سؤال وجواب

أجمل-أقوال-ابن-القيم


ابن القيم

هو أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زيد الدين الزُّرعي، المشهور باسم ابن قيّم الجوزية الذي يُعدّ من أشهر علماء الإصلاح الديني الإسلامي في القرن الثامن من مدينة دمشق، وقد درس على يد ابن تيمية وتأثر بعلمه كثيرًا، ودخل السجن عدّة مرات ولاقى فيه العذاب، وبعد وفاة ابن تيمية أُطلق سراحُه، ويُعدّ ابن القيم الجوزية أحد مفسري الحديث النبوي الشريف، ومن أشهر المحدثين في عصره، وكان عابدًا وزاهدًا، ألّف العديد من الأعمال التي تضم أجمل أقوال ابن القيم وهي: الإمامة بالجوزية، والتصدي للفتوى والتأليف والتدريس بالصدرية، وقد توفّي في عام 1350 م، وفي هذا المقال سيتم عرض أجمل أقوال ابن القيم.

أجمل أقوال ابن القيم

كانت حياة ابن القيم الجوزية حياة زاخرة بالعلم والأقوال التي بقيت متداولة إلى اليوم، إذ يوجد العديد من الأقوال الشهيرة التي تُعدّ من أجمل أقوال ابن القيم وأكثرها حكمة، وقد تناقلت هذه الأقوال بين تلاميذه ومشايخه الذين عاصرهم، وفيما يأتي بعض أجمل أقوال ابن القيم وأكثرها شهرة وتأثيرّا:[١]

