كيفية-معرفة-اتجاه-القبلة
محتويات
القبلة
لا يخفى على مسلم أهمية استقبال القبلة في صلاته، سواءً الصغير أو الكبير، كما وأنه أمرٌ معلومٌ من الدِّين بالضرورة، حتى إنّ اليهود والنَّصارى يتجهون في صلاتهم إلى قِبلة[١]، لكن تلك القبلة تختلف باختلاف الدِّين، وربما تكون واحدة في دينَينِ مختلفَينِ لفترة طويلة كانت أو قصيرة، وذلك حسب ما يكون مأمورًا به في الأديان من قِبَل الشَّارِعِ فيها، وقد يكون في الدِّين الواحد أكثر من قِبلة؛ وذلك لِحكمةِ المُشَرِِّع، حيث تكون القبلة الأولى مُستقبَلةً مُدةً من الزمن، ثُمَّ يُنسخ الأمر بالتوجه إليها حاصلٌ نحو القبلة الأخرى، ولا مانع من أن تكون وسائل كيفية معرفة اتجاه القبلة مشتركة في بعض الأديان.[٢]
قبلة بيت المقدس
كان النبي مُحمَّد -صلّى الله عليه وسلّم- في بداية الإسلام يستقبل بَيت المَقدِس في صلاته، واستمر على ذلك ستة أو سبعة عشر شهرًا بعد هجرته المباركة إلى الكعبة المشرفة، حيث جاء ذلك في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث قال: "أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلَُبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} فَمَرَّ رَجُلٌ مِن بَنِي سَلَمَةَ وَهَمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَا إنَّ القِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ القِبْلَةَ"،[٣] فكذلك كان تحويل القبلة وكانت كيفية معرفة اتجاه القبلة الجديد لأولئك المصلين أثناء صلاتهم.[٤]
كيفية معرفة اتجاه القبلة
يعلم الإنسان أنَّ أدواتِه قد تتغيَّر شكلًا أو عددًا أو نوعًا بِتَغيُّرِ الزمان أو المكان، أو تبقى على ما هي عليه، والأدوات لكيفية معرفة اتجاه القبلة متنوعة قديمًا وحديثًا، وفي عصرِنا منها لا يزال كما كان عند أجدادِنا، ومنها ما لم يكن عندهم رحمهم الله، ومن المعلوم لدى الناس أنَّ الوسيلة الجديدة غالبًا ما تأخذ مكان القديمة وتُهَيْمِنُ عليها، مِمَّا جعل بعض الطرق في كيفية معرفة اتجاه القبلة تخفى على البعض، وفيما يأتي بيان بعض تلك الطرق:[٥]
- من خلال الشمس والقمر : وذلك بمشاهدة مكان شروقِهما أو غروبِهما، وعليه يبني في كيفية معرفة اتجاه القبلة، فإن كانت القبلة نحوَ الجنوب، فإنّه يضع جهة الشرق على يساره، ويستقبِل بوجهِه جهة الجنوب، ويختلف موضع جهة الشرق منه بحسب اختلاف جهة القبلة.
- بواسطة النجوم: وذلك لمن يجيد هذه الطريقة، إذ إنَّ هناك نجومًا خاصة؛ كنجم الجَدِي، تفيد ناظرَها في تحديدَ الاتِّجاهات، فيستطيع بتلك الكيفية معرفة اتجاه القبلة.
- من مَحارِيْبِ المساجد: حيث إنّه بذلك قد يتمكن من إيجاد مسجدٍ قريبٍ منه، فيدخله ويرى المِحراب فيه إلى أيّ جهة مُوَجَّه، وعليه يبني في كيفية معرفة اتجاه القبلة.
- باستخدام البوصلة والبرامج والتطبيقات: وكلّ بوصلة يُرفق معها دليل لاستخدامها على النحو الصحيح، وحيث إنّ البرامج المستخدمة في كيفية معرفة اتجاه القبلة تختلف في درجة قوتها، فيُجتهَد في اختيار الأصَحِّ والأدَقِّ منها، وبعضها يختلف في الكيفية. [٦]
- بسؤال أهل المنطقة: فإنه إن تعذر عليه تحديد جهة القبلة من خلال ما سبق من الوسائل، فإنّه يسأل مَن حوله عن اتجاهها.
