شعر-عمر-بن-أبي-ربيعة
عمر بن أبي ربيعة
هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، شاعرٌ مخزوميّ قُرشيّ، وُلِد عام 23هـ وتوفّي عام 93هـ، يُعدّ من أشهر الشّعراء الذين اشتُهروا في الغزل، حيث كان يُلقّب بالعاشق ويكنّى بأبي الخطّاب، وهو من أبرز شُعراء الدولة الأمويّة. كان ابن ربيعة وسيمًا، بهيّ الطّلعة وقد نشأ في ظلّ رعاية والدته، فأُتيح لهُ الاختلاط بالعديد من النساء والجواري، فتزوّج من كلْثّم بنت سعد المخزوميّة، وأنجبت منهُ ولدين، وماتت عندهُ فيما بعد، ثُمّ تزوّج من زينب بنت موسى الجُمحيّة، وأنجبت لهُ بِشْرًا، كان ابن ربيعة من الشعراء الذين جدّدوا القصيدة الغزليّة، حيث منحها ترقيق الأوزان التي تصلح للغناء، ومن خلال هذا المقال سيتمّ الاطّلاع على نماذج من أهمّ شعراء العرب، حيث صار شاعر الغزل العاشق من دون مُنازع، وعاش حياته كلّها وهو ينظم الغزل الصريح، وممّا ساعدهُ على ذلك ثراؤه وترفه، فالدُّنيا مُشرقة حولهُ فمن الطبيعيّ أن يُخلّف ديوانًا ضخمًا يكون مُقتصِرًا على شعر الغزل، كما يُعرف أنّه من طبقة جرير والأخطل والفرزدق، ومن اللافت للنظر أنّهُ اتّخذ في علاقاته مع النّساء شخصيّة الشاعر المُغامر العاشق، وصرف جُلّ جُهده في تصوير عواطف وخلجات المرأة، كما أنّه اتّخذ من ناحيةٍ أُخرى صورة الشاعر المُتعفّف بشعره، الذي يهتمّ بنظم الُحبّ وجميع ما يتعلّق فيها من جمالٍ وحُسن، حتى قيل إنّه لم تكن امرأة يتقرب منها إلّا وقعت في شباك حُبّه، ومن خلال ما يلي يُمكن استعراض نماذج من شعر عُمر بن أبي ربيعة:[١]
- من شعر عمر بن أبي ربيعة قصيدة ولقد دخلتُ الحيّ يخشى أهله:[٣]
ولقد دخلتُ الحيّ يخشى أهله،
- بَعْدَ الهُدُوءِ وَبَعْدَما سَقَطَ النَّدَى
فَوَجَدْتُ فيه حُرَّةً قَدْ زُيِّنَتْ
- بالحليِ تحسبهُ بها جمرَ الغضا
لما دخلتُ منحتُ طرفي غيرها
- عَمْدًا مَخَافَة أَنْ يُرَى رَيْعُ الهَوَى
كيما يقول محدثٌ لجليسهِ:
- كذبوا عليها، والذي سمك العلا!
قَالَتْ لأَتْرَابٍ نَواعِمَ حَوْلَها
- بِيضِ الوُجُوهِ خَرَائِدٍ مِثْلِ الدُّمَى:
بِکللَّهِ رَبِّ مُحَمَّدٍ، حَدِّثْنَني
- حقاً أما تعجبنّ من هذا الفتى
الداخلِ البيتَ الشديدَ حجابهُ،
- في غير ميعادٍ، أما يخشى الردى؟
فَأَجَبْتُها إنَّ المُحِبَّ مُعوَّدٌ