  • الجُبْنُ خُلُقٌ مذمومٌ عند جميعِ الخَلْقِ، وأهلُ الجُبْنِ هم أهلُ سُوءِ الظَّنِّ باللهِ، وأهلُ الشَّجاعةِ والجُودِ هم أهلُ حُسْنِ الظَّنِّ باللهِ.
  • لأن يَلقَى اللهَ العبدُ بكلِّ ذنبٍ ما خلا الشِّركَ به: خيرٌ له مِن أن يؤخِّرَ صلاةَ النَّهارِ إلى اللَّيلِ، وصلاةَ اللَّيلِ إلى النَّهارِ عُدوانًا عَمْدًا بلا عُذرٍ.
  • فلذَّةُ الغِنَى بالمالِ لذَّةٌ زائلةٌ منقطعةٌ يعقُبُها الألَمُ، ولذَّةُ الغِنَى بالعِلمِ لذَّةٌ باقيةٌ مستمرَّةٌ لا يلحَقُها ألَمٌ.
  • أجمل أقوال ابن القيم عن الذكر: فالذِّكرُ للقلبِ كالماءِ للزَّرعِ، بل كالماءِ للسَّمَكِ، لا حياةَ له إلا به.
  • أجمل أقوال ابن القيم عن البخيل: البخيلُ هو: مانعُ ما وجَبَ عليه، فمَن أدَّى الواجَبَ عليه كلَّه لم يُسمَّ بخيلًا.
  • كلُّ مَن كان بَغيضًا عند النَّاسِ، حقيرًا لديهم، كان وصولُ الآفاتِ والمضرَّاتِ إليه أسرَعَ مِن النَّارِ في الحطَبِ اليابسِ.
  • القلبُ مَلِكُ البدَنِ، والعِلمُ زينتُه وعُدَّتُه ومالُه، وبه قِوامُ مُلْكِه.
  • أجمل أقوال ابن القيم عن الطاعة: فما حُفِظَتْ نعمةُ اللهِ بشيءٍ قطُّ مِثلِ طاعتِه، ولا حصَلَتْ فيها الزِّيادةُ بمِثلِ شُكرِه، ولا زالَتْ عنِ العبدِ بمِثلِ معصيتِه لرَبِّه.
  • فالأفكارُ الرَّديَّةُ هي قُوتُ الأنفُسِ الخسيسةِ، التي هي في غايةِ الدَّناءةِ؛ فإنها قد قَنِعَت بالخيالِ، ورضِيَتْ بالمُحالِ.[٢]
  • أجمل أقوال ابن القيم عن القلوب: فخيرُ القلوبِ ما كان واعيًا للخيرِ، ضابطًا له، وليس كالقلبِ القاسي الذي لا يقبَلُه.[٢]
  • للإدراك مراتبُ بعضُها أقوى مِن بعضٍ؛ فأوَّلُها: الشُّعورُ، ثمَّ الفَهمُ، ثمَّ المعرفةُ، ثمَّ العِلمُ، ثمَّ العقلُ.[٢]
  • العِلمُ طعامُ القلبِ وشرابُه ودواؤُه، وحياتُه موقوفةٌ على ذلك، فإذا فقَد القلبُ العِلمَ فهو ميِّتٌ.[٢]
  • أجمل أقوال ابن القيم عن الإيمان: ما ذاقَ طعمَ فالخيرُ بمجموعِه ثمارٌ تُجتَنى مِن شجرةِ العِلمِ، والشَّرُّ بمجموعِه شوكٌ يُجتَنى مِن شجرةِ الجهلِ.[٢]
  • فالحجَّةُ ناصرةٌ نفسَها، ظاهرةٌ على الباطلِ، قاهرةٌ له.[٢]