حكم الصلاة إلى غير القبلة
إنّ استقبال القبلة في الصلاة شرطٌ لصحتها ، فيجب على المصلّي إذا أراد أن يصليَ الفريضة، وهو لا يرى عين الكعبة أن يستقبل جهتها، أمّا إن كان يراها؛ فيجب عليه استقبالُ الكعبة نفسها، لكن في صلاة النافلة في السَّفَر أثناء سَيْره لا يجب عليه استقبالها جِهَةً أوعينًا، إنّما يصلّي أينما توجَّه بِوَسيلة سَفَره، حتى وإن كان عنده علم بكيفية معرفة اتجاه القبلة ، ومن صلّى إلى غير جهة القبلة، فإنّ لذلك أحوال، وإنّ للعلماء أقوال في ذلك: فقد يكون جاهلًا، وجَهلُه عَمَّ كيفية معرفة اتجاه القبلة، أو ناسيًا، فإنّه بذلك يعرف الاتجاه لكنه نَسِيَ وتَوَجَّه لجهةٍ أخرى، أو مُكرَهًا؛ فإنّه بذلك يعلم الجهة الصحيحة، وذاكر لها؛ لكنّه أُجبِرَ على التَّوَجُّه إلى غير جهة القبلة، وقد يكون مُتعمِّدًا؛ كأن يكون شخصًا مُفرِّطًا تَرَكَ استقبال القبلة؛ تهاونًا منه، وأمّا أقوال العلماء في تلك المسألة، فهي على النحو الآتي:[٧]
- المالِكِيَّة: يرَون أنّه إذا اجتهد في تَحرِّي جهة القبلة، ولم يصلِّ نحوها عمدًا؛ فإنّ صلاته تبطل، وإن تَبَيَّن له لاحقًا أنّه صلّى نحو القبلة، فإنّ عليه إعادة صلاته، وإن ترك استقبالها نِسيانًا، ثم ظهر له أنّه كان مستقبل القبلة مصادفة، فذلك قد يدخل في الخلاف حول الناسي إذا أخطأ.
- الحنابِلة: ذكروا أنّ من شروط صِحَّة الصلاة استقبال القبلة، ولا تسقط تلك الشروط عندهم بسبب سَهْوٍ أو جَهلٍ أو عن تعمُّد، إلّا أنّهم استثنوا ما إذا تحول المصلي بوجهه وصدره عن القبلة، وبقيت رجلاه نحوها فصلاته صحيحة، ووافقهم في ذلك المالكية، كارهينه لغير المضطر الذي يرى عين الكعبة؛ لأنه بذلك لم يخرج من بدنه شيء عنها، فإن خرج شيء منه بطلت صلاته.
- الحَنَفِيَّة: فَما ذهبوا إليه هو أنّه إذا تحوَّل المصلي بصدره عن القبلة بغير عذر فسدت صلاته، إلّا أنَّ لديهم تفصيل بشأن من لم يَتَحرَّ جهة القبلة وصلّى، ثم تبيَّن أنّه مصيب لجهة القبلة، وهو لا يزال في صلاته، فيرَون أنّ صلاته باطلة، لكن إن علم بذلك بعد انتهائه من الصلاة، فتصح صلاته.
- الشافعية: لا يسقط شرط استقبال القبلة عندهم جهلًا أو نِسيانًا، ولا عن غفلة أو إكراه، لكن إذا استَدبَرَها نِسيانًا ثم استقبلها بوَقتٍ يَسير، لم تَبطل الصلاة ، ويُسَنُّ له حينها سجودُ السَّهو، أمّا إن حُوِّلَ عنها إكراهًا؛ فإنّ صلاته تَبطل؛ وإن كان التحويل لِمدة يسيرة، حيث إنّ ذلك ممَّا يَندُر حُدوثه، وإن اجتهد في تحديد جهة القبلة وصلّى، وتبيَّن له خَطَؤُه؛ فإنّ صلاته حينئذٍ باطلة.