- بلقاءِ من يهوى، وإن خافَ العدى
فَنَعِمْتُ بالاً إذْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمُ
- وسقطتُ منها حيثُ جئتُ على هوى
بَيْضاءُ مِثْلُ الشَّمْسِ حِينَ طُلُوعِها
- موسومةٌ بالحسنِ، تعجبُ من رأى
- ومن شعر عمر بن أبي ربيعة كذلك قصيدة قُلْ للَّذِي يَهْوَى تَفَرُّقَ بَيْنِنا:[٤]
قُلْ للَّذِي يَهْوَى تَفَرُّقَ بَيْنِنا
- بِحَبْلِ وِدادي: أَيَّ ذَلِكَ يَفْعَلُ؟
فويلُ أمها أمنيةً، لو تفهمتْ
- معانيها، أو كانتِ اللبِّ تعمل
أَغَيْظي تَمَنَّتْ أَمْ أَرَادَتْ فِرَاقَها
- إلَيَّ، فَلاَ حاشايَ، بَلْ أَنَا أَقْبَلُ
أُؤمِّنُ، فَادْعُ اللَّهَ يَجْمَعُ بَيْنَنا
- بِحَبْلٍ شَدِيدِ العَقْدِ، لا يَتَحَلَّلُ
وَدِدْنَا وَنُعْطى ما يَجُودُ، لَوَ انَّهُ
- لنا رائمٌ، حتى يؤوبَ المنخل
فَلَسْتُ بِناسٍ، ما حَييتُ، مَقَالها
- لنا، ليلةَ البطحاء، والدمعُ يهمل:
لَقَدْ غَنِيَتْ نَفْسي، وأَنْتَ بِهَمِّها،
- فَقَدْ جَعَلَتْ، والحَمْدُ لِلَّهِ، تَذْهَلُ
أَراكَ تُسَوّيني بِمَنْ لَسْتُ مِثْلَهُ
- وللحفظِ أهلٌ، والصبابةِ منزل
وَلَوْ كُنْتَ صَبًَّا بي كَما أَنَا صَبَّة ٌ
- أَطَعْتَ، وَلَكِنّي أَجِدُّ وَتَهْزِلُ
فقلتُ لها قولَ امرىءٍ متحفظٍ،
- تجلد عمدًا، وهو للصلحِ أشكل:
أَبيني لَنَا، إنْ كَانَ هَذا تَجَنُّبًا
- لصرمٍ، فتصريحُ الصريمةِ أجمل
وإنْ كَانَ إنْكَارًا لأَمْرِ كَرِهْتِهِ
- فرابك أني تائبٌ متنصل
وقد علمتْ، إذ باعدتني تجنبًا،
- فدتْ نفسها نفسي على من تعول
هنيئًا لقلبٍ، كنتُ أحسبُ أنهُ،
- إذا شَاءَ سالٍ عَنْكِ، أَوْ مُتَبَدِّلُ
فمتْ كمدًا، يا قلبُ، أو عشْ، فإنما
- رَأَيْتُكَ بِکل جَافي البَخِيلِ مَوَكَّلُ
- ومن أجمل شعر عمر بن أبي ربيعة قصيدة أتوصلُ زينبُ، أمْ تهجر:[٥]
أتوصلُ زينبُ، أمْ تهجرُ،
- وإنْ ظلمتنا، ألا تغفرُ؟
أدلتْ، ولجَّ بها أنها
- تُرِيدُ العِتَابَ وَتَسْتَكْبِرُ
وتعلمُ أنّ لها عندنا
- ذَخَائِرَ مِلْحُبِّ لا تَظْهَرُ
ووداً، ولو نطقَ الكاشحو
- ن فيها وَلَوْ أَكْثَرَ المْكْثِرُ
ولستُ بناسٍ مقالَ الفتاةِ،
- غَداةَ المُحَصَّبِ إذْ جَمَّرُوا
أَلَسْتَ مُلِمًّا بِنَا يَا فَتًى فما
- لك عن وصلنا تدبرُ
فقلت: بلى، أقعدي ناصحًا،
- يُنَفِّضُ عَنّا الَّذي يَنْظُرُ
وآية ُ ذلكَ أن تسمعي نداءَ
- المصلينَ، يا معمرُ!