  • عليكَ بالمَطالبِ العاليةِ، والمراتبِ السَّاميةِ، التي لا تُنالُ إلا بطاعةِ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قضى ألا يُنالَ ما عندَه إلا بطاعتِه.[٣]
  • أساسُ النِّفاقِ أن يُخالِفَ الظَّاهرُ الباطنَ.[٣]
  • أجمل أقوال ابن القيم عن الزهد: فالزُّهدُ فراغُ القلبِ مِن الدُّنيا، لا فراغُ اليدِ منها.[٣]
  • مُثِّلَتِ الدُّنيا بمَنامٍ، والعيشُ فيها بالحُلمِ، والموتُ باليقَظةِ، ومُثِّلَتْ بمزرعةٍ، والعملُ فيها البَذْرُ، والحصادُ يومَ المَعادِ.[٣]
  • إنَّما تفاوَتَ القومُ بالهِمَمِ لا بالصُّوَرِ.[٣]
  • اشتَرِ نفسَك اليومَ؛ فإنَّ السُّوقَ قائمةٌ، والثَّمنَ موجودٌ، والبضائعَ رخيصةٌ، وسيأتي على تلك السُّوقِ والبضائعِ يومٌ لا تصِلُ فيه إلى قليلٍ ولا كثيرٍ.[٣]
  • فكلُّ مَن تعلَّقَ بشيءٍ غيرِ اللهِ، انقطَعَ به أحوجَ ما كانَ إليه.[٣]
  • مَن قرَّتْ عينُه باللهِ، قرَّتْ به كلُّ عينٍ، وأنِسَ به كلُّ مستوحِشٍ، وطاب به كلُّ خبيثٍ، وفَرِح به كلُّ حزينٍ، وأمِنَ به كلُّ خائفٍ، وشهِدَ به كلُّ غائبٍ.[٣]
  • أجمل أقوال ابن القيم عن المعاصي: وأكثرُ المعاصي إنَّما توَلُّدُها مِن فضولِ الكلامِ والنَّظرِ، وهما أوسَعُ مداخِلِ الشَّيطانِ؛ فإنَّ جارحتَيْهما لا يمَلَّانِ ولا يسأَمانِ، بخلافِ شهوةِ البطنِ.[٤]
  • السَّببُ الَّذي لأجلِه أمَر اللهُ بالاستعاذةِ مِن شرِّ اللَّيلِ وشرِّ القمَرِ إذا وقَبَ: هو أنَّ اللَّيلَ إذا أقبَلَ فهو محلُّ سلطانِ الأرواحِ الشِّرِّيرةِ الخبيثةِ.
  • بين العبدِ وبين السَّعادةِ والفلاحِ: صبرُ ساعةٍ للهِ، وتحمُّلُ مَلَامَةٍ في سبيلِ اللهِ.[٤]
  • أجمل أقوال ابن القيم عن الصبر: فالصَّبرُ طَلْسَمٌ على كنزِ السَّعادةِ، مَن حَلَّه ظفِرَ بالكنزِ.[٤]
  • القلبُ يتوارَدُه جيشانِ مِن الباطلِ: جيشُ شهواتِ الغَيِّ، وجيشُ شُبهاتِ الباطلِ.[٤]
  • والشُّبْهةُ واردٌ يَرِدُ على القلبِ يحُولُ بينه وبين انكشافِ الحقِّ له.[٤]
  • ولَمَّا كان غايةُ صلاحِ العبدِ في عبادةِ اللهِ وحدَه، واستعانتِه به وحدَه - كان في عبادةِ غيرِه والاستعانةِ بغيرِه غايةُ مضرَّتِه.[٤]
  • واللهُ سبحانه وصَفَ أهلَ السَّعادةِ بالإحسانِ مع الخوفِ، ووصَفَ الأشقياءَ بالإساءةِ مع الأمنِ.[٤]

