شعر-عن-الغربة
الغربة
قبلَ ذكر شعر عن الغربة، وعبارات عنها، لا بد من ذكر مفهوم الغربة، فلقد كانت الغربة وما زالت من أكثر الفنون الأدبية تأثيرًا، لما يصاحبها في غالب الأحيان من شعور سلبي كالوحدة والقلق والخمول والشوق، لذا، تفرد عدد من الشعراء والأدباء بترجمة ما عانوه من الغربة ومصاعبها، وهم من شعراء إيليا أبو ماضي، والأديب جبران خليل جبران، وغيرهما، ولقد سمي شعراء ذلك الفن بشعراء المهجر، وأما مفهوم الغربة، فهو: الابتعاد عن أرض الوطن ومسقط الرأس، وعن الأهل والأقارب، والذي غالبًا ما يختلج صاحبه ألم وشوق لأحبابه، وتكون الغربة بشكلين، إما قسريًا بفعل كالعمل والدراسة، وللتكسب وتحسين الوضع المعيشي، وتاليًا يذكر شعر عن الغربة.[١]
عبارات عن الغربة
بعد الحديث عن الغربة، وأهم ما يصاحب المغترب من مشاعر سلبية، مثل الشوق للأحباب والأهل، وقبل ذكر شعر عن الغربة، يتم الآن إفراد المساحة لذكر عبارات عن الغربة، فظروف السفر والاغتراب في هذا الوقت زادت عن سابقها بكثير، وتاليًا تذكر عبارات عن الغربة، ليتم بعدها ذكر شعر عن الغربة:[٢]
- الغربة تحولُ دون ارتباطك بأي شيء، لا بأشخاص، ولا بأماكن، ولا بذكريات؛ لأنك عُرضة للرحيل في أي وقت مُرغَمًا كنتَ أم مُريدًا، سترحل إن طالت غربتك أم قصرت مُخلِّفًا وراءَك تجربتك كاملةً، وحصادك من التأقلم والتكيف وكل ما كلفك ذلك من قوى وصبر ومال لتُعيدَ الكرّة من جديد أيًا كانت وِجهتك، تعلمتُ في إنكارٍ شديد أن ذكريات المغتربين أمثالي ستبقى حبيسة الصور والتِّذكارات التي نحملها معنا أينما ذهبنا إلّا أن الأشخاص والأمكنة ستبقى عابرة.
- كانت الأرحام أوطاننا فاغتربنا عنها بالولادة.
- وطني لو شُغِلْتُ بالخلد عنه، نازعتني إليه في الخلد نفسي.
- يكفي أن يواجه المرء تجربة الاقتلاع الأولى، حتى يصبح مقتلعًا من هنا إلى الأبدية!
- لعلّ الغربة تعطيك كثيرًا حين تكون فردًا، وتأخذ منك أكثر حين تصبح جماعة.
- كمن يرى نفسه لأول مرة في المرآة أن حياتها لا تشبهها وأنها أساءت فهم الغربة زمنا طويلًا.
- كان حتى عندما يجلس على كرسي يبدو جالسًا على حقائبه، لم يكن يومًا مرتاحًا حيث كان، وكأن المدن التي يسكنها محطات ينتظر فيها قطارًا لا يدري متى يأتي.
- أجمل ما في الغربة أنها تجعل من الغرباء أصدقاء، وتجعل من الأصدقاء إخوة!
- أخاف الغربة في الموت أكثر مما أخافها وأنا على ظهر الدنيا!
- كأن الشاعر يكون غريبًا بمقدار ما يكون حرًا!
- أكبر عملية إعادة إنتاج يعيشها المرء تكون في أدق لحظات الوحدة والغربة وأكثرها هدوءًا.
- الاستقرار لا يمحو الغربة!
- أن تدفن في أرض غير أرضك يعني أن تموت مرتين والأرواح لا يسعها ذلك!
- كنتَ قد أصبحتَ معي واحدًا ووصلت إلى درجة الاتحاد، لم أكن أحسّ بالخجل، ولم أكن أحسّ بالغربة، ولم أكن مستوحشًا من إبرازي أسراري.