فأقبلتُ، والناسُ قد هجعوا،
- أطوف عَليهم وما أنظر
إذا كاعِبَانِ وَرَخْصُ کلْبَنَانِ
- أسيلٌ مقلدهُ، أحورُ
فَسَلَّمْتُ خَفْياً فَحَيَّيْنَني
- وقلبيَ، من خشيةٍ، أوجرُ
وقالتْ: طربتَ، وطاوعتَ بي
- مَقَالَ العَدُوِّ وَمَنْ يَزْجُرُ
فقلتُ مقال أخي فطنةٍ،
- سَمِيعٍ بِمَنْطِقِها مُبْصِر:
أَلِلْصَّرْمِ تَطَّلِبينَ الذُّنُوبَ
- ولم أجنِ ذنبًا لكي تغدروا
فإنْ كنتِ حاولتِ صرمَ الحبا
- لِ، فإنّ وصالكِ لا يبتر
فَإنْ كُنْتِ أَدْلَلْتِ كَيْ تَعْتِبي
- فَكَفّي لَكُمْ بِکل رِضَا تُوسِرُ
فقالتْ لها حرةٌ عندها،
- لذيذٌ مقبلها، معصر
دعي عنكِ عذلَ الفتى واسعفي،
- فإنّ الودادَ له أسور
فبتُّ أحكمُ فيما أردتُ،
- تُ حَتَّى بَدَا وَاضِحٌ أَشْقَرُ
تَميلُ عَلَيَّ إذا سُقْتُها
- كَمَا کنْهَالَ مُرْتَكِمُ أَعْفَرُ
يفوحُ القرنفلُ من جيبها،
- وريحُ اليلنجوجِ والعنبر
فَبِتُّ وَلَيْلَي كَلا أَوْ بَلَى
- لديها، وبلْ ليلتي أقصر
وكيفَ اجتنابكَ دار الحبيب،
- كيف عن ذكرهِ تصبر؟
- وممّا يُذكر من شعر عمر بن أبي ربيعة قصيدة ذَكَّرَتْني الدِّيارُ شَوْقاً قَدِيمًَا:[٦]
ذَكَّرَتْني الدِّيارُ شَوْقًا قَدِيمًا
- بَيْنَ خَيْصٍ، وَبَيْنَ أَعْلَى يَسومَا
بالشليلِ الذي أتى عن يميني،
- قَدْ تَعَفَّتْ إلاَّ ثَلاثًا جُثومًا
وقليبًا مسحجًا أوطن العر
- صَةَ، فَرْدًا، أَبَى بِهَا أَنْ يَريما
وَعِرَاصًا تُذْري الرِّياحُ عَلَيْها
- ذا بروقٍ جونًا أجشَّ هزيما
وَدُعَاءَ الحَمَامِ تَدْعُو هَدِيلًا،
- بينَ غصنينِ، هاجَ قلبًا سقيمًا
غردًا، فاستمعتُ للصوتِ، فانهل
- تْ دموعي حتى ظللتُ كظيمًا
عُجْتُ فيهِ، وَقُلْتُ للرَّكْبِ: عوجوا،
- ودموعُ العينين تذرى سجومًا
فثنوا هزةَ المطيِّ، وقالوا:
- كَيْفَ نَرْجُو مِنْ عَرْصَةٍ تَكْليمًا
وَمَقَامًا قُمْنَا بِهِ، نَتَّقي العَيْـ
- نَ، لهونا به، وذقنا النعيما
مِنْ لَدُنْ فَحْمَةِ العِشاءِ إلَى أَنْ
- لاَحَ وَرْدٌ يَسُوقُ جَوْنًا بَهيمًا
وقميرٌ بدا ابنَ خمسٍ وعش
- ـنَ لَهُ قَالَتِ الفَتَاتَانِ: قُوما
ثمّ قالتْ، ودمعها يغسلُ الكح
- ـلَ مِرارًا، يُخَالُ دُرًَّا نَظِيمًا
لا يكوننّ آخرَ العهدِ هذا،
- يا ابنَ عمي، ولا تطيعنْ نمومًا
ثمّ قالت لتربها: إنّ قلبي
- من هواهُ أمسى مصابًا كليمًا
- قصيدة ألا قلْ لهندس: احرجي وتأثمي:[٧]
