سؤال وجواب

كم-كان-عمر-الرسول-عند-وفاته


ميلاد الرسول

إنّ الحديث عن ميلاد النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أمر فيه خلاف، وإنّ أشهر الأقوال أنّه ولد -صلّى الله عليه وسلّم- ربيع الأوّل بعد نحو خمسين يومًا من الرّسول-صلّى الله عليه وسلّم- يدرك تمامًا أنّ الله اختاره واصطفاه من أرفع الأنساب الموجودة على وجه الأرض، بل والأكوان جميعها، إذ يذكر الإمام مسلم في صحيحه أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنانَةَ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ، واصْطَفَى قُرَيْشًا مِن كِنانَةَ، واصْطَفَى مِن قُرَيْشٍ بَنِي هاشِمٍ، واصْطَفانِي مِن بَنِي هاشِمٍ"،[٥] فأكرِم بهذا النّسب الأشرف، وقد اتّفق علماء الأنساب وكتّاب السّيرة أنّ نسب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ينتهي إلى عدنان من ولد إسماعيل -عليه السّلام-، وأمّا النّسب الذي يُجمعون عليه فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسم عبد المطلب شيبة الحمد ابن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصي، واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهذا المقال سيتحدّث عن حياة النبي –صلّى الله عليه وسلّم-، وكم كان عمر الرسول عند وفاته.[٦]

وفاة الرسول

قبل الشّروع في الحديث عن موضوع المقال الرّئيس وهو كم كان عمر الرسول عند وفاته ينبغي الوقوف مع وفاته -عليه الصّلاة والسّلام-، فقد مرض النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- كما هو معلوم مرضًا شديدًا استمرّ أربعة عشر يومًا حتّى فارق الحياة، وكان بداية المرض حين كان عائدًا من البقيع بعد أن شهِد جنازة، فأحسّ بصداع شديد وحرارة عالية، وبعدها اشتدّ عليه المرض وثَقُلَ به، فجعل يسأل أزواجه: "أين أنا غدًا، أين أنا غدًا"[٧]، يريد بذلك يوم عائشة -رضي الله عنها-، فأذِنَت له أزواجه بأن يختار من يريد، فاختار المكوث عند عائشة -رضي الله عنها-، وقبل وفاته بأيّام خرج إلى النّاس في المسجد فخطب بهم، وأوصاهم ألّا يتّخذوا قبره مسجدًا ولا وثنًا يُعبد من دون الله، وأوصي المهاجرين بالأنصار، وكأنّه كان يعلم أنّه سيموت قريبًا فدته نفوس المسلمين جميعًا.[٨]

ثمّ أخبرهم أنّ الله خيّر عبدًا بين الحياة وبين عنده فاختار عنده، فعلِمَ أبو بكرٍ ذلك فبكى -رضي الله عنه-، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: "إنَّ مِن أمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبَا بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غيرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ إلَّا بَابَ أبِي بَكْرٍ".[٩] وقبل وفاته بأيّام قليلة جاءه بلال يؤذنه بالصّلاة، فقال: "مُرُوا أبا بكر فليصلِّ"، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: إنّ أبا بكر رجلٌ أسيف، إن يقم مقامك يبكِ، ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يكرّر: "مروا أبا بكرٍ فليصلِّ"، وأمّ المؤمنين تكرّر مقالتها حتّى قال لها -صلّى الله عليه وسلّم-: "إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ"،[١٠] ثمّ في ضحى اليوم الذي قُبِضَ فيه نادى فاطمة -عليها السّلام- وسارّها فبكت، ثمّ سارّها فضحكت، فأمّا في الأولى فأخبرها أنّه سيُقبض في شكواه هذه، وأمّا في الثّانية فأخبرها أنّها أوّل أهل بيته لحاقًا به، ثمّ دعا الحسن والحسين فقبّلهما وأوصى بهما خيرًا وفاطمة تصيح: وا كرب أباه، وهو يقول: "ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم".[١١]

ثمّ دعا أزواجه فوعظهنّ وذكّرهنّ، ثمّ بدا أثر السّمّ عليه ذاك الذي دخل جسده الشّريف يوم الإسلام أحزن من أحداث ذلك اليوم، ولكنّها سنّة الله في خلقه، ولا يدوم إلّا وجهه الكريم، ولا يقول المسلم في المصيبة إلّا ما علّمه إيّاه الله -جلّ جلاله- كما قال في وأمّهات المؤمنين عن ذلك، وقد ثبت في الصّحيحين أنّ أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُوُفِّيَ وهو ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ، وكذلك قال بذلك ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، ولكنّ أنس بن مالك يقول -كما في صحيح البخاري- إنّه توفّي وهو ابن ستّين سنة، وقد جمع الإمام النّووي بين الرّوايات الثّلاث، ورجّح الأولى؛ أي: ثلاث وستّون، وقال جمع من العلماء إنّ من قال إنّها ستّون سنة لم يعُدّ معها الكسور، ومن قال بأنّها خمسٌ وستّون فيكون قد عدَّ سنتي المولد والوفاة، ومن قال إنّها كانت ثلاثاً وستين لم يعُدّ سنتي المولد والوفاة، والصحيح أنّها ثلاثٌ وستون، وهكذا فالسؤال الذي يقول كم كان عمر الرسول عند وفاته تكون إجابته ثلاثة وستّين عامًا، وبذلك يكون المرء قد علم كم كان عمر الرسول عند وفاته، والله أعلم.[١٥]