شعر عن الغربة
بعد ذكر مفهوم الغربة، وعبارت عنها، يتم الآن ذكر شعر عن الغربة، فلقد كان الشعراء كلما اشتد عليهم ألم الفراق بالاغتراب، هربوا إلى الشعر، يسطرون للقارئ كل ما هو مؤثر ومثير للأحزان، ولقد كانت أهم محاور أشعراهم هي الشوق للأهل والأحباب، وتاليًا يذكر شعر عن الغربة.
- وأوله ما قال مصطفى عباس:[٣]
يا طالَما شاهدتُ طيفَكِ في الكَرى
- ورأَيْتُ كلَّ الحُسْنِ فِيكِ تَصَوَّرا
يا طالما شبَّ الغَرامُ بخافِقِي
- والجَفْنَ في عينيَّ حبُّكِ أَسهَرا
يا طالما حَمَّلتُ يا أقصى المُنَى
- ريحَ الصَّبا منِّي السَّلامَ إذا سَرَى
ولَكَمْ بعثتُ معَ النَّسِيمِ قصيدةً
- والنَّفسُ وَلْهَى والفؤادُ تَحَسَّرا
والقَلْبُ منِّي كم يغادرُ أضلُعِي
- ويَهِيمُ وجْداً إنْ رُؤَاكِ تذكَّرا!
ولكَمْ تشبَّثَ في المطايا مُدْنَفاً
- وطلبتُ منه العَوْدَ لكِنْ أَنْكَرا!
وإذا الحُداةُ ترنَّموا بحُدائهمْ
- وحُداؤهمْ من غيرِ خَمْرٍ أَسكَرا
ألفَيْتِنِي أبكي كطِفلٍ كلّما
- رحَلوا إليكِ، ونورُ وجهِكِ أسفَرا
أتجرَّع الحسراتِ، أرتشفُ الأسى
- لله كم سَالتْ دموعي أنْهُرا!
يا طالَما أرجوْ وصالكِ بُرهةً
- واليومَ جئتُ إليكِ يا أمَّ القُرى
- ومن أجمل ما نُظِم من شعر عن الغربة، قول إيليا أبو ماضي:[٣]
وطنَ النجومِ، أنا هُنا
- حدّقْ أتذكُرُ مَن أنا؟
ألمحتَ في الماضيْ البعيدِ
- فتًى غريراً أَرعنَا؟
جذلانَ يَمرحُ في حقولكَ
- كالنّسيمِ مُدندِنَا
أنا ذلكَ الوَلَدُ الّذي
- دُنياهُ كانت ههُنَا!
أنا مِن مِياهكَ قطرةٌ
- كفاضتْ جداولَ مِن سَنا
أنا مِن تُرابكَ ذرّةٌ
- ماجتْ مواكبَ مِن مُنَى
أنا مِن طيوركَ بُلبل
- غنّى بمجدكَ فاغتنَى
حمَلَ الطّلاقة والبشاشةَ
- مِن ربوعكَ للدُّنا
كم عانقتْ روحِيْ رُباكَ
- وصفّقتْ في المُنحنَى!