شعر ابن القيم

بعد ذكر مجموعة من أجمل أقوال ابن القيم، لا بدّ من ذكر مجموعة من أبيات الشعر التي تُعدّ من أجمل أقوال ابن القيم في الشعر، إذ إنّ ابن القيم كان أيضًا شاعرًا مبدعًا، وكان شعره يفيض بالحكمة الكبيرة والإبداع، وفيما يأتي مجموعة من أبيات الشعر التي تُعدّ من أجمل أقوال ابن القيم في الشعر وأكثرها تميزًا:[٥]

  • قصيدة أشواق المحبين:

إذا طَلَعَتْ شمسُ النهارِ فإنَّها

أمَارَة تسْلِيمي عليكمْ فسَلمُوا

سلامٌ مِن الرحمَنِ في كلِّ سَاعة

ورَوْحٌ ورَيْحانٌ وفضْلٌ وأنْعُمُ

عَلى الصَّحْبِ والإخْوانِ والوِلْدِ والأُلىَ

دَعَوْهم بإحْسَانٍ فجَادُوا وأنْعَمُوا

وسائرِ مَن للسُّنَّةِ المَحْضةِ اقتَفى

ومَا زاغ عنها فهو حَقٌّ مُقدَّمُ

أولئكَ أتباعُ النبيِّ وحِزْبُهُ

ولوْلاهُمُو ما كان في الأرضِ مُسْلِمُ

ولوْلاهُمُو كادَتْ تَمِيدُ بأهْلِهَا

ولكنْ رَوَاسِيها وأوْتادُها هُمُو

ولوْلاهُمُو كانتْ ظلامًا بِأهْلِها

وَلكنْ هُمُو فِيها بُدُورٌ وَأنْجُمُ

أولئكَ أصْحَابي فحَيَّ هَلًا بهِمْ

وحَيَّ هَلًا بالطيِّبينَ وأنعِمْ

لِكُلِّ امْرِئ ٍمنهم سَلامٌ يَخُصُّهُ

يُبَلغُه الأدنَى إليهِ وَينعَمُ

فيَا مُحْسِنًا بَلغْ سَلامِي وَقُلْ لهُمْ

مُحِبُّكُمُو يَدْعُو لكُم وَيُسَلمُ

ويَا لائِمِي فِي حُبِّهُمْ وَوَلائِهمْ

تأمَّلْ هَدَاكَ اللهُ مَنْ هُوَ ألْوَمُ

بأيِّ دَلِيلٍ أمْ بأيَّةِ حُجةٍ

ترَى حُبَّهُمْ عَارًا عَليَّ وَتنقِمُ

ومَا العارُ إلا بُغْضُهُمْ وَاجْتِنابُهُمْ

وَحُبُّ عِدَاهُم ذاكَ عارٌ ومَأثمُ

وحَمَّلها قلبَ المُحِبِّ وإنَّهُ

ليَضْعُفُ عنْ حَمْلِ القميصِ وَيَألمُ

وذَلَّلَ فيها أنفُسًا دُونَ ذلِّها

حِياضُ المَنايا فوقها وَهْيَ حُوَّمُ

لأنْتُمْ عَلى قرْبِ الدِّيارِ وبُعْدِها

أحِبَّتُنا إنْ غِبْتُمُوا أو حَضَرْتُمُوا

سَلُوا نَسَمَاتٍ الرِّيحِ كم قدْ تحمَّلتْ

مَحَبَّة صَبٍّ شوْقهُ ليْس يُكْتَمُ

وشاهِدُ هذا أنَّها في هُبُوبِها

تكادُ تبُثُّ الوَجْدَ لوْ تتكَلمُ

وَكُنتُ إذا ما اشْتدَّ بي الشوقُ والجَوَى

وكادَتْ عُرَى الصَّبر الجَمِيلِ تَفَصَّمُ

أعَللُ نَفْسِي بالتَّلاقي وَقُرْبِهُ

وأُوهِمُها لَكِنَّهَا تَتوَهَّمُ

وأتْبعُ طرْفِي وِجْهَةً أنتُمُو بها

فلِي بحِمَاها مَرْبَعٌ ومُخَيَّمُ

وَأذْكُرُ بَيْتا قالهُ بعضُ مَن خَلا

وَقدْ ضلَّ عَنْهُ صبُرُهُ فهُوَ مُغْرمُ

أسَائِلُ عَنكُمْ كلَّ غادٍ ورائحٍ

وأومِي إلى أوطانِكُم وأسَلمُ

وكمْ يَصْبِرُ المُشتاقُ عمَّن يُحِبُّهُ

وفِي قلبِهِ نارُ الأسَى تتضَرَّمُ
  • قصيدة مشهد الحجيج:

أمَا وَالذِي حَجَّ الْمُحِبُّونَ بَيْتَهُ

وَلبُّوا لهُ عندَ المَهَلِّ وَأحْرَمُوا

وقدْ كَشفُوا تِلكَ الرُّؤوسَ توَاضُعًا

لِعِزَّةِ مَن تعْنو الوُجوهُ وتُسلِمُ

يُهلُّونَ بالبيداءِ لبيك ربَّنا

لكَ المُلكُ والحَمْدُ الذي أنتَ تَعْلمُ

دعاهُمْ فلبَّوْهُ رِضًا ومَحَبَّةً

فلمَّا دَعَوهُ كان أقربَ منهمُ

ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ

وغُبْرًا وهُمْ فيها أسَرُّ وأنْعَمُ

وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً

ولم يُثنِهِمْ لذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ

يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِها

رِجالا ورُكْبانا ولله أسْلمُوا

ولمَّا رأتْ أبصارُهُم بيتَهُ الذي

قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ

كأنهمُ لمْ يَنْصَبُوا قطُّ قبْلهُ

لأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنْهُمُو

فلِلَّهِ كمْ مِن عَبْرةٍ مُهْرَاقةٍ

وأخرى على آثارِها لا تَقَدَّمُ

وَقدْ شَرِقتْ عينُ المُحِبِّ بدَمْعِها

فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويُسْجِمُ

إذا عَايَنَتْهُ العَيْنُ زالَ ظلامُها

وزالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ

ولا يَعْرِفُ الطرْفُ المُعايِنُ حسْنَهُ

إلى أن يعودَ الطرْفُ والشوقُ أعْظمُ

ولا عجبٌ مِن ذا فحِينَ أضافهُ

إلى نفسِهِ الرحمنُ، فهو المعظَّمُ

كسَاهُ منَ الإجْلالِ أعظمَ حُلةٍ

عليها طِرازٌ بالمَلاحَةِ مُعْلَمُ

فمِنْ أجلِ ذا كلُّ القلوبِ تُحِبُّهُ

وتَخْضَعُ إجْلالا لهُ وتُعَظِّمُ

ورَاحُوا إلى التَّعْريفِ يَرْجُونَ رحمةً

ومغفرة مِمَّن يجودُ ويُكرِمُ

فلِلهِ ذاكَ الموقفُ الأعظمُ الذي

كموقفِ يومِ العَرْضِ بلْ ذاكَ أعظمُ

ويدْنُو بهِ الجبّارُ جَلَّ جلالُهُ

يُباهِي بهمْ أمْلاكَه فهو أكرَمُ

يقولُ عِبادِي قدْ أتونِي مَحَبَّةً

وَإنِّي بهمْ بَرٌّ أجُودُ وأرْحَمُ

فأشْهِدُكُمْ أنِّي غَفَرْتُ ذنُوبَهُمْ

وأعْطيْتُهُمْ ما أمَّلوهُ وأنْعِمُ

فبُشراكُمُ يا أهلَ ذا المَوقفِ الذِي

به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحمُ

فكمْ مِن عتيقٍ فيه كَمَّلَ عِتقهُ

وآخرَ يَسْتسعَى وربُّكَ أرْحَمُ

ومَا رُؤيَ الشيطانُ أغيظَ في الوَرَى

وأحْقرَ منهُ عندها وهو ألأَمُ

وَذاكَ لأمْرٍ قد رَآه فغاظهُ

فأقبلَ يَحْثُو التُّرْبَ غَيْظا وَيَلطِمُ

وما عاينتْ عيناه مِن رحمةٍ أتتْ

ومغفرةٍ مِن عندِ ذي العرْشِ تُقْسَمُ

بَنَى ما بَنى حتى إذا ظنَّ أنه

تمَكَّنَ مِن بُنيانِهِ فهو مُحْكَمُ

أتَى اللهُ بُنيَانًا له مِن أساسِهِ

فخرَّ عليه ساقطا يتهدَّمُ

وَكمْ قدْرُ ما يعلو البناءُ ويَنْتهي

إذا كان يَبْنِيهِ وذو العرش يهدِمُ

إلى الجَمْرةِ الكُبرَى يُريدون رَمْيَها

لوقتِ صلاةِ العيدِ ثمَّ تيَمَّمُوا

منازلَهمْ للنحْرِ يَبغونَ فضلَهُ

وإحياءَ نُسْكٍ مِن أبيهمْ يُعَظَّمُ

فلوْ كان يُرضِي اللهَ نَحْرُ نفوسِهمْ

لدانُوا بهِ طوْعًا وللأمرِ سلَّمُوا

كما بَذلُوا عندَ الجِهادِ نُحورَهُمْ

لأعدائِهِ حتَّى جرَى منهمُ الدَّمُ

ولكنَّهمْ دانُوا بوضْعِ رؤوسِهمْ

وذلِكَ ذلٌّ للعبيدِ ومَيْسَمُ

ولمَّا تقضَّوْا ذلكَ التَّفَثَ الذِي

عليهمْ وأوْفَوا نذرَهُمْ ثمَّ تَمَّمُوا

دعاهُم إلى البيتِ العتيقِ زيارةً

فيَا مرحَبًا بالزائِرين وأكرمُ