رسول الله مع أهله

بعد معرفة كم كان عمر الرسول عند وفاته بقي أن يتحدّث هذا المقال عن بعض مواقف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في تعامله مع أهله، والحقيقة أنّ المرء يحار من أين يبدأ، فكلّ حياته تستحقّ أن تُسطّر بماء الذّهب، بل بماء العيون، ولكن لعلّ ما ذكره الإمام مسلم من حبّه لأمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- ووفائه لها قد يفي بالغرض قليلًا، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فيَقولُ: "أَرْسِلُوا بهَا إلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ"، قالَتْ: فأغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلتُ: خَدِيجَةَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: "إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا"،[١٦] فلم ينسَ حبّها، وكان يُكرم صديقاتها إكرامًا لها وهي في قبرها،[١٧] وكذلك بعد زواجه من أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- صار يحبّها كثيرًا، ومع ذلك لم يؤثّر هذا الحبّ على أزواجه، ولا على علاقته بهنّ، وحتّى في مرضه الأخير الذي قُبِضَ به لم يرضَ أن يقول خذوني إلى عائشة، بل قال: "أين أنا غدًا"،[٧] ولم يختر الذّهاب إلى عائشة حتّى تنازلت له أزواجه عن حقوقهنّ في بقائه عندهنّ برضاهنّ.[١٨]

وكذلك معاملته لفاطمة -عليها السّلام-، فقد أخرج أبو داود في سننه من حديث أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: "ما رَأيتُ أحدًا كانَ أشبَهَ سَمتًا ودَلًّا وَهَديًا بِرسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ- مِن فاطمةَ، كانَت إذا دخَلَت عليهِ قامَ إليها فأخذَ بيدِها فقبَّلَها وأجلَسَها في مَجلِسِهِ، وَكانَ إذا دخلَ عليها قامَت إليهِ فأخَذَت بيدِهِ فقبَّلتهُ وأجلَسَتهُ في مَجلِسِها"،[١٩] وكذلك كان يساعد أزواجه في أمور البيت، فكان يخصف نعله ويحلب شاته، ويكون في عمل أهله حتّى تقوم الصّلاة، وكان شعاره الذي علّمه للأمّة قاطبة: "من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليّين"،[٢٠] فلا يعيب الرّجل خدمة أهل بيته، وليس عمل المنزل حكرًا على النّساء، وإنّ ذلك لا يعيب الرّجل ولا يزري به ولا ينتقص من قدره أمام النّاس، فهذا أكمل البّشر وسيّد الخلق يساعد أهل بيته في عمل المنزل، والحمد لله ربّ العالمين، وبذلك يكون قد تمّ مقال كم كان عمر الرسول عند وفاته، وتمّ معه الحديث عن المولد والوفاة وكم كان عمر الرسول عند وفاته وأيضًا بعض الجوانب من حياته الأسريّة -صلّى الله عليه وسلّم- والله أعلم.[١٨]

المراجع[+]

  1. "حادثة الفيل"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
  2. رواه ابن حبّان، في صحيح ابن حبّان، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم: 6404، أخرجه في صحيحه.
  3. "النبي صلى الله عليه وسلم (المولد والبيئة والنشأة والعناية الإلهية قبل البعثة)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
  4. أحمد خيري العمري (2018)، السّيرة مستمرّة (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار عصير الكتب للنّشر والتّوزيع، صفحة 51 وما بعدها. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن واثلة بن الأسقع، الصفحة أو الرقم: 2276، صحيح.
  6. "نسب النبي صلى الله عليه وسلم"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
  7. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5217، صحيح.
  8. ^ أ ب "وفاة النبي صلى الله عليه وسلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 3654، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 712، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4462، صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4428، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4449، صحيح.
  14. سورة البقرة، آية: 156.
  15. "وفاة النبي صلى الله عليه وسلم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
  16. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2435، صحيح.
  17. "الجانب البشري في حياة النبي"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
  18. ^ أ ب "معاملة النبي الحسنة لأهله وخدمه"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019.
  19. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5217، حسن.
  20. رواه ابن حبّان، في صحيح ابن حبّان، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 5678، أخرجه في صحيحه.