شعر-عربي-فصيح-عن-عزة-النفس
عزة النفس
تُعدُّ عزة النفس من القيم التربوية النبيلة التي يحملها الإنسان الذي يأبى الضيم والظّلم والحيف، وعزة النفس خلقٌ إنسانيٌّ راقٍ عنوانه الشرف وتحصين النفس ضد الخضوع للإغراءات مهما كان حجمها، ومهما كانت ماهيّتها، وهذه السّجيّة لا تتأتّى إلّا لذوي الأخلاق الرفيعة والنفوس العظيمة الذين يعرفهم الإنسان من بين جموع الناس في عصرهم من خلال سيماهم الخُلُقيّة التي تأبى أن تنحدر إلى مهاوي الحضيض في قعر المجتمع، وطبعًا عزة النفس لا تعني التكبر والغرور، بل هي التواضع والوقار كالشيء الواحد؛ فيكمل بعضهم بعضًا، فالتكبر شيمة الأنذال، بينما عزة النفس هي شيمة الذين يحترمون غيرهم ويحسنون إلى الناس، وسيقف هذا المقال مع مقتطفات من شعر عربي فصيح عن عزة النفس.[١]
شعر عربي فصيح عن عزة النفس
في هذه الفقرة سيتوقف المقال مع شعر عربي فصيح عن عزة النفس قاله شعراء فحول في قصائد تُعدُّ من عيون الشعر العربي الفصيح، فبداية سيقف مع قصيدة للشاعر الجاهلي عنترة بن شداد العبسي وهي من عيون القصائد التي قيلت في عزة النفس،[٢] ثم قصيدتين للمتنبي الأولى قالها في مدح كافور الإخشيدي ومطلعها من أجمل ما قيل في عزة النفس،[٣] والأخرى فيها أبيات شعر عربي فصيح عن عزة النفس من أجمل ما قيل في ذلك أيضًا، والقصائد فيما يأتي:[٤]
- قصيدة عنترة بن شداد:[٢]
حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ
- وَإِذا نَزَلتَ بِدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ
وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِمًا
- وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلِ
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ
- خَوفًا عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاِعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِه
- وَاِقدِم إِذا حَقَّ اللِقا في الأَوَّلِ
وَاِختَر لِنَفسِكَ مَنزِلًا تَعلو بِهِ
- أَو مُت كَريمًا تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ
- حِصنٌ وَلَو شَيَّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ
- مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إِن كُنتَ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي
- فَوقَ الثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ
أَو أَنكَرَت فُرسانُ عَبسٍ نِسبَتي
- فَسِنانُ رُمحي وَالحُسامُ يُقِرُّ لي
وَبِذابِلي وَمُهَنَّدي نِلتُ العُل
- لا بِالقَرابَةِ وَالعَديدِ الأَجزَلِ
وَرَمَيتُ مُهري في العَجاجِ فَخاضَهُ
- وَالنارُ تَقدَحُ مِن شِفارِ الأَنصُلِ
خاضَ العَجاجَ مُحَجَّلًا حَتّى إِذ
- شَهِدَ الوَقيعَةَ عادَ غَيرَ مُحَجَّلِ
وَلَقَد نَكَبتُ بَني حُريقَةَ نَكبَةً
- لَمّا طَعَنتُ صَميمَ قَلبِ الأَخيَلِ
وَقَتَلتُ فارِسَهُم رَبيعَةَ عَنوَةً
- وَالهَيذُبانَ وَجابِرَ بنَ مُهَلهَلِ
وَاِبنَي رَبيعَةَ وَالحَريشَ وَمالِك
- وَالزِبرِقانُ غَدا طَريحَ الجَندَلِ
وَأَنا اِبنُ سَوداءِ الجَبينِ كَأَنَّه
- ضَبُعٌ تَرَعرَعَ في رُسومِ المَنزِلِ
الساقُ مِنها مِثلُ ساقِ نَعامَةٍ
- وَالشَعرُ مِنها مِثلُ حَبِّ الفُلفُلِ
وَالثَغرُ مِن تَحتِ اللِثامِ كَأَنَّهُ