فلِلهِ ما أبْهَى زيارتَهُمْ لهُ

وقدْ حُصِّلتْ تلكَ الجَوائزِ تُقْسَمُ

وَللهِ أفضالٌ هناكَ ونِعْمَةٌ

وبِرٌّ وإحْسَانٌ وجُودٌ ومَرْحَمُ

وعادُوا إلى تلكَ المنازلِ مِن مِنَى

ونالُوا مناهُمْ عندَها وتَنَعَّمُوا

أقامُوا بها يومًا ويومًا وثالثًا

وأذِّنَ فِيهمْ بالرحيلِ وأعْلِمُوا

وراحُوا إلى رمْيِ الجمارِ عَشِيَّةً

شعارُهُمُ التكْبيرُ واللهُ معْهُمُو

فلو أبْصرَتْ عيناكَ موقفَهمْ بها

وَقدْ بسَطوا تلكَ الأكفَّ لِيُرْحَمُوا

ينادونَهُ يا ربِّ يا ربِّ إننا

عبيدُكَ لا ندْعو سواكَ وتَعْلمُ

وها نحنُ نرجو منكَ ما أنتَ أهلُهُ

فأنتَ الذي تُعْطِي الجزيلَ وتُنْعِمُ

ولمَّا تقضَّوْا مِن مِنًى كلَّ حاجةٍ

وسالتْ بهمْ تلكَ البِطاحُ تقدَّموا

إلى الكعبةِ البيتِ الحَرامِ عشيةً

وطافُوا بها سبْعًا وصَلوْا وسَلَّمُوا

ولمَّا دَنا التوْدِيعُ منهمْ وأيْقنُوا

بأنَّ التدَانِي حبْلُهُ مُتَصَرِّمُ

ولمْ يبقَ إلا وقفةٌ لِمُوَدِّعٍ

فلِلهِ أجفانٌ هناكَ تُسَجَّمُ

وللهِ أنفاسٌ يكادُ بِحَرِّها

يذوبُ المُحِبُّ المُسْتهَامُ المُتيَّمُ

فلمْ ترَ إلا باهِتًا مُتَحَيِّرًا

وآخرَ يُبْدِي شجوَهُ يَترَنَّمُ

رَحَلتُ وأشْواقِي إليكمْ مُقِيمَةٌ

ونارُ الأسَى مِنِّي تَشُبُّ وتَضْرمُ

أوَدِّعُكُمْ والشوقُ يُثنِي أعِنَّتِي

وقلبيَ أمْسَى فِي حِماكُمْ مُخَيِّمُ

هنالِكَ لا تَثْريبَ يومًا عَلىَ امرئٍ

إذا ما بَدا منهُ الذي كانَ يَكْتُمُ

فيَا سائِقينَ العِيسَ باللهِ ربِّكمْ

قِفوا لِي على تلكَ الرُّبوعِ وسَلِّمُوا

وقولوا مُحِبٌّ قادهُ الشوقُ نحوكُمْ

قضَى نحبَهُ فيكُمْ تَعِيشُوا وَتسْلمُوا

قضَى اللهُ ربُّ العرشِ فيمَا قضَى بهِ

بأنَّ الهوَى يُعمِي القلوبَ ويُبْكِمُ

وحُبُّكُمُ أصْلُ الهَوَى ومَدَارُهُ

عليهِ وفوزٌ للمُحِبِّ ومَغْنَمُ

وتفنَى عِظامِ الصَّبِّ بعدَ مَماتِهِ

وأشواقُهُ وقْفٌ عليهِ مُحَرَّمُ

فيَا أيُّها القلبُ الذي مَلكَ الهَوَى

أزِمَّتَهُ حتى مَتى ذا التلوُّمُ

وحَتَّامَ لا تصْحُو وقدْ قرُبَ المَدَى

ودانتْ كُؤوسُ السَّيْرِ والناسُ نوَّمُ
  • قصيدة أمْنِيات:

ألا ليتَ شِعْري هلْ أبِيتَنَّ ليلةً

على حَذَرٍ مِنها وأمْريَ مُبْرَمُ

وهلْ أرِدَنْ ماءَ الحياةِ وأرْتَوِي

عَلى ظمإٍ مِن حوضِهِ وهوَ مُفْعَمُ

وهلْ تَبْدُوَنْ أعلامُها بعدَما سَفَتْ

على رَبْعِها تِلكَ السَّوافِي فَتُعْلَمُ

وهلْ أفرِشَنْ خدِّي ثَرَى عتَبَاتِهِمْ

خُضُوعًا لَهم كَيْما يَرِقُّوا ويَرْحَمُوا

وهلْ أرْمِيَنْ نفسِي طرِيحًا ببابِهم

وطَيْرُ منايا الحبِّ فوقي تُحَوِّمُ

فيا أسفِي تفنَى الحياةُ وتنقضي

وذا العتْبُ باقٍ ما بَقِيتُمْ وعِشْتُمُ

فما منكمُ بُدٌّ ولا عنكم غِنًى

ومالِيَ مِن صَبْرٍ فأسْلُوَ عنْكُمُو

ومَن شاءَ فلْيَغْضَبْ سواكُم فلا أذًى

إذا كنتمُو عن عبْدِكُمْ قدْ رَضِيتُمُو

وعُقْبَى اصْطِباري فِي هَواكُم حميدةٌ

ولكنها عنكمْ عِقابٌ ومَأثَمُ

وما أنا بالشاكي لما ترتَضونَهُ

ولكنَّنِي أرضَى به و أُسَلِّمُ

وحَسْبِي انْتِسابي مِن بُعَيْدٍ إلَيْكُمُو

ألا إنهُ حظٌّ عظيمٌ مُفْخَّمُ

إذا قيلَ هذا عبدُهُم ومُحِبُّهُم

تَهَلَّلَ بِشْرًا وجهُهُ يَتَبَسَّمُ

وها هو قد أبدَى الضراعةَ سائلا

لكمْ بِلِسانِ الحالِ والقالِ مُعْلِمُ

أحِبَّتَهُ عَطْفًا عليهِ فإنهُ

لَفِي ظمأٍ والموردُ العَذْبُ أنْتُمُو
  • قصيدة سبيل النجاة:

فَيَا ساهِيا في غمْرَةِ الجهلِ والهَوَى

صريعَ الأماني عن قَريبٍ ستَنْدَمُ

أفِقْ قد دَنا الوقتُ الذي ليْس بَعدَهُ

سِوى جنةِ أو حرِّ نار تضرَّمُ

وبالسُّنَّة الغرَّاء كنْ متمسِّكًا

هي العُرْوةُ الوُثقى التي ليْس تُفْصَمُ

تمَسَّكْ بها مَسْكَ البخيلِ بِمالِهِ

وعَضَّ عليها بالنواجِذِ تسْلَمُ

وَدَعْ عنكَ ما قد أحدثَ الناسُ بَعدَها

فمَرْتعُ هاتيكَ الحوادثِ أوْخَمُ

وهَيِّئْ جوابًا عندما تسمعُ النِّدا

مِن اللهِ يومَ العرضِ ماذا أجبْتُمُو

بِهِ رُسُلي لَمّا أتوْكُمْ فمَنْ يَكُنْ

أجابَ سِواهمْ سوف يُخْزَى ويَنْدَمُ

وخُذ مِن تُقى الرحمنِ أعظمَ جُنَّةٍ

ليومٍ بِهِ تبدو عَيَانًا جهنمُ

ويُنْصَبُ ذاكَ الجسرُ من فوق مَتْنِها

فهاوٍ ومَخدوشٌ وناجٍ مُسَلَّمُ

ويأتي إلَهُ العالمين لِوعْدِهِ

فيفْصِلُ ما بين العبادِ ويَحْكُمُ

ويأخذُ لِلمظلومِ ربُّكَ حَقَََّهُ

فيا بُؤْسَ عَبْدٍ للخلائقِ يَظْلِمُ

فلا مُجرمٌ يَخشَى ظلامةَ ذرَّةٍ

ولا مُحسِنٌ مِن أجرِهِ ذاكَ يُهْضَمُ

وتشهَدُ أعضاءُ المسيءِ بما جَنَى

كذاكَ على فِيهِ المهيمنُ يَختِمُ

فياليْتَ شِعري كيفَ حالكُ عندَما

تطايَرُ كُتبُ العالمينَ وتُقسَمُ

أتأخذُ باليُمنَى كتابَكَ أمْ تَكُنْ

بِالاْخْرَى وراءَ الظَّهْرِ منكَ تُسَلَّمُ

وتقرأُ فيه كلَّ شيءٍ عمِلْتَهُ

فيُشْرِقُ منكَ الوَجْهُ أو هُوَ يُظْلِمُ

تقولُ كتابِي فاقرؤُوهُ فإنهُ

يُبَشِّرُ بالفوزِ العظيمِ ويُعْلِمُ

وإنْ تكنِ الأخرى فإنكَ قائلٌ

ألَا ليتنِي لَمْ أوتَهْ فهو مُغْرَمُ

فبادِر إذا مادام في العمر فُسْحَةٌ

وعَدْلُكَ مقبولٌ وصرْفُكَ قيِّمُ

وَجِدَّ وسارِعْ واغتَنِمْ زمَنَ الصِّبا

ففي زمن الإمْكانِ تسْعَى وتَغْنَمُ

وسِر مُسْرِعًا فالسَّيْرُ خلفَكَ مُسْرِعًا

وهيهاتَ ما منهُ مَفَرٌّ ومَهْزَمُ

فهُنَّ المنايا أيَّ وادٍ نَزَلْتَهُ

عليها القُدُومُ أو عليكَ ستَقْدمُ

المراجع[+]

  1. "روائع ابن القيم (10)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-01-2020. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د "روائع ابن القيم (1)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-01-2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د "روائع ابن القيم (3)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-01-2020. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ "روائع ابن القيم (8)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-01-2020. بتصرّف.
  5. "من شعر ابن القيم"، www.tasfiatarbia.org، اطّلع عليه بتاريخ 10-01-2020. بتصرّف.