كم عدد أولي العزم من الرسل
حقيقة الرسلِ وحاجة العبدِ إليهم
هم رسل الله لعباده ليبلغوا أوامره ويبشرونهم بالجنة والنعيم إن هم أطاعوه، ويحذرونهم العذابَ إن هم خالفوا، فالرسل -إذن- وسائط بين الله وخلقه في أمره ونهيه, والناسُ قد ينساقون وراء شهواتهم ويقعون في الشِّرك، فكان من الحكمة أن يبعث الله فيهم رُسلًا كلما دعتِ الضرورة، وبذا فإن من أعظم رحمات الله بعباده، وأشرف مِننه عليهم، أن أرسل إليهم رسله؛ فلا يعاقَبُ المخالِفُ إلا عن بيّنة، وكان كلُّ رسولٍ يُبعث إلى قومه خاصّة، حتى ختم الله النبوة والرسالة بخاتم الأنبياء وسيّد المرسلين النبي محمدٍ- صلى الله عليه وسلم- فكان للناس كافّة،[١] وسيتناول هذا المقال الحديث عن أولي العزم من الرسل، والفرق بين الرسالة والنبوّة.
كم عددُ أولي العزم من الرسل
إنه وقبل الإجابة عن التساؤل الآتي: كم عدد أولي العزم من الرسل؟ فإنه لا بد من أن نعلم أن المولى -سبحانه- فضّل بعض النبيين على بعض، ولم يجعل لهم مكانةً واحدة، يقول تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}[٢]، وقد أجمعتِ الأمة على أن الرسل أفضل من الأنبياء، والرسل بعد ذلك متفاضلون فيما بينهم كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ }[٣]، وأفضل الرسل والأنبياء خمسةٌ، ولا خلاف يُعلمُ في ذلك وهم: محمدٌ، ونوحٌ، وإبراهيمُ، وموسى، وعيسى -عليهم الصلاة والسلام-، وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل، قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أولي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}[٤].
وقد أتتْ تسميتهم في موضعين من القرآن، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}[٥]، وقال أيضًا: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}[٦]، وقد خصَّ الله -تعالى- مَنْ فَضَّلَه منهم ببعض الأعطيات التي أوجبت تفضيلهم؛ إذ يقول القرطبي -رحمه الله-: "والقول بتفضيل بعضهم على بعضٍ إنما هو بما مُنح من الفضائل، وأُعطي من الوسائل"، فوجه التفضيل في نوحٍ -عليه السلام- أنه أول الرسل إلى أهل الأرض، وسمّاه الباري عبدًا شكورًا، وأما إبراهيم فبأن اتخذه خليلًا: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[٧]، وجعله للناس إمامًا: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[٨]،وفَضَّل موسى بكلامه -سبحانه- له: {قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}[٩]، واصطنعه لنفسه كما قال: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}[١٠]، وصنعه على عينه: {وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي}[١١]، وفضَّل عيسى بأنه رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، وأنه يكلم الناس في المهد.[١٢]
النبيُّ والرسول، والفرق بينهما
النبيُّ لغةً: المُخبِر، اشتُقتْ من النبأ وهو الخبر، فالنبي مُخبِرٌ عنه -سبحانه-، أو أنه مشتقٌ من النَّبْوة وهي: ما ارتفع من الأرض؛ فالنبيّ أشرف الخَلق، وأرفعهم منزلة، أما اصطلاحًا: فهو إنسانٌ حُرٌّ ذَكَر، اختاره الله - تعالى - وخصَّه بتبليغ الوحي عنه، والرسول لغةً: المتابِع لأخبار من أرسله، وأما اصطلاحًا: فهو إنسان حرٌّ ذَكَر، نبَّأه الله -تعالى- بشرعٍ، وأمره بتبليغه إلى قومٍ مخالفين، والفرق بينهما: أنَ الرسول أخصُّ من النبيِّ، فكل رسولٍ نبيّ، وليس كلّ نبيٍ رسولاً؛ فالرسول يؤمر بتبليغ الشرع إلى من خالف دين الله، أو لا يعلم دينه، أما النبي فيُبْعث بالدعوة لشرع من قبله.[١٣]المراجع[+]
- ↑ "كتاب: مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة - فضل الله بإرسال الرسل"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-05-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء ، آية: 55.
- ↑ سورة البقرة، آية: 253.
- ↑ سورة الأحقاف ، آية: 35.
- ↑ سورة الأحزاب ، آية: 7.
- ↑ سورة الشورى، آية: 13.
- ↑ سورة النساء، آية: 125.
- ↑ سورة البقرة، آية: 124.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 144.
- ↑ سورة طه، آية: 41.
- ↑ سورة طه، آية: 39.
- ↑ "مراتب الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 14-05-2019.
- ↑ "حاجة البشر إلى الرسل (عليهم السلام)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-05-2019. بتصرّف.