سؤال وجواب

نبذة-عن-الشاعر-أبي-العتاهية


الشعراء العباسيون

بلغَ الشعر في العصر العباسي مستوياتٍ رفيعة كانت أرفع من التي وُجدت في العصور التي سبقته في العصر الأموي وصدر الإسلام والجاهلي، فقد تطوَّر الشعر العربي في ذلك العصر تطوَّرًا كبيرًا وذلك بسبب دعم الخلفاء والأمراء له، وبسبب تحسُّن أحوال المعيشة في بلاد المسلمين، فتطوَّر الشعر في مادته وعلومه على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي وظهور علم العروض، وبرزَ فيه شعراء كبار كانوا أبلغ وأفصح شعراء اللغة العربية وما تزال أشعارهم تدوي في الآفاق حتى الآن، ومن أهم الشعراء العباسيون: ابن برد، أبو نواس، البوصيري، صفي الدين الحلي، أبو تمام، المعري وغيرهم، وهذا المقال سيتحدث عن الشاعر العباسي الشهير أبو العتاهية.[١]

الشاعر أبو العتاهية

هو الشاعر العباسي أبو إسحاق قاسم بن سويد العيني، الشهير بأبي العتاهية ، ولدَ أبو العتاهية في عام 748م في عين التمر إحدى قرى الكوفة، ثمَّ انتقل إلى الكوفة وعاش فيها، ولقِّبَ بأبي العتاهية لأنَّه جنَّ أي تعتَّه بجارية المهدي وحبِس بسبب ذلك، أصله من المسيحين الذين كانوا يقيمون في عين التمر، عاش حياة لهو معاشرًا أصحاب الخلاعة، عمل في صناعة الفخار، أجاد الشعر وكان من طبقة الشعراء الكبار مثل أبي نواس المأمون في عام 828م.[٢]

خصائص شعر أبي العتاهية

يتميَّز شعر أبو العتاهية بانتهاجه نمطين من الشعر العربي كان أكثر شعره فيهما: الزهد والغزل، وقد كتبَ في أغراض الشعر العربي جميعها من مدح وهجاء ورثاء وعتاب، لكنَّ أشعاره فيها كانت مجرد محطات في مناسبات خاصة، يتصفُ شعره بأنه يعطي صورة صادقة عن تطور الحياة في مراحلها العقلية والوجدانية، إضافةً إلى ما يلحق بذلك من نمو في العاطفة واكتساب التجربة وتعقد الرغبات وتشابك العلاقات، فكان أساس شعر الوعظ الذي برع فيه هي أشعار كان قد كتبها لنائحة قد عشقها في صباه، وعندما عشقَ جارية المهدي تغزَّل بها، فتدفق شعره الغزلي العفيف، الذي يُظهر صدق معاناته وعاطفته المشبوبة، وأمَّا من الناحية الفنية فقد تميزت أشعاره بالليونة التي عدَّها البعض ضعفًا أحيانًا، فيقول ابن المعتز عنه: "وغزله ليِّن جدًا، مشاكل لكلام النساء، موافق لطباعهن"، فيميل أسلوبه إلى البساطة والسطحية بعيدًا عن التعقيد وغريب الألفاظ، لكنَّ أشهر أشعاره هي ما تناول فيها التزهيد الوعظ، فقد لقي هذا النمط قبولًا كبيرًا بين جميع أصناف الناس، وغالبًا ما تحدث فيه عن حقائق الحياة والدين ثمَّ عن الموت بصورة مرعبة مخيفة.[٢]

أبو العتاهية وهارون الرشيد

اتَّصل أبو العتاهية بالعديد من الخلفاء العباسيين، فعندما رحلَ إلى بغداد كان الخليفة المهدي على رأس الخلافة، ولم يكن قد سمع به من قبل، فدخلَ أبو العتاهية إلى قصر الخلافة لمقابلة المهدي عن طريق صديق له دعاه إلى ذلك المجلس، وبعد أن استمع المهدي إلى شعره أعجب به كثيرًا ونال رضاه، وقد تابع أبو العتاهية اتصاله بالخلفاء العباسيين وخصوصًا هارون الرشيد، فقد دخلَ عليه بعد أن مدحَ الناس قصره، فقال له هارون الرشيد: وأنت ماذا تقول يا أبا العتاهية؟، فقال له:[٣]

عش ما بدا لك سالمًا

في ظل شاهقة القصور

فقال له الخليفة: هَه، ما أعظم هذا الشعر، زدني، فقال:

يجري عليك بما أردتَ

من الغدو من البكور

ففرح الخليفة أكثر، فقال له:

فإذا النفوس تغرغرت

بزفير حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقنًا

ما كنت إلا في غرور

فبدأ الخليفة بالبكاء حتَّى سقط على الأرض من البكاء، ولمَّا أفاق من إغماءته قال لمن حوله: اهتكوا الستر وأغلقوا الأبواب فإني راجعٌ إلى بيتي القديم.[٣]

قصائد أبي العتاهية

بعد المرور على حياة أبو العتاهية وأسلوبه الأدبي في الشعر لا بدَّ من إدراج بعض القصائد لهذا الشاعر البارع، فقد اشتهرت كثير من القصائد له وما تزال الألسن تتناقلها حتى اليوم، وخاصةً في الزهد والوعظ، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج بعض من قصائده:

  • المقطع الشعريّ الأول:[٤]

أشدُّ الجِهَادِ جهادُ الهوى

ومَا كرَّمَ المرءَ إلاَّ التُّقَى

وأخلاَقُ ذِي الفَضْلِ مَعْرُوفة ٌ

ببذلِ الجمِيلِ وكفِّ الأذَى

وكُلُّ الفَكَاهاتِ ممْلُولة ٌ

وطُولُ التَّعاشُرِ فيهِ القِلَى

وكلُّ طريفٍ لَهُ لَذَّة ٌ

وكلُّ تَليدٍ سَريعُ البِلَى

ولاَ شَيءَ إلاَّ لَهُ آفَة ٌ

وَلاَ شَيْءَ إلاَّ لَهُ مُنْتَهَى
  • المقطع الشعريّ الثاني:[٥]

مَنْ يعشْ يكبرْ ومنْ يكبَرْ يمُتْ

والمَنايا لا تُبالي مَنْ أتَتْ

كم وكم قد درَجتْ، من قَبلِنا

منْ قرونٍ وقُرُونٍ قَدْ مضتْ

أيّها المَغرورُ ما هذا الصِّبَا؟

لَوْ نهيتَ النفْسَ عَنْهُ لانْتَهتْ

أنِسِيتَ المْوتَ جَهْلًا والبِلَى

وسَلَتْ نفْسُكَ عَنْهُ ولَهَتْ
  • المقطع الشعريّ الثالث:[٦]

كأنّ الأرْضَ قد طُوِيَتْ عَلَيّا

وَقَدْ أُخرِجتُ ممّا في يَدَيّا

كأنّي يَوْمَ يَحْثُو التُّرْبَ قَوْمي

مَهيلاً، لم أكُنْ في النّاسِ حَيّا

كأنَّ القومَ قدْ دُفنُوا وولَّوْا

وَكُلٌّ غَيرُ مُلْتَفِتٍ إلَيّا

كأنْ قَدْ صِرْتُ مُنفَرِدًا، وَحيدًا

وَمُرْتَهَنًا، هُناكَ، بمَا لَدَيّا
  • المقطع الشعريّ الرابع:[٧]

الخَيرُ وَالشَرُّ عاداتٌ وَأَهواءُ

وَقَد يَكونُ مِنَ الأَحبابِ أَعداءُ

لِلحِلمِ شاهِدُ صِدقٍ حينَ ما غَضَبٌ

وَلِلحَليمِ عَنِ العَوراتِ إِغضاءُ

كُلٌّ لَهُ سَعيُهُ وَالسَعيُ مُختَلِفٌ

وَكُلُّ نَفسٍ لَها في سَعيِها شاءُ
  • المقطع الشعريّ الخامس:[٨]

بَكى شَجوَهُ الإِسلامُ مِن عُلَمائِهِ

فَما اكتَرَثوا لِما رَأَوا مِن بُكائِهِ

فَأَكثَرُهُم مُستَقبِحٌ لِصَوابِ من

يُخالِفُهُ مُستَحسِنٌ لِخَطائِهِ

فَأَيُّهُمُ المَرجُوُّ فينا لِدينِهِ

وَأَيُّهُمُ المَوثوقُ فينا بِرائِهِ

المراجع[+]

  1. "الدولة العباسية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "أبو العتاهية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "أبو العتاهية وهارون الرشيد"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2019. بتصرّف.
  4. "أشد الجهاد جهاد الهوى"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2019. بتصرّف.
  5. "مَنْ يعشْ يكبرْ ومنْ يكبَرْ يمُتْ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2019. بتصرّف.
  6. "كأنّ الأرْضَ قد طُوِيَتْ عَلَيّا،"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2019. بتصرّف.
  7. "الخير والشر عادات وأهواء"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2019. بتصرّف.
  8. "بكى شجوه الإسلام من علمائه"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-11-2019. بتصرّف.