- ومما قيل من شعر عن الغربة، شعر مصطفى عباس:[٣]
أحنُّ إلى ربوع حماةَ شوقاً
- وأذكرُ ماضياً عذباً جميلا
نواعيرُ المياه بلا فُتورٍ
- تقلِّبُ في حماةَ السَّلسبِيلا
أحنُّ إلى أبي وأخيْ وأمّيْ
- وأذكُرُ يومَ أزمعتُ الرّحِيلا
تقولُ الأمُّ: يا طفليْ سلاماً
- وربُّ الكونِ يَهديكَ السَّبيلا
إذا بَعُدتْ ديارُ الأهلِ عنّي
- غدَا قلبيْ بساحتِهِمْ نَزيلا
- ومن شعر عن الغربة، ما نظمه ابن الأبّار:[٣]
أَبَيْنٌ واشتياقٌ وارتياعُ؟
- لقد حُمِّلتَ ما لا يُستَطاعُ
تملّكني الهوى فأطعتُ قسراً
- ألاَ إنّ الهوى ملِكٌ مطاعُ
وروَّعني الفراقُ على احتمالي
- ومَن ذا بالتفرُّق لا يُراعُ؟
وليس هوى الأحبة غَير عِلقٍ
- لديَّ فلا يُعارُ ولا يُباعُ
فَلِلعبَراتِ بَعدهمُ انحدارٌ
- وللزفَرَات إثرَهُمُ ارتفاعُ
نأَوْا حقاً ولا أدري أيُقضَى
- تلاقٍ؟ أو يُباح لنا اجتماعُ؟
- ومن أجمل ما قيل من شعر عن الغربة، شعر ابن الصباغ العقيلي:[٤]
حديثُ المغاني بَعدهُنَّ شُجُونُ
- وأوْجُه أيامِ التباعُدِ جُونُ
لَحَا اللهُ أيَّامَ الفِراقِ فكمْ شَجَتْ
- وغادرتِ الجَذْلاَن وَهْوَ حَزينُ
وحَيَّا دِيارًا في رُبَى غرناطة
- وإنّيِ بِذَاك القُرْبِ فيه ضَنِينُ
لَيَالِيَ أنفقْتُ الشبابَ مُطاوِعًا
- وعُمْري لدى البيضِ الحِسَانِ ثَمينُ
فأرخَصْتُ فيها مِن شبابي ما غَلَا
- وغُرْمِي على مَالِ العَفَافِ أمينُ
خليليَّ -لا أمْرٌ- بأربُعها قِفا
- فَعِنْدي إلى تلك الرُّبُوع حَنينُ
ألمْ تَرَيَاني كلَّما ذَرَّ شَارقٌ
- تَضَاعَفَ عندي عَبْرةٌ وأَنينُ
- ومما قيل من شعر عن الغربة، شعر ابن زمرك:[٤]
وَلَقدْ أجَدَّ هوايَ رَسْمٌ دارسٌ
- قد كان يخفَى عن خَفِيِّ تَوَهُّمِ
وذكرْتُ عهدًا في حِمَاهُ قد انْقَضَى
- فَأطَلْتُ فِيه تَرَدُّدي وَتَلوُّمِي
وَلَرُبَّما أشجَى فؤادي عِنْدَهُ
- وَرْقَاءُ تَنفُثُ شَجْوَها بِتَرنُّمِ
لا أَجْدَبَ اللهُ الطلولَ فطَالما
- أَشْجَى الفَصِيحَ بها بُكاءُ الأَعْجَمِ
يا زَاجِرَ الأظْعان يَحْفِزُها السُّرَى
- قِفْ بي عَلَيْها وَقْفَةَ الْمُتَلَوِّمِ
لِتَرَى دُمُوعَ العاشقينَ بِرَسْمها
- حُمْرًا كَحَاشِية الرِّدَاءِ المُعْلَمِ
دِمَنٌ عَهِدْتُ بها الشَّبِيبةَ والهَوَى
- سُقْيا لَها ولِعَهْدِها المتقَدِّمِ
- ومن أجمل ما قيل من شعر عن الغربة، شعر ابن زريق البغدادي:[٥]
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
- قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ
- مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
- مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
- فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ المَهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ
- مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ
- رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ
- مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً
- وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه
- للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ
- رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُو
- لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى
- مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت
- بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالمَهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُهُ
- إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه
- إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً
- بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي
- صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً
- وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ
- عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ
- بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ
- وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا
- شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ
- كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ
- الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ
- لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفقُها
- بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ
- بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا
- لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي
- بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ
- عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً
- فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست
- آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا
- أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ
- وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ
- كَما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا
- جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُنِي
- بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبٌ فرجًا
- فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا
- جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ
- فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يصنَعُهُ
- ومن أجمل ما قيل من شعر عن الغربة، شعر ابن خفاجة:[٤]
أَلَا عَرَّسَ الإخوانُ في ساحة البِلَى
- وما رَفَعُوا غَيْر القُبُورِ قِبَابا
فدمْعٌ كمّا سحَّ الغمامُ ولَوْعةٌ
- كما ضَرَّمتْ ريحُ الشمال شِهَابا
إذا اسْتَوْقَفَتْني في الديار عشيةً
- تلذذتُ فيها جِيئةً وذهابا
أَكُرُّ بِطرْفي في مَعَاهدِ فِتْيةٍ
- ثَكِلْتُهُمُ بِيضَ الوُجُوهِ شَبَابا
فَطال وُقُوفي بين وَجْدٍ وزَفْرةٍ
- أُنَادي رُسُومًا لا تُحيُر جَوَابا