ألا قلْ لهندس: احرجي وتأثمي،
- وَلا تَقْتُليني، لا يَحلُّ لَكُمْ دَمي
وحلي حبالَ السحرِ عن قلبِ عاشقٍ
- حزينٍ، ولا تستحقبي قتلَ مسلم
فَأَنْتِ، وَبَيْتِ اللَّهِ، هَمِّي وَمُنْيتي
- وكبرُ منانا من فصيحٍ واعجمِ
- فواللهِ، ما أحببتُ حبكِ أيمًا،
- وَلاَ ذَاتَ بَعْلٍ، يا هُنَيْدَة ُ، فَاعْلَمِي
فصدتْ وقالت: كاذبٌ! وتجهمتْ،
- فَنَفْسي فِداءُ المُعْرِضِ المُتَجَهِّمِ
- فقالت، وصدت: ما تزالُ متيمًا،
- صبوبًا بنجدٍ، ذا هوًى متقسم
ولما التقينا بالثنية، أومضتْ،
- مخافةَ عينِ الكاشحِ المتنمم
أشارتْ بطرف العينِ خشيةَ أهلها،
- إشارةَ محزونٍ، ولم تتكلم
فأيقنتُ أنّ الطرفَ قد قال: مرحبًا،
- وَأَهْلًا وَسَهْلًا بِکل حَبِيبِ المُتَيَّمِ
فأبرزتُ طرفي نحوها بتحيةٍ،
- وقلتُ لها قولَ امرىءٍ غيرِ مفحم
وإني لأذري، كلما هاجَ ذكركم،
- دموعًا أَغَصّتْ لَهْجَتي بِتَكَلمِ
وَأَنْقَادُ طَوْعًا لِلَّذي أَنْتِ أَهْلُهُ
- على غلظةٍ منكم لنا، وتجهم
أُلامُ عَلَى حُبِّي، كَأَنِّي سَنَنْتُهُ،
- وَقَدْ سُنَّ هذا الحُبُّ مِنْ قَبْلِ جُرْهُم
وَقَالَتْ: أَطَعْتَ الكَاشِحِينَ، وَمَنْ يُطِعْ
- مَقَالَةَ واشٍ كَاذِبِ القَوْلِ يَنْدَمِ
لَقَدْ مَاتَ سِرّي وَاسْتَقَامَتْ مَوَدَّتي،
- وَلَمْ يَنْشَرِحْ بِك القَوْلِ يا حبَّتي فَمِي
فَإن تَقْتُلي في غَيْرِ ذَنْبٍ، أَقُلْ لَكُمْ
- مَقَالَةَ مَظْلومٍ مَشُوقٍ مُتَيَّمِ
هنيئًا لكم قتلي، وصفوُ مودتي
- فَقَدْ سِيطَ مِنْ لَحْمي هَواكِ، وَمِنْ دَمِي
- قصيدة قلْ للمنازلِ بالكديد تكلمي:[٨]
قلْ للمنازلِ بالكديد: تكلمي
- دَرَسَتْ، وَعَهْدُ جَدِيدِها لَمْ يَقْدُمِ
لَعِبَتْ بِجِدَّتِها الرِّياحُ وَتَارَةً
- تعتادها ديمٌ بأسحمَ مرهمِ
دارَ التي صادتْ فؤادكَ، إذْ بدتْ
- بالخيفِ، لما التفّ أهلُ الموسم
قَالَتْ لآنِسَةٍ رَدَاحٍ عِنْدَهَا
- كَالرِّئْمِ في عَقِدِ الكَثِيبِ الأَيْهَمِ
هذا الذي منحَ الحسانَ فؤادهُ،
- وَشَرِكْنَهُ في مُخِّه وَالأَعْظَمُ؟
قالت: نعمْ، فتنكبي بي، إنه
- ذربُ اللسانِ، إخالهُ لم يسلم
فَبَعَثْتُ جَارِيَتي، فَقُلْتُ لَهَا: اذْهَبي
- فَاشْكِي إلَيْها ما عَلِمْتِ وَسَلِّمي
قولي: يقول: تحوبي في عاشقٍ،
- كَلِفٍ بِكُمْ حَتَّى المَمَاتِ مُتَيَّمِ
فكي رهينتهُ، فإن لم تفعلي،
