن سيُقام عليه الحدّ، ومنها: سلامة العقل وصحة البدن، وذُكرت الحدود في عددٍ من آيات القرآن الكريم، منها قوله تعالى: "وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" [١]، وفي هذا المقال سيتم الإجابة عن سؤال: ما هو حد الغيلة.

تعريف الغيلة

الغِيلة في اللغة: مِن غالَ الشيءَ أو اغتاله، أيْ: أخذَه غدرًا من حيث لا يعلم، ويُقال: قتله غيلة، أيْ خَدَعه وأخذَه إلى مكانٍ ما، فإن وصل إليه قتلَه، أمّا قَتلُ الغيلة بتعريف الفقهاء: الخداع والقتل في موضعٍ لا يراه فيه أحد، أي القتل خِفيةً، وقد قال الشيخ أحمد بن أحمد بن عيسى البرنسي الفاسي عن معنى قتل الغيلة: الخداع بالقول والمشي به إلى مكانٍ فيقتله لأخذ ماله، دون وجود ثأرٍ بينهما، وإلّا لا يُحسب غيلة، وقتل الغيلة هو الحِرابة، أي خداع رجل أو صبيّ للدخول إلى مكان وقتله وأخذ ما معه، وفي هذا يقول اللخمي: أخذ مال رجلٍ قهرًا وقَتْلُه حتى لا يطالبه بما أخذ، ويكون الرجل في هذه الحالة مغتالًا، بشرط أن يتم قتله خفيةً، وإلّا لا يُحسب غيلة، أي أن قتل الغيلة هو القتل لأجل المال، أما القاضي علي بن عبد السلام التسولي يقول: الغيلة من أنواع الحرابة، وتعني القتل لأخذ الزوجة أو الابنة أو المال، كما أن خداع شخص ما سواء كان صغيرًا أم كبيرًا وأخذه إلى موضعٍ خالٍ لقتله وأخذ ماله يُعدّ غيلة، أي قتله على غفلة.[٢]، وفي معنى كلمة "غيلة" أيضًا في اللغة: الهَلَكة والخديعة والشر والحقد، وتعني الحقد الباطن، أما في الاصطلاح فتعريفه كما يأتي: [٣]

  • عند الحنفية: "الغِيلة "بالكسر" الاغتيال، يُقال: قتله غيلةً، وهو أن يخدعه فيذهب به الى موضع فإذا صار إليه قتله".
  • عند المالكية: "أن يغتال أحدٌ رجلًا أو صبيًّا فيخدعه حتى يُدخله موضعًا فيأخذ ما معه فهو كالحرابة".
  • عند الشافعية: "قتلوه غيلة، أي حيلة بأن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد".
  • عند الحنابلة: "قتل الغيلة بكسر العين المعجمة، وهو القتل على غرة كالذي يخدع إنسانًا فيدخله بيتًا أو نحوه وغيره فيقتله ويأخذ مال".
  • عند ابن تيمية: "قَتلُ النفوس سرًّا لأخذ المال، مثل الذي يجلس في خان يكريه لأبناء السبيل، فإذا انفرد بقومٍ منهم قتلهم وأخذ أموالهم، أو يدعو إلى منزله من يستأجره لخياطة أو طب أو نحو ذلك، فيقتله ويأخذ ماله".

حد الغيلة

كانت الأحكام في حد الغيلة متفاوتة من حيث نوع العقوبة، إذ إنّ البعض رأى أنه حقٌّ خالصٌ لله تعالى، ولهذا وجبَ إقامة الحدّ حتى لو عفا ورثة المقتول عن القاتل غيلة وأسقطوا الحكم، والبعض رأى أنه حقٌّ للآدمي، ولهذا وجب فيه القصاص، ويسقط في حال عفا الوارث، وكان هذا التفاوت في الأحكام قبل أن يصدر قرار هيئة كبار العلماء في حد الغيلة، وأصدرت الهيئة قرارًا يوجب إقامة الحد،[٤]، فقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق يُعدّ جريمة عظيمة وكبيرة من الكبائر، ويقول الله تعالى في محكم التنزيل: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيمًا" [٥]، والتحريم يَعظُم ويشتد إن كان القتل غيلة، لأن الشخص يثق بصاحبه ويأمن إليه فيخدعه ويأخذه غدرًا ويقتله غيلة، فإن كان الشخص القاتل قد غدر بصاحبه كأن يكون قد قام بتخديره ليقتله طمعًا قي المال، فقد وجبت إقامة الحد عليه، أما حد الغيلة فإن جمهور العلماء اعتبروه من القتل العَمد ويجري فيه حكم القتل العمد، والمالكية اعتبروا أن حد الغيلة لا عفو فيه لا للسلطان ولا لأولياء المقتول؛ لأن فيه إفسادًا، إذ إنّ زعزعة الاستقرار والأمن وقتل النفس نوعٌ من أنواع الحرابة، وبهذا يقول ابن أبي زيد المالكي في حد الغيلة: "قتل الغيلة لا عفوَ فيه، وإن كان المقتولُ كافرًا والقاتلُ مسلمًا"، واستدلّ المالكية على ذلك بما رُوي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأنه لم يرضَ بقَبول عذر الحارث بن سويد لأنّه قل المحذر بن زياد غيلة، وبناءً على هذا فإن حد الغيلة يُنفّذ وهو قتل القاتل، ولا يجوز العفو فيه أبدًا، لأنه حدٌ من حدود الله.[٦]، ويُؤخذ بالمالكية كرأيٍ راجح في إقرار حد الغيلة وتحديده؛ لأن الشافعية والحنابلة والحنفية استدلّوا في تحديد الحدّ بأدلةٍ عامة، أما المالكية ومن وافقهم استدلوا بالأدلة الخاصة التي توضح أن قتل الغيلة حدّه كحد الحرابة، والخاصّ يُقدّم على العام.[٣]

