شروط-العهدة-العمرية
محتويات
المسجد الأقصى إسلاميته وأهميته
تكمن أهمية المسجد الأقصى في أنّه ثاني مسجد وضعَه الله في الأرض بعد المسجد الحرام، وهو قِبلة المسلمين الأُولى قبل تحويلها بأمر من الله تعالى إلى الكعبة في بلد الله الحرام. وقد توثقت إسلامية المسجد الأقصى برحلة الإسراء والمعراج، قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}،[١] ورحلة الإسراء معجزة اختص بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومتى أدرك المسلمون أهمية هذه المكانة الدينية للمسجد الأقصى وبيت المقدس وعلاقتهما الوثيقة بالعقيدة الإسلامية، حتى أسلموها سياسيًّا وماديًّا. فكان الفتح العمري لبيت المقدس، وإقرار العهدة العمرية،[٢] فما هي العهدة العمرية وما هي شروط العهدة العمرية.
فتح بيت المقدس
بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بخمس سنوات، وفي سنة 15هـ، فتح المسلمون بلاد الشام بعد وأبو عبيدة بن الجراح لفتح بلاد وكان للآخير الفضل إدخال بيت المقدس التي كانت تسمى بإيليا في الإسلام. وقد اشتبك المسلمون مع الروم، في معركة أجنادين حامية الوطيس، قبل تقدمهم لفتح بيت المقدس، ففرّ كثير من الروم المهزومين ومنهم "أرطبون" نفسه إلى بيت المقدس.[٣]
فُتحت بيت المقدس في فصل الشتاء، بعد قتال استمرّ أربعة أشهر على أبوابها، حتى رأى أهل بيت المقدس أن لا صبر لهم على حصار المسلمين، مقابل جلد المسلمين في الحصار، فعرض أهل بيت المقدس على البطريرك أن يتفاهم مع المسلمين، فعرض عليهم أبو عبيدة بن الجراح خيارات ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، فقبل أهل بيت المقدس بالجزية، والاستسلام للمسلمين، على أن يتسلّم المدينة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بنفسه. وقد أرسل أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب بما تم الاتفاق عليه، فوافق عمر بن الخطاب على حقن الدماء، وسافر إلى بيت المقدس إلى الجابية التي استقبله المسلمون فيها، وهي قرية من قرى الجولان شمال حوران، ثم اتجه إلى بيت المقدس، ودخلها وقد استقبله بطريرك المدينة صفرونيوس وكبار الأساقفة، سنة 15هـ، وهنا كان الفتح العمري الذي أقرّت فيه شروط العهدة العمرية.[٣]
تعريف العهدة العمرية
العهدة العمرية التي أقرّت بها شروط العهدة العمرية، هي وثيقة صلح بين المسلمين بخلافة عمر بن الخطاب، وأهل بيت المقدس وعلى رأسهم بطريرك القدس صفرونيوس. عُقدت هذه الوثيقة بين الطرفين بعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك، وفتحهم لبيت المقدس سنة 15 هـ، وكانت العهدة بمثابة الكتاب الذي حفظ فيه عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس أمنهم على أنفسهم وممتلكاتهم وكنائسهم. وتعتبر العهدة العمرية وشروط العهدة العمرية، من أهم الوثائق في تاريخ القدس، وأهم الشروط التي أقرّت فيها.[٤]
شروط العهدة العمرية
شروط العهدة العمرية هي الشروط التي أقرّها عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس بعد فتحها سنة 15 هـ، وقد نظمت شروط العهدة العمرية حياة أهل بيت المقدس التي كانت تعرف بإيلياء، في ظل الروم واللصوص، وأن من خرج منهم من المدينة فإنه آمن على نفسه حتى يبلغوا أمنهم، ومن أقام في المدينة منهم فهو آمن على نفسه، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية.[٥]
ومن شروط العهدة العمرية أنه من أحب من أهل إيلياء أن يغادر بماله ونفسه مع الروم ويَلي بِيَعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصُلبهم حتى يبلغوا أمنهم، ومن أراد منهم القعود فعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أراد غادر مع الروم، ومن أراد الرجوع إلى أهله فلا يؤخذ منهم شيئا حتى يحصد حصادهم. وكان هذا ما اتفق عليه من شروط العهدة العمرية، وعليه كان عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطى أهل المدينة ما عليهم من الجزية. وقد شهد كل من خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان، ووعمرو بن العاص على شروط العهدة العمرية.[٥]
العهدة العمرية في كتب التراث الإسلامي
وردت العهدة العمرية وشروط العهدة العمرة في كتب التاريخ غير مرّة وبعدة صيغ، منها ما كان موجزًا مقتضبًا مثل نص اليعقوبي ونص ابن الجوزي ونص ابن البطريق، أو نصوص مطوّلة ومفصلة مثل نص ابن جرير الطبري، وفي نص ابن عساكر، ونص مجير الدين العليمي المقدسيِ ونص بطريركيـة الروم الأرثوذكس. وقد وردت شروط العهدة العمرية عند ابن القيّم في كتابه أحكام أهل الذمة، وأسندها لعدد من المصادر، وجاء في مسند أحمد، وما رواه ابنه عبد الله في زوائده على المسند، بعض شروط العهدة العمرية على أهل الذمة قال: حدثنا غير واحدٍ من أهل العلم قالوا:[٦]
"كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم: إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا، وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا: أن لا نحدث في مدينتنا كنيسة، ولا فيما حولها ديرًا، ولا قلاّية، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا، ولا ما كان منها في خطط المسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوسًا، وألا نكتم غشا للمسلمين، وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضربًا خفيفًا في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليبًا، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وأن لا نخرج صليبًا ولا كتابًا في سوق المسلمين، وأن لا نخرج باعوثًا -والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر- ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا".[٦]
كما أضاف أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن عوف كما ذكر عبد الله أحمد في ذكره لشروط العهدة العمرية: "ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وألا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شركًا، ولا نرغِّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحدًا، ولا نتخذ شيئًا من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين، وألا نمنع أحدًا من أقربائنا أراد الدخول في الإسلام، وأن نلزم زينا حيثما كنا، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، وأن نجزَّ مقادم رؤوسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشدُّ الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله".[٦]
كما أضافوا: "ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم، ونرشدهم الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس، ولا نطلع عليهم في مجالسهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا يشارك أحد منا في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيامٍ، ونطعمه من أوسط ما نجد. ضَمِنَّا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا، وإن نحن غيّرنا أو خالفنا عمّا شرطنا على أنفسنا، وقبلنا الأمان عليه، فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق. فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: أن أمضي لهم ما سألوا، وألحق فيهم حرفين أشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: ألا يشتروا من سبايانا شيئًا، ومن ضرب مسلمًا عمدًا فقد خلع عهده، فأنفذ عبد الرحمن بن غنم ذلك، وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط".[٦]
وقد أعاد رواية شروط العهدة العمرية الخلاّل في كتابه: "أحكام أهل الملل من طريق عبد الله بن الإمام أحمد"، وأخرج الشروط من بعده البيهقي في سننه، وكذلك رواها سفيان الثوري عن مسروق بن عبد الرحمن بن عتبة، ولم تخلُ أيّا من هذه الروايات من ضعف في إسنادها، إلا أن العلماء ذكروها في كتبهم، واحتجوا بها، إلى أن أنفذها بعده الخلفاء، وعملوا بموجبها. وقد قال ابن تيمية في شروط العهدة العمرية وعمّا فعله عمر بن الخطاب لأهل إيلياء، أنه: "شارطهم بمحضر المهاجرين والأنصار، وعليه العمل عند أئمة المسلمين، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. وقوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر؛ لأن هذا صار إجماعًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذين لا يجتمعون على ضلالةٍ على ما نقلوه وفهموه من كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم".[٦]
شروط العهدة العمرية في رأي المستشرقين
يرى بعض المستشرقين، ومنهم ليون كايتاني ودي خويه، أن القيود الموضوعة في شروط العهدة العمرية قد اُستحدثت في بعض العصور المتأخرة من بعض المسلمين، ومع ذلك فقد أخذها فقهاء المسلمين وأقبلوا عليها ممن عاشوا في عصور أقل تسامحًا، على أنها صحيحة.[٤] في حين يرى المؤرخ الإنجليزي "أرنولد توينبي" صاحب أكبر دراسة وأحدث نظرية في دراسة الحضارات وتفسير التاريخ، أن هناك خطرًا يتجاهله كثيرون في العالم، ويوشك على هزَّ البناء الإنساني كله؛ فقد وجه في سنة 1955م نداءً إلى اليهود في إسرائيل، وإلى العالم يقول لهم فيه: "لا تَقترفوا أخطاء الصليبيين".[٥]
كما يقول توينبي: "لقد كان التخلف والتفسُّخ، والفوضى والفساد يسيطر على العرب، فصال الصليبيون وجالوا، وانتصروا في عشرات المعارك، وهدَّدوا واستفزوا ما شاء لهم زَهْوُهم وخُيَلاؤهم، معتقدين أنهم قادرون على طرْد العرب، وطَمْس معالم العروبة والإسلام بحد السيف، كما اعتقد حكام إسرائيل بعد كل جولة منذ عام 1948، غير أن انكسارات العرب المتتالية في عهد الصليبيين قد فتَحت عيونهم على عيوبهم، فعرَفوا أن سرَّ قوتهم في وَحدتهم وتفانيهم، ووراء صلاح الدين ساروا، فقطَفوا ثمار النصر يوم 3 تموز/ يوليو 1187م في معركة حطين". ومن هنا يطلب توينبي من الأقلية اليهودية أن تعيش كأقلية مع العرب والمسلمين في أمن وسلام.