وأمحو جميلَ الصَّبْرِ طورًا بِعَبْرَةٍ
- أَخُطُّ بها، في صفحتيَّ، كِتابا
وَقَدْ دَرَستْ أجْسَامُهم ودِيَارُهُم
- فَلَمْ أرَ إلَّا أَقْبُرا وَيَبابا
- ومن شعر عن الغربة، قول أبي تمام:[٦]
سَعِدَت غَربَةُ النَوى بِسُعادِ
- فَهيَ طَوعُ الإِتهامِ وَالإِنجادِ
فارَقَتنا وَلِلمَدامِعِ أَنوا
- ءٌ سَوارٍ عَلى الخُدودِ غَوادِ
كُلَّ يَومٍ يَسفَحنَ دَمعاً طَريفاً
- يَمتَري مُزنَهُ بِشَوقٍ تَلادِ
واقِعاً بِالخُدودِ وَالحِرُّ مِنهُ
- واقِعٌ بِالقُلوبِ وَالأَكبادِ
وَعَلى العيسِ خُرَّدٌ يَتَبَسَّم
- نَ عَنِ الأَشنَبِ الشَتيتِ البُرادِ
كانَ شَوكَ السَيالِ حُسناً فَأَمسى
- دونَهُ لِلفِراقِ شَوكُ القَتادِ
شابَ رَأسي وَما رَأَيتُ مَشيبَ ال
- رَأسِ إِلّا مِن فَضلِ شَيبِ الفُؤادِ
وَكَذاكَ القُلوبُ في كُلِّ بُؤسٍ
- وَنَعيمٍ طَلائِعُ الأَجسادِ
طالَ إِنكارِيَ البَياضَ وَإِن عُم
- مِرتُ حيناً أَنكَرتُ لَونَ السَوادِ
نالَ رَأسي مِن ثُغرَةِ الهَمِّ ما لَم
- يَستَنِلهُ مِن ثُغرَةِ الميلادِ
زارَني شَخصُهُ بِطَلعَةِ ضَيمٍ
- عَمَّرَت مَجلِسي مِنَ العُوّادِ
يا أَبا عَبدَ اللَهِ أَورَيتَ زَنداً
- في يَدي كانَ دائِمَ الإِصلادِ
أَنتَ جُبتَ الظَلامَ عَن سُبُلِ الآ
- مالِ إِذ ضَلَّ كُلُّ هادٍ وَحادِ
فَكَأَنَّ المُغِذَّ فيها مُقيمٌ
- وَكَأَنَّ الساري عَلَيهِنَّ غادِ
وَضِياءُ الآمالِ أَفسَحُ في الطَر
- فِ وَفي القَلبِ مِن ضِياءِ البِلادِ
كانَ في الأَجفَلى وَفي النَقَرى عُر
- فُكَ نَضرَ العُمومِ نَضرَ الوِحادِ
وَمِنَ الحَظِّ في العُلى خُضرَةُ المَعرو
- فِ في الجَمعِ مِنهُ وَالإِفرادِ
كُنتُ عَن غَرسِهِ بَعيداً فَأَدنَت
- ني إِلَيهِ يَداكَ عِندَ الجِدادِ
ساعَةً لَو تَشاءُ بِالنِصفِ فيها
- لَمَنَعتَ البِطاءَ خَصلَ الجِيادِ
لَزِموا مَركَزَ النَدى وَذَراهُ
- وَعَدَتنا عَن مِثلِ ذاكَ العَوادي
غَيرَ أَنَّ الرُبى إِلى سُبُلِ الأَنوا
- ءِ أَدنى وَالحَظُّ حَظُّ الوِهادِ
بَعدَما أَصلَتَ الوُشاةُ سُيوفاً
- قَطَعَت فِيَّ وَهيَ غَيرُ حِدادِ
مِن أَحاديثَ حينَ دَوَّختَها بِالرَأ
- يِ كانَت ضَعيفَةَ الإِسنادِ
فَنَفى عَنكَ زُخرُفَ القَولِ سَمعٌ
- لَم يَكُن فُرصَةً لِغَيرِ السَدادِ
ضَرَبَ الحِلمُ وَالوَقارُ عَلَيهِ
- دونَ عورِ الكَلامِ بِالأَسدادِ
وَحَوانٍ أَبَت عَلَيها المَعالي
- أَن تُسَمّى مَطِيَّةَ الأَحقادِ
وَلَعَمري أَن لَو أَصَختُ لِأَقدَم
- تُ لِحَتفي ضَغينَةَ الحُسّادِ
حَمَلَ العِبءَ كاهِلٌ لَكَ أَمسى
- لِخُطوبِ الزَمانِ بِالمِرصادِ
عاتِقٌ مُعتَقٌ مِنَ الهونِ إِلّا
- مِن مُقاساةِ مَغرَمٍ أَو نِجادِ
لِلحَمالاتِ وَالحَمائِلِ فيهِ
- كَلُحوبِ المَوارِدِ الأَعدادِ
مُلِّئَتكَ الأَحسابُ أَيُّ حَياءٍ
- وَحَيا أَزمَةٍ وَحَيَّةِ وادِ
لَو تَراخَت يَداكَ عَنها فُواقاً
- أَكَلَتها الأَيّامُ أَكلَ الجَرادِ
أَنتَ ناضَلتَ دونَها بِعَطايا
- رائِحاتٍ عَلى العُفاةِ غَوادي