- بَرقٌ تَلَألَأَ في الظَلامِ المُسدَلِ
يا نازِلينَ عَلى الحِمى وَدِيارِهِ
- هَلّا رَأَيتُم في الدِيارِ تَقَلقُلي
قَد طالَ عِزَّكُم وَذُلّي في الهَوى
- وَمِنَ العَجائِبِ عِزَّكُم وَتَذَلَّلي
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ
- بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ
- وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا
- وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى
- صَديقًا فَأَعيا أَو عَدُوًّا مُداجِيا
إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ
- فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا
وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ
- وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا
فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى
- وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا
حَبَبتُكَ قَلبي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى
- وَقَد كانَ غَدّارًا فَكُن أَنتَ وافِيا
وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ
- فَلَستَ فُؤادي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا
فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها
- إِذا كُنَّ إِثرَ الغادِرينَ جَوارِيا
إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصًا مِنَ الأَذى
- فَلا الحَمدُ مَكسوبًا وَلا المالُ باقِيا
وَلِلنَفسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى
- أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخِيا
أَقِلَّ اِشتِياقًا أَيُّها القَلبُ رُبَّما
- رَأَيتُكَ تُصفي الوُدَّ مَن لَيسَ جازِيا
خُلِقتُ أَلوفًا لَو رَحَلتُ إِلى الصِّبا
- لَفارَقتُ شَيبي موجَعَ القَلبِ باكِيا
- قصيدة أخرى للمتنبي في عزة النفس:[٤]
أَينَ أَزمَعتَ أَيُّهَذا الهُمامُ
- نَحنُ نَبتُ الرُبى وَأَنتَ الغَمامُ
نَحنُ مَن ضايَقَ الزَمانُ لَهُ فيـ
- ـكَ وَخانَتهُ قُربَكَ الأَيّامُ
في سَبيلِ العُلى قِتالُكَ وَالسِلـ
- ـمُ وَهَذا المَقامُ وَالإِجذامُ
لَيتَ أَنّا إِذا اِرتَحَلتَ لَكَ الخَيـ
- ـلُ وَأَنّا إِذا نَزَلتَ الخِيامُ
كُلَّ يَومٍ لَكَ اِحتِمالٌ جَديدُ
- وَمَسيرٌ لِلمَجدِ فيهِ مُقامُ
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِبارًا
- تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ
وَكَذا تَطلُعُ البُدورُ عَلَينا
- وَكَذا تَقلَقُ البُحورُ العِظامُ
وَلَنا عادَةُ الجَميلِ مِنَ الصَبـ
- ـرِ لَوَ أَنّا سِوى نَواكَ نُسامُ
كُلُّ عَيشٍ ما لَم تُطَبهُ حِمامٌ
- كُلُّ شَمسٍ ما لَم تَكُنها ظَلامُ
أَزِلِ الوَحشَةَ الَّتي عِندَنا يا
- مَن بِهِ يَأنَسُ الخَميسُ اللُهامُ
وَالَّذي يَشهَدُ الوَغى ساكِنَ القَلـ
- ـبِ كَأَنَّ القِتالَ فيها ذِمامُ
وَالَّذي يَضرِبُ الكَتائِبَ حَتّى
- تَتَلاقى الفِهاقُ وَالأَقدامُ
وَإِذا حَلَّ ساعَةً بِمَكانٍ
- فَأَذاهُ عَلى الزَمانِ حَرامُ
وَالَّذي تُنبِتُ البِلادُ سُرورٌ
- وَالَّذي تَمطُرُ السَحابُ مُدامُ
كُلَّما قيلَ قَد تَناهى أَرانا
- كَرَمًا ما اِهتَدَت إِلَيهِ الكِرامُ
وَكِفاحًا تَكِعُّ عَنهُ الأَعادي
- وَاِرتِياحًا يَحارُ فيهِ الأَنامُ
