نبذة-عن-الشاعر-متمم-بن-نويرة
محتويات
شعراء الجاهلية
يُعدُّ العصر الجاهلي مَهد الشعر العربي كلِّه، فهو أقدم زمن كُتب فيه الشعر المعروف اليوم، وهو العهد الأول للشعر العربي، وقد يكون هناك شعر قبل الشعر الجاهلي، ولكنَّه لم يصل ولم يُعرف منه شيء، وقد برزت في العصر الجاهلي أسماء عدد من الشعراء العرب الذين عُدُّوا وصنّفوا في أعلى مراتب طبقات الشعراء، فقصائدهم تشهد معهم وتنطق بأسمائهم، ولعلَّ أبرز هؤلاء الشعراء الجاهليين شعراء المعلقات وعنترة بن شداد وغيره، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على أحد شعراء الجاهلية وهو الشاعر متمم بن نويرة.[١]
الشاعر متمم بن نويرة
الشاعر متمم بن نويرة هو متمم بن نويرة بن عمرو بن شداد من بني يربوع بن مالك من تميم، شاعر جاهلي وفارس من فرسان العرب، وقد ورد عنه أنَّه أسلم وحَسُن إسلامه فيما بعد، ولم تذكر سنة إسلامه ولم يرد عنه الكثير من الأخبار، وهو أخ ملك بن نويرة، كان شاعرًا فحلًا، عُرف برثاء أخيه مالك بن نويرة الذي توفِّي في حروب الرِّدَّة، وقد وردَ في مسألة إسلامه قول الطبري: "مالك بن نويرة بن حمزة التميمي بعثه النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على صدقة بني يربوع وكان قد أسلم هو وأخوه متمم"، وقال أبو عمر أيضًا في مسألة إسلام الشاعر متمم بن نويرة: "أما مالك فقتله خالد بن الوليد واختُلفَ فيه، هل قتله مرتدًا أو مسلمًا، وأما متمم فلم يختلف في إسلامِهِ، وكان شاعرًا محسنًا ليس لأحد في المراثي كأشعاره التي يرثي بها أخاه مالكًا".[٢]
الأسلوب الأدبي لمتمم بن نويرة
بعد الحديث عن الشاعر متمم بن نويرة، سيتم تسليط الضوء على الأسلوب الأدبي للشاعر متمم بن نويرة، متمم الشاعر الجاهلي الذي لم يَحِدْ في شعره عن العصر الذي عاش فيه، الشاعر الذي لم يتبعد في شعره عن خصائص الشعر الجاهلي من حيث قوَّة السبك والصياغة، ليكون مثالًا على براعة الجاهليين وصفاء لغتهم، وقد انتمى متمم بن نويرة إلى معجم العصر الذي عاش فيه، فكانت ألفاظه جاهلية بامتياز، قويَّة كعهد الجاهليين، وقد برع الشاعر متمم بن نويرة بالرثاء وهو الغرض الشعري الأكثر ورودًا في شعره، فقد اشتهر قصيدته العينيَّة التي يرثي فيها أخاه مالك بن نويرة، والتي يقول فيها:[٣]
لعمري وما دهري بتأبينِ هالكٍ
- ولا جزعًا ممّا أصابَ فأوجعا
فعينيّ هلَّا تبكيان لمالكٍ
- إذا أذْرَتِ الرِّيحُ الكنيفَ المرفّعَا
رثاء متمم بن نويرة لأخيه مالك
إنَّ أكثر ما اشتُهر به الشاعر الجاهلي متمم بن نويرة -الذي يُصنَّف مع المخضرمين على اعتباره أسلم وعاش في صدر الإسلام- هو مراثيه الذي كتبها لأخيه مالك بن نويرة، ومالك بن نويرة رجل من كبار بني يربوع من قبيلة تميم، وقد كان مالك صاحب منزلة رفيعة في قومه، ومضرب مثل بين العرب في الشجاعة والكرم، وعندما أسلم مالك رجع إلى قومه وأعطاهم تعاليم الدين الجديد فأسلموا جميعهم ولم يتخلَّف منهم أحد، أمَّا ما جاء في قصة مقتلم مالك بن نويرة، فعندما استلم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خلافة المسلمين، وارتدَّت القبائل العربية بعد رفضها دفع الزكاة، سيَّر أبو بكر الجيوش