فَإِذا هُلهِلَ النَوالُ أَتَتنا
- ذاتَ نَيرَينِ مُطبِقاتُ الأَيادي
كُلُّ شَيءٍ غَثٌّ إِذا عادَ وَال
- مَعروفُ غَثٌّ ما كانَ غَيرَ مُعادِ
كادَتِ المَكرُماتُ تَنهَدُّ لَولا
- أَنَّها أُيِّدَت بِخَيرِ أَيادِ
عِندَهُم فُرجَةُ اللَهيفِ وَتَص
- ديقُ ظُنونِ الزُوّارِ وَالرُوّادِ
بِأَحاظي الجُدودِ لا بَل بِوَش
- كِ الجِدِّ لا بَل بِسُؤدَدِ الأَجدادِ
وَكَأَنَّ الأَعناقَ يَومَ الوَغى أَو
- لى بِأَسيافِهِم مِنَ الأَغمادِ
فَإِذا ضَلَّتِ السُيوفُ غَداةَ الرَو
- عِ كانَت هَوادِياً لِلهَوادي
قَد بَثَثتُم غَرسَ المَوَدَّةِ وَالشَح
- ناءِ في قَلبِ كُلِّ قارٍ وَبادِ
أَبغَضوا عِزَّكُم وَوَدّوا نِداكُم
- فَقَرَوكُم مِن بِغضَةٍ وَوِدادِ
لا عَدَمتُم غَريبَ مَجدٍ رَبَقتُم
- في عُراهُ نَوافِرَ الأَضدادِ
- ومما قيل من شعر عن الغربة، شعر محمود سامي البارودي:[٧]
ذَهَبَ الصِّبَا وَتَوَلَّتِ الأَيَّامُ
- فَعَلَى الصِّبَا وَعَلَى الزَّمَانِ سَلامُ
تَاللَّهِ أَنْسَى مَا حَيِيتُ عُهُودَهُ
- وَلِكُلِّ عَهْدٍ فِي الْكِرَام ذِمَامُ
إِذ نَحْنُ فِي عَيْشٍ تَرِفُّ ظِلالُهُ
- وَلَنَا بِمُعْتَرِك الْهَوَى آثَامُ
تَجْرِي عَلَيْنَا الْكَأْسُ بَيْنَ مَجَالِسٍ
- فِيهَا السَّلامُ تَعَانُقٌ وَلِزَامُ
فِي فِتْيَةٍ فَاضَ النَّعِيمُ عَلَيْهِمُ
- وَنَمَاهُمُ التَّبْجِيلُ وَالإِعْظَامُ
ذَهَبَتْ بِهِمْ شِيَمُ الْمُلُوكِ فَلَيْسَ فِي
- تَلْعَابِهِمْ هَذْرٌ وَلا إِبْرَامُ
لا يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ آدَابِ الْهَوَى
- سُمحُ النُّفُوسِ عَلَى الْبَلاءِ كِرَامُ
مِنْ كُلِّ أَبْلَجَ يُسْتَضَاءُ بِنُورِهِ
- كَالْبَدْرِ حَلَّى صَفْحَتَيْهِ غَمَامُ
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لا يَسُوءُ جَلِيسَهُ
- بَيْنَ الْمَقَامَةِ وَاضِحٌ بَسَّامُ
مُتَوَاضِعٌ لِلْقَوْمِ تَحْسَبُ أَنَّهُ
- مَوْلىً لَهُمْ فِي الدَّارِ وَهْوَ هُمَامُ
تَرْنُو الْعُيُونُ إِلَيْهِ فِي أَفْعَالِهِ
- وَتَسِيرُ تَحْتَ لِوَائِهِ الأَقْوَامُ
فَإِذَا تَكَلَّمَ فَالرُّؤُوسُ خَوَاضِعٌ
- وَإِذَا تَنَاهَضَ فَالصُّفُوفُ قِيَامُ
نَلْهُو وَنَلْعَبُ بَيْنَ خُضْرِ حَدَائِقٍ
- لَيْسَتْ بِغَيْرِ خُيُولِنَا تُسْتَامُ
حَتَّى انْتَبَهْنَا بَعْدَ مَا ذَهَبَ الصِّبَا
- إِنَّ اللَّذَاذَةَ وَالصِّبَا أَحْلامُ
لا تَحْسَبَنَّ الْعَيْشَ دَامَ لِمُتْرَفٍ
- هَيْهَاتَ لَيْسَ عَلَى الزَّمَانِ دَوَامُ
تَأْتِي الشُّهُورُ وَتَنْتَهِي سَاعَاتُهَا
- لَمْعَ السَّرَابِ وَتَنْقَضِي الأَعْوَامُ
وَالنَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَارِدٌ
- أَوْ صَادِرٌ تَجْرِي بِهِ الأَيَّامُ
لا طَائِرٌ يَنْجُو وَلا ذُو مِخْلَبٍ
- يَبْقَى وَعَاقِبَةُ الْحَيَاة حِمَامُ
فَادْرَأْ هُمُومَ النَّفْسِ عَنْكَ إِذَا اعْتَرَتْ
- بِالْكَأْسِ فَهْيَ عَلَى الْهُمُومِ حُسَامُ
