سؤال وجواب

ما-هو-الوفاء


الأخلاق الحميدة

إنّ مكارم الأخلاق صفة من صفات الأنبياء والصّدّيقين والصالحين، بها تُنال الدرجات، وتُرفع المقامات، وقد خصّ اللّه -جلّ وعزّ- نبيه محمدًا -صلى اللّه عليه وسلم- بآية جمعت له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب فقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[١]، ولبيان عظم أجر حسَن الخلق، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل، صائم النهار"[٢]، وهناك فَرْقٌ بين الخُلُق والتخلُّق، إذ التخلُّق هو التكلُّف والتصنُّع، وهو لا يدوم طويلًا، بل يرجع إلى الأصل، والسلوك المتكلَّف لا يسمَّى خُلقًا حتى يصير عادةً وحالةً للنفس راسخةً، يصدُرُ عن صاحبِه في يُسر وسهولة، وستتم الإجابة في هذا المقال عن سؤال: ما هو الوفاء.[٣]

ما هو الوفاء

إن الوفاء من الأخلاق الكريمة، والخِلال الحميدة، وهو صفة من صفات النفوس الشريفة، يعظم في العيون، وتصدق فيه خطرات الظنون، وقد قيل: "إن الوعد وجه، والإنجاز محاسنه، والوعد سحابة، والإنجاز مطره"، وللإجابة عن سؤال: ما هو الوفاء، بشكل مفصل، يتم تعريفه بأنه عدم النكث بالعهد، بل تنفيذه، وعلى هذه الصفة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كان عليه من مكارم الأخلاق، كان صلى الله عليه وسلم يفي بعهده، ولم يعرف عنه في حياته أنه نقض عهدًا قطعه على نفسه، وكان -صلى الله عليه وسلم- ترجمان القرآن.[٤]

قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[٥]، والدليل على وفاء محمد -صلى الله عليه وسلم- لا تنتهي عند المواقف والأحداث التي كان يفي فيها بما التزمه، فقد شهد له أعداؤه بأنه يفي بالعهود ولا يغدر، فحين لقي هرقل أبا سفيان، وكان أبو سفيان على عداوته لمحمد -صلى الله عليه وسلم- سأل هرقل أبا سفيان عن محمد -صلى الله عليه وسلم- عددًا من الأسئلة، كان مما سأله فيه قوله: فهل يغدر، قال لا، وهكذا تكون قد تمت الإجابة عن سؤال: ما هو الوفاء.[٤]

أنواع الوفاء

بعد الإجابة عن سؤال: ما هو الوفاء، يتم ذكر أنواع الوفاء، إذ إن الوفاء من أهم الركائز الاجتماعية، التي تبنى عليها علاقات الناس مع بعضهم البعض، ولا يقتصر الوفاء على ذلك فحسب، وإنما للوفاء أنواع، سيتم ذكرها تاليًا، مع شيء من التفصيل:

  • الوفاء مع الله: إن أعظم الأدب هو الأدب مع الله، وأعظم الوفاء ما كان مع الله، والوفاء مع الله يكون بطاعته، وعبادته، وتوحيده، وقد تتابعت آيات القرآن الكريم تحض على الوفاء وتخوف من الغدر، قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}[٦]، وإن هذا البند، يعد أهم بنود الجواب عن سؤال: ما هو الوفاء.[٧]
  • الوفاء لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي بذل كل وسع وتحمل كل عناء من أجل أن يبلغ للعالمين رسالته، ما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه، فالوفاء معه يكون باتباع سنته والتخلق بأخلاقه والاقتداء به والدفاع عن دينه وعقيدته.[٧]
  • الوفاء مع العلماء: ويكون ذلك باحترامهم وتوقيرهم، والتواضع لهم، والدعاء لهم، والاقتداء بهم، والتعلم على أيديهم، قال الله تعالى: {فاسألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون}[٨][٧]
  • الوفاء مع الناس: ما أشد حاجة الناس إلى الوفاء، في زمن فشى فيه الجحود والنكران في قلوب كثير مِن البشَر، فلا الجميل عندَهم عاد يُذكَر، ولا المعروف لديهم صار يُحفَظ، وليحذر العبد من إخلاف الوعد والعهد، وليعلم أن ذلك من خصال النفاق! ومن الشؤون التي اهتمَّ الإسلام بها، ونوَّه بقيمة الوفاء فيها: الإيمان إلا إذا كان وفيًّا، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[١٠]، ويقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}[١١]، وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من إخلاف العهود، والذي يعد ضد الإجابة عن سؤال: ما هو الوفاء، قائلًا: أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر"[١٢]، وقد قال الله مادحًا أهل أحد، الذين باعوا أنفسهم رخيصة في سبيه تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[١٣]، ومن صور الإجابة عن سؤال: ما هو الوفاء، الوفاء بالنذر، وهو ما يلزم به العبد نفسه من طاعة الله من غير ما افترضه الله عليه، فعَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ"[١٤]، وهكذا يكون قد تم ذكر حث الشريعة على خلق الوفاء، وتكون قد تمت الإجابة عن سؤال: ما هو الوفاء، بشكل مفصل.[١٥]

    شواهد من السيرة على الوفاء

    للإجابة عن سؤال: ما هو الوفاء، بشكل مُثْرٍ أكثر، يجب معرفة بعض الأمثلة العملية من السيرة، فمن أعظم أمثلة وفاء الصحابة للنبي، ما حدث مع الأنصار، إذ قال عوف بن مالك -رضي الله عنه-: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال "ألا تبايعون رسول الله" فبسطنا أيدينا فقلت: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك، قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا"، وأسر كلمة خفية، قال "ولا تسألوا الناس شيئا"، قال عوف بن مالك: فقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا أن يناوله إياه، والحادثة الشهيرة مع عمر بن الخطاب، إذ قال النبي لسراقة الذي كان يتتبع أثره: "عد يا سراقة ولك سوارا كسرى" وفي خلافة عمر بعد فتح المدائن جاء سوارا كسرى له فنادى سراقة وألبسه إياهما وقال: "هذا ما وعدك به رسول الله" إنه الوفاء لما وعد به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن في الأخذ بسيرة النبي، وقصص وفاء الصحابة له، لَعجائب، وهذا ما ينمي الإجابة عن سؤال: ما هو الوفاء.[٧]

    المراجع[+]

    1. سورة القلم، آية: 5.
    2. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1620.
    3. "الأخلاق أهميتها وفوائدها "، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
    4. ^ أ ب "من محاسن الأخلاق الإسلامية الوفاء بالعهد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
    5. سورة النحل، آية: 91-92.
    6. سورة الإسراء، آية: 34.
    7. ^ أ ب ت ث "خلق الوفاء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
    8. سورة الأنبياء، آية: 7.
    9. "خلق الوفاء "، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
    10. سورة المائدة، آية: 1.
    11. سورة الصف، آية: 2، 3.
    12. رواه ابن حزم، في المحلى، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 8/28.
    13. سورة الأحزاب، آية: 23.
    14. رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4/29.
    15. "الوفاء خلق الكرام "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019.