رسالة-اعتذار
رسالة اعتذار
لا أعلم هل تغيرت الأيام أم أننا نحن الذين تغيرنا مع مرور الوقت، كنا لا نفترق عن بعضنا، نجلس في مكان واحد، ونأكل من طعام واحد، وندرس في قاعة واحدة، ونعود من الجامعة في باص واحد، نضحك معًا، ونحزن معًا، ونمشي معًا، لكن الزمان كفيل بتغير كل شيء، وبعد هذه الأيام الطوال تذكرتك لأرسل لك رسالة الاعتذار هذه محاولاً إعادة ما فات، وإن كان كل ما يفوت يموت، وإن كانت الأيام التي غادرت الإنسان لا تعود إليه أبدًا، لكن ما يعلق في الذاكرة يأبى النسيان، وما يسكن في القلب لا يغادره مطلقًا، والأرواح الطيبة قادرة على إعادة الحياة إلى كل شيء.
بعد أن انقضت سنوات دراسة الجامعة انهمكتُ في العمل، وسار كل شيء على نحو غير متوقع، فالحياة المهنية لا تشبه الدراسة الجامعة أبدًا، حيث تبدأ المسؤولية المهنية تلقي بظلالها على شخصية الإنسان فيتغير، ويبدأ في مجاراة زملاء العمل، فضلاً عن الحاجة إلى اكتساب الخبرة العملية اللازمة التي تساعده في حل المعضلات ضمن بيئة العمل التي تتسم بالاضطراب والتقلب، ومع صخب الحياة وتسارع أحداثها لم أجد وقتًا كافيًا لكي نبقى على تواصل كما تعاهدنا، ويضاف إلى ذلك أنني التحقتُ بالعديد من الدورات التي هدفتُ من خلال الانتساب لها إلى زيادة حصيلتي المعرفية، وإكسابي خبرة عملية حقيقة تؤهلني للعمل بكفاءة أكبر ضمن المكان الذي أعمل فيه حاليًا.
ورغم سؤالك المستمر عني وتفقدك لي أكثر من مرة إلا أن كثرة المناسبات الاجتماعية، وتراكم المسؤوليات العائلية أفقدت الوقت قيمته، وهوت بي الدنيا بعيدًا عنك، ولم يفسح لي المجال كي نتواصل كما ينبغي، لكن كل شيء في هذه الحياة قابل للإصلاح، وستعود المياه إلى مجاريها بيني وبينك رغم هذا الشقاق بيننا، راجيًا أن تكون الأسباب التي ذكرتها لك سببًا في إعادة رسم الطريق من جديد بيننا، رغم بعد المسافة التي تفصل بيننا بعد سفرك الذي علمت عنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
أرجو أن تخبرني بموعد عودتك من سفرك، سأكون بانتظارك على أحر من الجمر، وأتمنى أن لا يتأخر هذا الموعد كثيرًا، مع أنني أتمنى لك التوفيق في سفرك، وأتمنى أن تمكث في الخارج أكبر قدر ممكن من الوقت لأن في ذلك مصلحتك المهنية، والمادية، وسأظل على توصل دائم معك عبر وسائل الاتصال بالإنترنت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حين عودتك من سفرك سالمًا، وسأظل ذاكرًا لك بكل الخير، وداعيًا لك أن يحفظك الله بحفظه، وأن تكون بأفضل حال في الحل والترحال، وعند عودتك ستجد قلبًا متلهفًا محبًا شغوفًا إلى لقائك، والحديث إليك، والنظر في عينيك.