حالات يجوز فيها عدم استقبال القبلة
مِمَّا يعهَدُه المسلم في حال استقامته على دين الله -تعالى - يُسْر ذلك الدِّين، فقد أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن ذلك بقوله: { يُرِيْدُ الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيْدُ بِكُمُ العُسْرَ}، [٨] وبقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ}،[٩] فلا حرج ولا مَشَقَّة يجدها المسلم في دينه، حيث إنّ السهولة موجودة لا تَنفَكُّ عن الأحكام الشَّرعية، سواء في المسائل الكبار، أو فيما دونها، كما تبيَّن في كيفية معرفة اتجاه القبلة، وفي شأن استقبال القبلة يُسر ذلك، وفيما يأتي بيان ذلك: [١٠]
- حال المَرَض: حيث إنّ ذلك يظهر فيمن لا يقدر على الحركة أثناء مرضه، ولا يستطيع أن يلتفت إليها؛ فإنّه في حاله تلك، لا يجب عليه استقبال القبلة، حيث قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}. [١١]
- حال الخَوف: فلا يجب على الخائف استقبالُ القبلة، بل يصلّي حيثما كان وجهُه، ودليل ذلك قول الله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أوْ رُكْبَانًا فَإذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعَلَمُونَ}.[١٢]
- حال السَّفَر: أيّ أثناء سَيْرِهِ في سَفَرِه، حيث إنّه لا يضر اختلاف وسائل النقل عَمَّا كان في عَهْد النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ كالطَّائرات، والقِطارات ونحو ذلك، لكن ذلك ليس على عُمومِه، حيث يسقط عنه شرط استقبال القبلة فقط في صلاة النفل، فيصلّي حيثما كان مُتَّجِهًا في سَيْرِه .
ما يترتب على معرفة اتجاه القبلة
إنّ الأصل في المسلم أنّه يطلب العلم لا لمجرد العلم فحسب؛ بل للعمل به، فإنّه إن لم يعمل بما علم، كان علمه عليه وَبالًا، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أو عَلَيْكَ"،[١٣] والذي يملك العلم ولا يعمل به؛ كَمَن عنده كنزٌ لا يُنفِق منه شيئًا، فبعد العلم بكيفية معرفة اتجاه القبلة، حَرِيٌَ بالمرء تطبيق ما يترتب على ذلك من مسائل، وفيما يأتي بيان بعضها:[١٤]
- ''عدم التَّفل تجاه القبلة: حيث جاء من حديث حُذَيفة بن اليَمان -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- حيث قال: "مَنْ تَفَلَ تِجَاهَ القِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ تَفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْه'".[١٥][١٦]
- عدم اسقبالِها أو استدبارها بِبَول أو غائط: وذلك وَرَد في حديث أبي أيُّوب الأنصاري رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا أتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلوا القِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوها بِبَوْلٍ وَلَاغَائِطٍ، ولكِنْ شَرِِّقُوا أوْ غَرِّبُوا"،[١٧] والنهي في الحديث لِلتَّحريم.[١٨]
- استقبالها أثناء الدعاء وقراءة القرآن : حيث روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "إنَّ لِكُلِّ شَيءٍ سَيِّدًا، وإنَّ سَيِّدَ المَجالِسِ قُبالَةُ القِبْلَة "، [١٩] ولِمَا رُوِيَ عنه -صلّى الله عليه وسلّم- مِن أنّه كان يستقبل القبلة حال دعائه في أحاديث صحيحة عدّة، فلذا يُستَحب لقارئ القرآن والدَّاعي استقبال القبلة.[٢٠]
المراجع[+]
- ↑ "صلاة من قبلنا هل كانت كصلاتنا؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "خطبة عن تحويل القبلة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 527، صحيح.
- ↑ "كيف استدار الصحابة في صلاتهم عندما بلغهم أن القبلة قد تغيرت ؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد العثيمين ، فهد السليمان ، مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، صفحة 423، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ "حكم تحديد القبلة عن طريق برنامج جوجل إرث"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ " حكم استقبال القبلة في الصّلاة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ سورة الحج، آية: 78.
- ↑ "الحالات التي يسقط فيها شرط استقبال القبلة"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 286.
- ↑ سورة البقرة، آية: 239.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 223، صحيح.
- ↑ "وقفات مع العلم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 6160، صحيح.
- ↑ "البصاق في الطريق.. حكمه.. وآدابه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 264، صحيح.
- ↑ "حكم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4-101، إسناده حسن.
- ↑ "يستحب استقبال القبلة عند الدعاء وقراءة القرآن"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-219. بتصرّف.