سبب-نزول-سورة-المدثر
محتويات
سور المفصل
يُقسم القرآن الكريم من حيث سوره إلى أربعة أقسام، وهي: السَّبع الطوال، المئين، المثاني، المُفَصَّل، والمفصل هو اسم يطلق على سور القرآن الكريم القصيرة التي يكثر الفصل فيما بينها بالبسملة، وقد اختلف أهل العلم في تحديد سور المفصل، فذهب الحنفية إلى أنَّ طوال المُفصَّل تبدأ من سورة الحجرات إلى سورة البروج، وأوساط المفصل من البروج إلى البينة، وقصاره من البينة إلى الناس، أمَّا المالكية فطوال المفصل عندهم من الحجرات إلى النازعات وأوساطه من سورة عبس إلى الضحى وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على سبب نزول سورة المدثر إحدى سور المفصل في القرآن الكريم.[١]
تعريف سورة المدثر
قبل الحديث عن سبب نزول سورة المدثر، لا بدَّ من ذكر تعريف هذه السورة المباركة، وسورة المدثر سورة من السور المكية؛ حيثُ نزلتْ على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، فقد أخرج البيهقي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنَّه قال: "نزلتْ سورة المدثر بمكة"، وهي سورة من سور المُفصَّل، يبلغ عدد آيات سورة المدثر ست وخمسين آية، وهي السورة الرابعة والسبعون في ترتيب سور المصحف الشريف؛ حيث تقع سورة المدثر في الجزء التاسع والعشرين والحزب الثامن والخمسين، وقد نزلتْ هذه السور بحسب أغلب الأقوال بعد سورة المزمل، ومن الجدير بالذكر إنَّ سورة المدثر بدأت بأسلوب نداء، نادى به الله تعالى على رسوله ولقَّبه بالمدثر، قال تعالى في مطلع هذه السورة: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}،[٢]وفيما يأتي سبب نزول سورة المدثر.[٣]
سبب نزول سورة المدثر
في الحديث عن سبب نزول سورة المدثر، لا بدَّ من الإشارة بداية إلى أنَّ السور والآيات القرآنية كانت تنزل في زمن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ملازمة لحادثة أو مسألة أو قضية وواضعةً تشريعًا إلهيًا يقضي في المسألة التي نزلتْ هذه الآية من أجلها، كما أنَّ بعض السور والآيات كانت تنزل لسرد القصص والعبر وتشريع الأحكام دون سبب نزول صريح أو حادثة صريحة، وعلى هذا اختلفت الآيات والسور القرآنية، فمنها ما وردَ في حقِّه سبب نزول صريح وواضح ومنها ما لم يردْ فيه سبب نزول صريح، أمَّا في سبب نزول سورة المدثر ففيما يأتي ذكر لأبرز ما جاء في سبب نزول سورة المدثر:
سبب نزول الآيات من 1 إلى 7
في سبب نزول الآيات الأربع الأولى من سورة المدثر، جاء في صحيح الإمام مسلم فيما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: "جاوَرْتُ بحِراءٍ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوارِي نَزَلْتُ فاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الوادِي، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أمامِي وخَلْفِي، وعَنْ يَمِينِي، وعَنْ شِمالِي، فَلَمْ أرَ أحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أرَ أحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا هو علَى العَرْشِ في الهَواءِ -يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه السَّلامُ- فأخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلتُ: دَثِّرُونِي، فَدَثَّرُونِي، فَصَبُّوا عَلَيَّ ماءً، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {يا أيُّها المُدَّثِّرُ * قُمْ فأنْذِرْ * ورَبَّكَ فَكَبِّرْ * وثِيابَكَ فَطَهِّرْ}"[٤]والله تعالى أعلم.[٥]