- فَابْكي عَلَى قَتْلِ کبْنِ عَمِّكِ وَکاسْلَمي
ويقول إنكِ قد علمتِ بأنكمْ
- أصبحتمْ يا بشرُ أوجهَ ذي دم
فتبسمتْ عجبًا، وقالت: حقهُ
- أن لا يعلمنا بما لم نعلم
علمي به، والله يغفرُ ذنبه،
- فيما بدا لي ذو هوى متقسم
طرفٌ ينازعه إلى الأدنى الهوى
- وَيَبُتُّ خُلَّةَ ذي الوِصَالِ الأَقْدَم
وَتَغَاطَسَتْ عَمّا بِنَا، وَلَقَدْ تَرَى
- أن قد تخللتِ الفؤادَ بأسهم
قالت لها: ماذا أردُّ على فتًى،
- أَقْصَدْتِهِ بِعَفَافَة ٍ وَتَكَرُّمِ؟
قَالَتْ أَقُولُ لَهُ بِأَنَّكَ مَازِحٌ
- كَلِفٌ بِكُلِّ مُغَوِّرٍ وَمُتَّهِمِ
قالت لها: بل قد أردتِ بعادهُ،
- لَما عَرَفْتِ بِأَنْ مَلَكْتِ، فَتَمِّمي
- ومن شعر عمر بن أبي ربيعة قصيدة قفْ بالديارِ عفا من أهلها الأثرُ:[٩]
قفْ بالديارِ عفا من أهلها الأثرُ
- عفى معالمها الأرواحُ والمطرُ
بالعرصتينِ فمجرى السيلِ بينهما
- إلى القرينِ، إلى ما دونهُ البسر
تَبْدُو لِعَيْنَيْكَ مِنْهَا كُلَّما نَظَرْتْ
- معاهدَ الحيِّ، دوداةٌ، ومحتضر
وركدٌ حولَ كابٍ قد عكفنَ به
- وَزَيْنَة ٌ ماثِلٌ مِنْهُ وَمُنْعَفِرُ
منازلُ الحيِّ أقوتْ بعد ساكنها
- أمستْ ترودُ بها الغزلانُ والبقر
تَبَدَّلوا بَعْدَهَا دارًا وَغَيَّرَها
- صَرْفُ الزَّمَانِ وَفي تَكْرَارِهِ غِيَرُ
وَقَفْتُ فيها طَويلًا كَيْ أُسَائِلَها
- والدارُ ليس لها علمٌ، ولاحبر
دارُ التي قادني حينٌ لرؤيتها،
- وَقَدْ يَقُودُ إلى الحَيْنِ الفَتَى القَدَرُ
خودٌ تضيءُ ظلاَ البيتِ صورتها
- كما يضيءُ ظلامَ الحندسِ القمر
مَجْدُولَةُ الخَلْقِ لَمْ تُوضَعْ مَنَاكِبُها
- ملءُ العناقِ ألوفٌ جيبها عطر
ممكورةُ الساقِ، مقصومٌ خلاخلها
- فمشبعٌ نشبٌ، منها، ومنكسر
هَيْفاءُ لَفّاءُ مَصْقولٌ عَوَارِضُها
- تكادُ، من ثقلِ الأردافِ، تنبتر
تفترُّ عن واضحِ الأنيابِ، متسقٍ،
- عذبِ المقبلِ، مصقولٍ له أشر
كالمسكِ شيبَ بذوبِ النحلِ يخلطه
- ثَلْجٌ بِصهْبَاءَ مِمّا عَتَّقَتْ جَدَرُ
تِلْكَ الَّتي سَلَبَتْني العَقْلَ وکمْتَنَعَتْ
- والغانياتُ، وإن واصلتنا، غدر
قَدْ كُنْتُ في مَعْزِلٍ عَنْهَا فَقَيَّضَني
- للحينِ، حينَ دعاني للشقا النظر
إني، ومنْ أعملَ الحجاجُ خيفته
- خوصَ المطايا وما حجوا وما اعتمروا
لا أَصْرِفُ الدَّهْرَ وُدّي عَنْكِ أَمْنَحُهُ
- أخرى أواصلها، ما أورقَ الشجر!