فَالْعَيْشُ لَيْسَ يَدُومُ فِي أَلْوَانِهِ
- إِلَّا إِذَا دَارَتْ عَلَيْهِ الْجَامُ
مِنْ خَمْرَةٍ تَذَرُ الْكَبِيرَ إِذَا انْتَشَى
- بَعْدَ اشْتِعَالِ الشَّيْبِ وَهْوَ غُلامُ
لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا فَغَادَرَ جِسْمَهَا
- شَبَحَاً تَهَافَتُ دُونَهُ الأَوْهَامُ
حَمْرَاءُ دَارَ بِهَا الْحَبَابُ فَصَوَّرَتْ
- فَلَكاً تَحُفُّ سَمَاءَهُ الأَجْرَامُ
لا تَسْتَقِيمُ الْعَيْنُ فِي لَمَعَانِهَا
- وَتَزِلُّ عِنْدَ لِقَائِهَا الأَقْدَامُ
تَعْشُو الرِّكَابُ فِإِنْ تَبَلَّجَ كَأْسُهَا
- سَارُوا وَإِنْ زَالَ الضِّيَاءُ أَقَامُوا
حُبِسَتْ بِأَكْلَفَ لَمْ يَصِلْ لِفِنَائِهِ
- نُورٌ وَلَمْ يَسْرَحْ عَلَيْهِ ظَلامُ
حَتَّى إِذَا اصْطَفَقَتْ وَطَارَ فِدَامُهَا
- وَثَبَتْ فَلَمْ تَثْبُتْ لَهَا الأَجْسَامُ
وَقَدَتْ حِمَيَّتُهَا فَلَوْلا مَزْجُهَا
- بِالْمَاءِ بَعْدَ الْمَاءِ شَبَّ ضِرَامُ
تَسِمُ الْعُيُونَ بِنُورِهَا لَكِنَّهَا
- بَرْدٌ عَلَى شُرَّابِهَا وَسَلامُ
فَاصْقُلْ بِهَا صَدْأَ الْهُمُومِ وَلا تَكُنْ
- غِرّاً تَطِيشُ بِلُبِّهِ الآلامُ
وَاعْلَمُ بِأَنَّ الْمَرْءَ لَيْسَ بِخَالِدٍ
- وَالدَّهْرُ فِيهِ صِحَّةٌ وَسَقَامُ
يَهْوَى الْفَتَى طُولَ الْحَيَاةِ وَإِنَّهَا
- دَاءٌ لَهُ لَوْ يَسْتَبِينُ عُقَامُ
فَاطْمَحْ بِطَرْفِكَ هَلْ تَرَى مِنْ أُمَّةٍ
- خَلَدَتْ وَهَلْ لاِبْنِ السَّبِيلِ مُقَامُ
هَذِي الْمَدَائِنُ قَدْ خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا
- بَعْدَ النِّظَامِ وَهَذِهِ الأَهْرَامُ
لا شَيءَ يَخْلُدُ غَيْرَ أَنَّ خَدِيعَةً
- فِي الدَّهْرِ تَنْكُلُ دُونَهَا الأَحْلامُ
وَلَقَدْ تَبَيَّنْتُ الأُمُورَ بِغَيْرِهَا
- وَأَتَى عَلَيَّ النَّقْضُ وَالإِبْرَامُ
فَإِذَا السُّكُونُ تَحَرُّكٌ وَإِذَا الْخُمُو
- دُ تَلَهُّبٌ وَإِذَا السُّكُوتُ كَلامُ
وَإِذَا الْحَيَاةُ وَلا حَيَاةَ مَنِيَّةٌ
- تَحْيَا بِهَا الأَجْسَادُ وَهْيَ رِمَامُ
هَذَا يَحُلُّ وَذَاكَ يَرْحَلُ كَارِهَاً
- عَنْهُ فَصُلْحٌ تَارَةً وَخِصَامُ
فَالنُّورُ لَوْ بَيَّنْتَ أَمْرَكَ ظُلْمَةٌ
- وَالْبَدْءُ لَوْ فَكَّرْتَ فِيهِ خِتَامُ
المراجع[+]
- ↑ "غربة"، www.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "الغربة"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "أشواق الغربة وبكاء الديار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020.
- ^ أ ب ت "من شعر الغربة عن الوطن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "لا تعذليه فإن العذل يولعه "، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020.
- ↑ "سعدت غربة النوى بسعاد"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020.
- ↑ "ذهب الصبا وتولت الأيام"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020.