حكم العفو عن القاتل غيلة

كما تقدّم ذكره فإنّ قتل الغيلة لا عفو فيه، وفي شرح رسالة ابن أبي زيد المالكي في قوله: "قتل الغيلة لا عفو فيه"، أي لا عفو فيه لا للأولياء ولا للمقتول ولا للإمام؛ لأن الحق في حد الغيلة لله تعالى، حتى وإن كان القاتل حرًا مسلمًا والمقتول كافرًا، وحتى ولو جاء القاتل تائبًا، وإن حصل وعفا أولياء المقتول عن القاتل، وجب على الإمام قتل القاتل، وذلك دفعًا لشرّه، ولا يجوز العفو عن القاتل غيلة، وفي هذا نُصرة لحق الله تعالى وسنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-،[٧]

الهدف من حد الغيلة

عند التأمُّل في هذا النوع من القتل، يُلاحَظ أن المفسدة فيه تعدّت المفسدة الخاصة كما في القتل العَمد، كما أن المفسدة فيه تعدّت المقتول وأصبحت تمسّ أمْن المجتمع، لأنه حصل عن طريق الخدعة والحيلة، ولهذا فإن أي أحدٍ مُعرّض له، وبذلك يُصبح الناس غير مؤمّنين على أرواحهم، وبما أن أحد مقاصد الشريعة هو حفظ أرواح الناس، فإن تنفيذ الحد في هذا النوع من القتل هو حقٌّ لله تعالى، واستدلّوا على هذا بما ورد في الصحيحين في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "لمَّا قَدِم رهْطٌ من عُرَيْنَة وعُكْلٍ على النبي -صلى الله عليه وسلم- اجْتَوَوُا المدينة، فشكوْا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لو خرجتم إِلى إِبِل الصدقة فَشَربتم مِنْ أَبْوالها وألبانها، ففعلوا، فَلما صحُّوا عَمدُوا إلى الرُّعاة فقتلوهم واستاقوا الإبل وحاربوا الله ورسوله، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آثارهم فأُخِذُوا، فقطع أيديَهم وأرجُلهم وسَمل أعيُنهم وألقاهم في الشمس حتى ماتوا"، يوضوح الحديث الشريف وجوب إقامة الحد وعدم إسقاطه بالعفو، كما لا تُعتبر فيه المكافأة، وثبت في الصحيحين أيضًا: "أن يهوديًا رضّ رأس جارية بين حجرين على أوضاح لها، أي: حلى، فأخذ، فاعترف، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرض رأسه بين حجرين"، وفي هذا الحديث دليلٌ على أن الجاني يُفعل به نفس فعله، وأنّ إقامة هذا الحد لا يُشترط فيه إذن الوليّ؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يدفع القاتل إلى أولياء المرأة التي قتلها.[٣]

المراجع[+]

  1. [النساء: الآية 14]
  2. قتل الغيلة, ، "www.alifta.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 19-7-2018، بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت قتل الغيلة: الاغتيال, ، "www.alukah.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 20-7-2018، بتصرّف.
  4. أَبرز الأَحكام المتفاوتة التي وقعت - أَو محتملة الوقوع - في التطبيق القضائِي السعودي, ، "www.saaid.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 19-7-2018، بتصرّف.
  5. [النساء: الآية 93]
  6. حكم القتل غيلة, ، "www.fatwa.islamweb.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 20-7-2018، بتصرّف.
  7. حكم العفو عن القاتل غيلة, ، "www.fatwa.islamweb.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 20-7-2018، بتصرّف.