أَنْتِ کالمُنَى وَحَديثُ النَّفْسِ خَالِيَةً
- وَفي الجَمِيعِ وأَنْتِ السَّمْعُ وکلبَصَرُ
يا ليتَ من لامنا في الحبِّ مرُ به،
- مما نلاقي، وإنْ لم نحصهِ، العشر
حتى يذوقَ كما ذقنا، فيمنعهُ
- مِمّا يَلَذُّ حَدِيثُ النَّفْسِ والسَّهَرُ
دَسَّتْ إلَيَّ رَسُولًا لا تَكُنْ فَرِقًا
- وکحْذَرْ وُقَيْتَ وأَمْرُ الحَازِمِ الحَذَرُ
إنِّي سَمِعْتُ رِجالًا مِنْ ذَوِي رَحِمِي
- هُمُ العَدُوُّ بِظَهْرِ الغَيْبِ قَدْ نَذَروا
أن يقتلوكَ، وقاكَ القتلَ قادرهُ،
- واللهُ جاركَ مما أجمعَ النفر
السرُّ يكتمهُ الإثنانِ بينهما
- وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الإثْنَيْنِ مُنْتَشِرُ
والمرءُ، إن هو لم يرقبْ بصبوتهِ
- لَمْحَ العُيُونِ بِسُوءِ الظَّنِّ يَشْتَهِرُ
- ومن شعر عمر بن أبي ربيعة قصيدة نُعْمُ الفُؤَادِ مَزارُها مَحْظُورُ:[١٠]
نُعْمُ الفُؤَادِ مَزارُها مَحْظُورُ
- بعدَ الصفاءِ، وبيتها مهجورُ
لجّ البعادُ بها وشطّ بركبها
- نائي المَحَلِّ عَنِ الصَّدِيقِ غَيُورُ
حَذِرٌ قَلِيلُ النَّوْمِ ذو قاذورَةٍ
- فطنٌ، بألبابِ الرجالِ بصير
لَمْ يُنْسِني ما قَدْ لَقِيتُ وَنأْيُها
- عَنِّي وأَشغالٌ عَدَتْ وأُمُورُ
ممشى وليدتها إليّ، وقد دنا
- مِنْ فِرْقَتي يَوْمَ الفِرَاقِ بُكُورُ
وَمَفِيضَ عَبْرَتَها وَمَوْمَى كَفِّها
- وَرِدَاءُ عَصْبٍ بَيْنَنا مَنْشُورُ
أن أرجِ رحلتك الغداة َ إلى غدٍ،
- وثواءُ يومٍ، إنْ ثويتَ، يسير
لَمّا رآني صَاحِبايَ كأَنَّني
- تَبِلٌ بِهَا أَوْ مُوَزَعٌ مَقْمورُ
وتبينا أنّ الثواءَ لبانةٌ
- مني، وحبسهما عليّ كبير
قالا: أنقعدُ أن نروحُ؟ وما تشأ
- نَفْعَلْ وأَنْتَ بِأَنْ تُطَاعَ جَديرُ
إن كنتَ ترجو أن تلاقي حاجةً،
- فَکمْكُثْ فَأَنْتَ عَلَى الثَّواءِ أَمِيرُ
فَأَتَيْتُها وکاللَّيْلُ أَدْهَمُ مُرْسَلٌ
- وَعَلَيْهِ مِنْ سَدَفِ الظَّلامِ سُتُورُ
رحبتُ حين لقيتها، فتبسمتْ
- وَكَذَاكُمُ ما يَفْعَلُ المَحْبُورُ
وَتَضَوَّعَ المِسْكُ الذَّكِيُّ وَعَنْبَرٌ
- من جيبها، قد شابهُ كافور
كنا كمثلِ الخمرِ، كان مزاجها
- بالماءِ لا رنقٌ، ولا تكدير
فَلَئِنْ تَغَيَّرَ مَا عَهِدْتَ وأَصْبَحَتْ
- صدفتْ، فلا بذلٌ، ولا ميسور
لَبِما تُسَاعِفُ بِاللِّقاءِ وَلُبُّها
- فرحٌ بقربِ مزارنا، مسرور
إذْ لا تغيرها الوشاةُ، فودها
- صافٍ نُرَاسِلُ مَرَّةً وَتزُورُ
لا تأمننّ الدهرَ أنثى بعدها،
- إنّي لآمِنِ غَدْرِهِنَّ نَذيرُ
بَعْدَ الَّتي أَعْطَتْكَ مِنْ أَيمانِها
- ما لا يُطِيقُ مِنَ العُهُودِ ثَبِيرُ
فإذا وَذَلِكَ كَانَ ظِلَّ سَحَابَةٍ
- نَفَحَتْ بِهِ في المُعْصِرَاتِ دَبُورُ
- ومن شعر عمر بن أبي ربيعة قصيدة آذَنَتْ هِنْدٌ بِبَيْنٍ مُبْتَكِرْ:[١١]
آذَنَتْ هِنْدٌ بِبَيْنٍ مُبْتَكِر
- وحذرتُ البينَ منها، فاستمرّ
أَرْسَلَتْ هِنْدٌ إلَيْنَا نَاصِحًا
- بَيْنَنَا: إيتِ حَبيبًا قَدْ حَضرَ
فاعلمنْ أنّ محبًا زائرٌ،
- حِينَ تُخْفَى العَيْنُ عَنْهُ والبَصَرْ
قُلْتُ: أَهْلًا بِكُمُ مِنْ زَائِرٍ
- أَوْرَثَ القَلْبَ عَناءً وَذِكَرْ