سبب نزول الآيات من 11 إلى 30
هذه الآيات الكريمة في الوليد بن المغيرة، حيث جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنَّه قال: "أنَّ الوليدَ بنَ المغيرةِ جاء إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقرأ عليه القرآنَ فكأنَّه رقَّ لهُ، فبلغ ذلك أبا جهلٍ، فأتاه فقال: يا عمِّ إنَّ قومَك يريدون أن يجمعوا لك مالًا ليُعطوكه ، فإن أتيتَ محمَّدًا لتعرِضَ لَما قبِله، قال : لقد علِمتْ قريشٌ أنِّي من أكثرِها مالًا ، قال : فقُلْ فيه قولًا يبلغُ قومَك أنَّك منكِرٌ له وأنَّك كارهٌ له، فقال: وماذا أقولُ فواللهِ ما فيكم رجلٌ أعلمَ بالشِّعرِ منِّي، ولا برجزِه ولا بقصيدِه منِّي، ولا بأشعارِ الجنِّ، واللهِ ما يُشبهُ الَّذي يقولُ شيئًا من هذا، واللهِ إنَّ لقولِه لحلاوةً، وإنَّ عليه لطلاوةً، وإنَّه لمنيرٌ أعلاه مشرقٌ أسفلُه، وإنَّه ليعلو وما يُعلَى عليه، وإنَّه ليُحطِّمُ ما تحته، قال: لا يرضَى عنك قومُك حتَّى تقولَ فيه، قال: فدَعْني حتَّى أفكِّرَ، فلمَّا فكَّر قال: هذا سحرٌ يُؤثرُ، يَأثرُه عن غيرِه، فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}"،[٦]والله تعالى أعلم.[٣]
بيان أسماء سورة المدثر
بعد الحديث عن سبب نزول سورة المدثر، سيتم تسليط الضوء على أسماء هذه السورة التي وردت في كتب السلف، ومن الجدير بالذكر إنَّ أسماء سور القرآن الكريم مختلفة وكثيرة، فبعض السور ورد لها أكثر من اسم واحد، وتسميتها تكون بمبادئ مختلفة، فمنها ما يُسمَّى باسم قصة واردة في آياتها كسورة يوسف التي تحكي قصة نبي الله يوسف وسورة البقرة التي سُمِّيت نسبة إلى قصة بقرة بني إسرائيل المذكورة في آيات سورة البقرة، ومن السور ما يُسمَّى بأسماء مطالعها كسورة الواقعة وسورة القارعة وسورة الملك وغيرها، أمَّا المدثر فقد سُمِّيت بهذا الاسم لورود كلمة المدثر في أولها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}،[٢]والمدثر هو النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي جاء من غار حراء وهو ينادي: "زملوني زملوني" فنزلتْ هذه الآيات، والله تعالى أعلم.[٧]
مقصود سورة المدثر
في ختام ما جاء من حديث عن سبب نزول سورة المدثر، إنَّ آيات هذه السورة الكريمة تحدَّثت عن البعث وكانت تثبت فكرة البعث في نفوس المذبين به، وهي إشارة وإنذار للكافرين من عذاب الله -سبحانه وتعالى-، وإنَّما سرد قصة الوليد بن المغيرة في آيات هذه السورة إنذار وتهديد ووعيد لكلِّ المكذبين أمثال الوليد بن المغيرة، وقد قال البقاعي في مقصود هذه السورة: "سورة المدثر مقصودها الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أنفسِ المكذِّبين الفجَّار، والإشارة بالبشارة لأهلِ الادِّكار، بحلم العزيز الغفَّار، واسمها المدثر أدل ما فيها على ذلك، وذلك واضح لمن تأمل النداء والمنادى به والسبب"، والله تعالى أعلم.[٧]المراجع[+]
- ↑ "تحديد المفصلّ من القرآن وطواله وقصاره"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة المدثر، آية: 1.
- ^ أ ب "سورة المدثر"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 161، صحيح.
- ↑ "سورة المدثر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في لباب النقول، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 319، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ^ أ ب "الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.