إِنَّما هَيبَةُ المُؤَمَّلِ سَيفِ الـ
- ـدَولَةِ المَلكِ في القُلوبِ حُسامُ
فَكَثيرٌ مِنَ الشُجاعِ التَوَقّي
- وَكَثيرٌ مِنَ البَليغِ السَلامُ
كلام عن عزة النفس
وبعد الوقوف على شعر عربي فصيح عن عزة النفس ينبغي الوقوف مع أقوال وحِكَمٍ عن عزة النفس تكون تكملة للشعر الذي قيل أعلاه، والحديث عن عزة النفس قديم في التراث العربي، فمنذ الجاهليّة وهو حديث الناس، وبعد مجيء الإسلام جعل هذا الخلق من الأخلاق الإسلامية المهمة التي أولاها عناية خاصّة وضبطه بقوانين وإرشادات تدلّ الإنسان على كيفية التمتّع بهذا الخلق من دون إسراف ولا تقتير، وممّا قيل في عزة النفس:[٥]
- قال عبد الله بن عمرو بن العاص: "إيَّاك وعزَّة الغضب، فيضيرك إلى ذُلِّ الاعتذار، وإذا ما عَرَتك في الغضب العِزَّة فاذكر مَذَلَّة الاعتذار".
- وقيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: "فيك عَظَمَة؟ قال: لا، بل فيَّ عِزَّة الله تعالى، حيث قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}".
- قال ابن عطاء: "العِزُّ في التَّواضع، فمن طلبه في الكِبْر، فهو كتطلُّب الماء من النَّار".
- "النَّاس يطلبون العِزَّ بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلَّا في طاعة الله".
- "الشَّرَف في التَّواضع، والعِزُّ في التَّقوى، والحرِّية في القناعة".
- قال سفيان الثوري: "أَعَزُّ الخَلْق خمسة أنفس: عالم زاهد، وفقيه صوفيٌّ، وغنيٌّ متواضع، وفقير شاكر، وشريف سني".
- قال ابن باديس: "الجاهل يمكن أن تعلِّمه، والجافي يمكن أن تهذِّبه، ولكن الذَّليل الذي نشأ على الذُّلِّ، يَعْسُر أو يتعذَّر أن تغرس في نفسه الذَّليلة المهينة عزَّةً وإباءً وشهامةً تُلْحِقه بالرِّجال".
- قال أبو حامد الغزالي: "من رزقه القناعة حتى استغنى بها عن خَلْقه، وأمدَّه بالقوَّة والتَّأييد حتى استولى بها على صفات نفسه، فقد أعزَّه، وآتاه الملك عاجلًا، وسيعزُّه في الآخرة بالتَّقريب".
- ويُعرّف الإمام الغزالي العزّة في العباد والذي يتمتّع بعزّة النّفس من الخلق فيقول: "العزيز من العباد: من يحتاج إليه عباد الله في أهمِّ أمورهم، وهي الحياة الأخرويَّة، والسَّعادة الأبديَّة، وذلك ممَّا يَقِلُّ -لا محالة- وجوده، ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، ويشاركهم في العزِّ من ينفرد بالقُرب من درجتهم في عصره؛ كالخلفاء وورثتهم من العلماء، وعزَّة كلِّ واحدٍ منهم بقدر عُلوِّ رتبته عن سهولة النَّيل والمشاركة، وبقدر عنائه في إرشاد الخَلْق".
- "إذا طلبت العِزَّة فاطلبها في الطَّاعة، وإن طلبت الغِنى فاطلبه في القناعة".
المراجع[+]
- ↑ "ما معنى أن تكون عزيز النفس؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 01-03-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "حكم سيوفك في رقاب العذل"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 01-03-2020.
- ^ أ ب "كفى بك داء"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 01-03-2020.
- ^ أ ب "أين أزمعت أيهذا الهمام"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 01-03-2020.
- ↑ "أقوال السَّلف والعلماء في العِزَّة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 01-03-2020.