أثر شروط العهدة العمرية
أثرّت العهدة العمرية على العديد من المدائن المحيطة ببيت المقدس، فما إن وصل خبرها إلى الرملة، حتى أرسل أهلها إلى عمر بن الخطاب، ليوقع وثيقة مشابهة معهم، وكذلك أهل اللد الذين حصلوا من عمر بن الخطاب على عهد بالأمان على بيوتهم وكنائسهم وأموالهم وأنفسهم، على أن يدفعوا الجزية للمسلمين. وبذلك كانت العهدة العمرية فتحا لمعاهدات أخرى بين المسلمين وأهل البلاد التي يفتحونها، إذ إنّ عمر بن الخطاب في شروط العهدة العمريّة، خطى الخُطى نفسها التي خطاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع نصارى نجران.[٧]
ما يؤخذ من العهدة العمرية
كان لبعض الباحثين والقارئين في العهدة العمرية، وشروط العهدة العمرية، عددٌ من العبر والفوائد، ومن ما يؤخذ من العهدة العمرية: أنها بدأت باسم الله تعالى، وكل ما لم يذكر اسم الله عليه فهو أبتر، وذلك على عادة الرسائل في صدر الإسلام، لما يحمله اسم الله من أمان وسلام واطمئنان. في العهدة إقرار من عمر بن الخطاب بالعبودية المطلقة لله تعالى عندما قال: "هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب...". وأن كلمة "أعطى" التي استخدمها عمر بن الخطاب توحي بأن ما أعطاه لأهل إلياء هو هبة ومنحة. واجتماع "العبودية" مع "العطاء" في عهد ميراثا للمسليمين وقتها.[٨]
مخطوطات العهدة العمرية
بعد التقصي والبحث الذي قام به بعض الباحثين، وجد هناك عدد من المخطوطات للعهدة العمرية، ومنها: مخطوط للعهدة العمرية في مكتبة البطريركية الأرثذوكسية، بحسب ما ذكر في كتاب وثائق مقدسية تاريخية، تحت عنوان "وثائق البطريركية الأرثذوكسية في القدس"، ومخطوط آخر ورد ذكره في نفس الكتاب، موجود في دير الأرمن في القدس. وهناك مخطوط بدير وادي القلط في أريحا. وهناك مخطوط مكتبة الروم بالفنار من أعمال استانبول، ورد ذكره في كتاب "فلسطين منذ أقدم العصور إلى الفتح الإسلامي" لعبد الفتاح العويسي.[٦]المراجع[+]
- ↑ سورة الإسراء، آية: 1.
- ↑ "بيت المقدس"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-10-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "الوثيقة العمرية في فتح بيت المقدس"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-10-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "العهدة العمرية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-10-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "الوثيقة العمرية في فتح بيت المقدس"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-10-2016. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح رمضان الزيان (2006)، "روايات العهدة العمرية"، مجلة الجامعة الإسلامية، العدد 2، المجلد 14، صفحة 176- 178. بتصرّف.
- ↑ عزت محمود فارس (2010)، "قراءة في العهدة العمرية"، مجلة جامعة دمشق، العدد 1+ 2، المجلد 26، صفحة 212-213. بتصرّف.
- ↑ عزت محمود فارس، "قراءة في العهدة العمرية"، مجلة جامعة دمشق، صفحة 213-214. بتصرّف.