فتأهبتُ لها، في خفيةٍ،
- حينَ مالَ الليلُ واجتنّ القمر
بينما أنظرها في مجلسٍ،
- إذْ رَمَانِي اللَّيْلُ مِنْها بِسَكَرْ
لَمْ يَرُعْني بَعْدَ أَخْذي هَجْعَة
- غَيْرُ ريحِ المِسْكِ مِنْها والقُطُرْ
قُلْتُ: مَنْ هذا؟ فَقَالَتْ: هكذا
- أَنَا مَنْ جَشَّمْتَهُ طُول السَّهَرْ
ما أَنَا والحُبُّ قَدْ أَبْلَغَني
- كَانَ هَذا بِقَضَاءٍ وَقَدَرْ
لَيْتَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ عُلِّقْتُكُمْ
- كلَّ يومٍ أنا منكمْ في عبر
كلما توعدني، تخلفني،
- ثُمَّ تَأْتي حِينَ تأْتي بِعُذُرْ
سَخِنَتْ عَيْني لَئِنْ عُدْتَ لَهَا
- لتمدنّ بحبلٍ منبتر
عَمْرَكَ کللَّهُ أَما تَرْحَمُني
- أَم لَنا قَلْبُكَ أَقْسَى مِنْ حَجَرْ
قلتُ، لما فرغتْ من قولها
- ودموعي كالجمان المنحدر:
أنتِ، يا قرةَ عيني، فاعلمي،
- عِنْد نَفْسي عِدْلُ سَمْعي وَبَصَرْ
فاتركي عنكِ ملامي، واعذري،
- وکتْرُكي قَوْلَ أَخي الإفْكِ الأَشِرْ
فَأَذَاقَتْني لَذيذًا خِلْتُهُ
- ذَوْبَ نَحْلٍ شِيبَ بالماءِ الخَصِرْ
وَمُدَامِ عُتِّقَتْ في بابِلٍ
- مِثْلِ عَيْنِ الدّيكِ أَوْ خَمْرِ جَدَرْ
فتقضتْ ليلتي في نعمةً،
- مَرَّةً أَلْثَمُها غَيْرَ حَصِرْ
وأُفَرّي مِرْطَها عَنْ مُخْطَفٍ
- ضامرِ الأحشاءِ، فعمِ المؤتزر
فَلَهَوْنَا لَيْلَنا حَتَّى إذا
- طَرَّبَ کلدِّيكُ وَهَاجَ المُدَّكِرْ
حَرَّكَتْني ثُمَّ قَالَتْ جَزَعًا
- ودموعُ العين منها تبتدر:
قمْ صفيَّ النفس، لا تفضحني،
- قَدْ بَدا الصُّبْحُ وَذَا بَرْدُ السَّحَرْ
فَتَوَلَّتْ في ثَلاثٍ خُرَّدٍ
- كَدُمَى الرُّهْبانِ أَوْ عَينِ البَقَر
لستُ أنسى قولها، ما هدهدتْ
- ذَاتَ طَوْقٍ فَوْقَ غُصْنٍ مِنْ عُشَرْ
حينَ صَمَّمْتُ عَلَى ما كَرِهَتْ
- هَكَذَا يَفْعَلُ مَنْ كانَ غَدَرْ
المراجع[+]
- ^ أ ب "عمر بن أبي ربيعة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "عمر بن أبي ربيعة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "ولقد دخلتُ الحيّ يخشى أهله"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020.
- ↑ "قُلْ للَّذِي يَهْوَى تَفَرُّقَ بَيْنِنا"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-1-2020.
- ↑ "أتوصلُ زينبُ، أمْ تهجرُ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020.
- ↑ "ذَكَّرَتْني الدِّيارُ شَوْقاً قَدِيمًَا"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-1-2020.
- ↑ "ألا قلْ لهندس: إحرجي وتأثمي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020.
- ↑ "قلْ للمنازلِ بالكديد: تكلمي"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020.
- ↑ "قفْ بالديارِ عفا من أهلها الأثرُ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020.
- ↑ "نُعْمُ الفُؤَادِ مَزارُها مَحْظُورُ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020.
- ↑ "آذَنَتْ هِنْدٌ بِبَيْنٍ مُبْتَكِرْ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-01-2020.