لقتال المرتدين وأوصى جنوده أن يؤذنوا إذا نزلوا منزل أحد من الناس فإذا أذن أهل البيت فكفوا عنهم وإلَّا فقتلوهم، وإذا أجابوا إلى داعية الإسلام فاسألوا القوم عن الزكاة فإنْ أقروها فاقبلوا منهم وإلَّا فاقتلوهم، ولمَّا وصلتْ خيل خالد بن الوليد الذي كان قائد جيش المسلمين إلى مالك بن نويرة وقومه اختلفوا في أمرهم فأسروهم في ليلة باردة، فنادى خالد في قومه قائلًا: "أدفئوا أسراكم"، فظنَّ رجاله أنَّه أراد قتل الأسرى فهي لغة قبيلة كنانة التي ينتمي إليها خالد بن الوليد -رضي الله عنه- فقُتل مالك بن نويرة.[٤]
لقد أخذ رثاء مالك من أخيه متمم قسمًا كبيرًا، فكان أغلب شعر متمم في رثاء أخيه مالك وهذا شبيه بشعر الخنساء التي أمضت سنينًا طويلة ترثي أخاها صخرًا الذي قُتل في الجاهلية، ولعلَّ أبلغ ما قاله متمم في رثاء أخيه مالك هو قوله:[٣]
وما كان وقّافًا إذا الخَيلُ أحجمتْ
- ولا طائشاً عند اللقاء مدفّعا
فعيني هلّا تبكيان لمالكٍ
- إذا أذْرَتِ الرِّيحُ الكنيفَ المرفعا
وهبّت شمالًا من تجاه أظايفٍ
- إذا صادفت كف المفيض تقفّعا
قصائد متمم بن نويرة
في ختام ما جاء من حديث عن الشاعر الجاهلي متمم بن نويرة، إنّ شعر هذا الشاعر الذي روي عنه قليل، ولم يقف الناس على ديوان صريح له، إنَّما ما جاء عنه شعر قليل قال معظمه في رثاء أخيه مالك بن نويرة، ولا بدَّ من الاطلاع على بعض قصائده التي وردتْ عنه في محاولة لاكتشاف مدى تأثير شعور الشاعر في الرثاء ومدى انعكاس حالته النفسية في نتاجه الأدبي:
- يقول الشاعر متمم بن نويرة:[٥]
لعمرك ما دهري بتأبين مالك
- ولا جزعًا مما أصاب فأوجعا
أبى الصبر آيات أراها وإنني
- أرى كل حبل دون حبلك أقطعا
وإنِّي متى ما أدع باسمك لا تجبْ
- وكنت جديرًا أن تجيب وتسمعا
تراه كنصلِ السَّيف يهتز للندى
- إذا لم يجد عند امرئ السُّوء مطمعا
- ويقول أيضًا:[٦]
صَرَمتْ زُنَيْبَةُ حَبْلَ مَنْ لا يَقْطَعُ
- حَبْلَ الخَليلِ ولَلأَمانةَ تَفْجَعُ
ولقد حرصْتُ على قليلِ وداعِها
- يومَ الرحيلِ، فدمعها المستنفَعُ
جُذِّي حبالك يا ذُنيبَ فإنِّنَي
- قد أستبدُّ بوصل من هو أقطَعُ
ولقد قطعتُ الوصلَ يوم خلاجِهِ
- وأخو الصَّريمةِ في الأمورِ المزمِعُ
- ومن شعره أيضًا:[٤]
نعم القتيلُ إذا الرِّياح تناوحتْ
- خلفَ البيوت قتلتَ يا ابن الأزورِ
أدعوتهُ بالله ثم غدرتَـهُ
- لو هو دعاك بذمَّةٍ لم يغْدرِ
لا يمسكُ الفحشاءَ تحتَ ثيابـِهِ
- حلوٌ شمائلُهُ عفيفُ المئْزرِ
- ويقول الشاعر متمم بن نويرة أيضًا:[٧]
أقولُ لها لمَّا نهتْنِي عن البكا
- أفي مالكٍ تلحينني أمَّ خالدِ
فإنْ كانَ إخواني أُصيبوا وأخطأتْ
- بني أمِّك اليوم الحتوف الرواصد
فكلُّ بَني أمٍّ سَيُمْسُونَ لـيلةً
- ولم يبقَ من أعيانِهم غيرُ واحـدِ
- ومن قصائد الشاعر متمم بن نويرة أيضًا:[٤]
ألا قل لحيٍّ أُطِّئوا بالسَّنابِكِ
- تطاولَ هذا الليلِ من بعد مالـكِ
قضى خالدٌ بغيًا عليه لعرسِهِ
- وكانَ له فيها هوى قبلَ ذلَـك
فأمضى هواهُ خالدٌ غيرَ عاطفٍ
- عنانَ الهوى عنها ولا متمالِكِ
وأصبحَ ذا أهلٍ وأصبحَ مالـكٌ
- إلى غير شيءٍ هالكًا في الهوالكِ
المراجع[+]
- إلى غير شيءٍ هالكًا في الهوالكِ