سقوط-الإمبراطورية-الرومانية
محتويات
الإمبراطورية الرومانية
كان للإمبراطورية الرومانية مكانة خاصة في التاريخ تختلف عن غيرها من الدول والإمبراطوريات، لم تكن فقط نتيجة الاتساع الجغرافي الذي اشتمل على كثير من الحضارات القديمة، لكن أهميتها ترجع بشكل رئيسي إلى موقعها ووقت ظهورها في آواخر العصور القديمة، وقد تأسست في القرن الثالث ق.م واستمرت إلى القرن الخامس الميلادي، ثم تعرضت منذ القرن الثالث الميلادي لعوامل الضعف والتفكك داخليًا وخارجيًا، واستشرى الفساد في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولم تعد روما هي مركز العالم بسبب تأسيس القسطنطينية في أوائل القرن الرابع، كما اشتدت عليهم من الخارج هجمات الجرمان، وفي عام 476 م كان أخيرًا سقوط الإمبراطورية الرومانية العظيمة التي أشغلت العالم والتاريخ بأسر.[١]
الفساد في الإمبراطورية الرومانية
وهو من أهم أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية، حيث أصابها ضعف وخمول انعكس على جميع أحوالها في القرن الرابع، فتوقف التوسع واكتفت بالمحافظة على حدودها، ثم تدهور النشاط الاقتصادي وانحدرت الطبقة الوسطى، وضعف النظام في صفوف الجيش، خاصة بعد استعانة الأباطرة بالجنود المرتزقة، فأدخلوا البرابرة في صفوف الجيش وأضعفوا مجد الإمبراطورية الحربي، كما طرأت تغييرات على المنصب الإمبراطوري، وصار للفرق العسكرية دور في تنصيب الأباطرة عقب ضعف السلطة المركزية وصارت الولايات تُحكم بزعامات محلية، وفي أواخر القرن الثالث وصل دقلنيانوس إلى عرش الإمبراطورية فعمل على بعض الإصلاحات وأعاد تنظيم الجيش، وتسبب إصلاحاته بتأخير سقوط الإمبراطورية الرومانية، ثم خلفه قسطنطين الذي اعترف بالمسيحية وأسس عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية وهي القسطنطينة.[١]
ولم تفتقر الإمبراطورية في هذه الأزمة إلى الحكام القادرين، فقد نقل الجيش ومجلس الشيوخ تاج الإمبراطورية إلى فلنتنيان وهو جندي فظ مقطوع الصلة بالثقافة اليونانية. وعيّن فلنتنيان أخاه الأصغر فالنز إمبراطورًا على الشرق، واختار هو لنفسه الغرب الذي كان يبدو أشد خطرًا من الشرق، ثم أعاد تحصين حدود إيطاليا وغالة، وأعاد إلى الجيش قوته ونظامه، وصد مرة أخرى الغزاة الألمان إلى ما وراء نهر الرين، وأصدر من عاصمته ميلان تشريعات مستنيرة حرم فيها على الآباء قتل الأبناء، وأنشأ الكليات الجامعية، ووسّع نطاق المساعدات الطبية الحكومية في روما، وخفض الضرائب، وأصلح النقد الذي انخفضت قيمته، وقاوم الفساد السياسي، ومنح جميع سكان الإمبراطورية حرية العقيدة والعبادة. ومع هذا كله فقد كان موته العاجل سنة 375 مأساة كبرى حلت بروما عجلت سقوط الإمبراطورية الرومانية.[٢]
وخلفه ابنه جراتيان على عرش الإمبراطورية في الغرب، وسار فيها سيرة أبيه عامًا أو عامين، ثم أطلق العنان للهو والصيد، وترك أزمة الحكم إلى موظفين فاسدين عرضوا جميع المناصب والأحكام للبيع. لهذا خلعه القائد لكسموس عن العرش، خوفًا من سقوط الإمبراطورية الرومانية، وغزا إيطاليا ليحاول تنحية فلنتنيان الثاني خلف جراتيان وأخيه غير الشقيق عن ولاية الملك، ولكن ثيودوسيوس الأول الأكبر الإمبراطور الجديد على الشرق زحف غربًا، وهزم الغاصب، وثبت الشاب فلنتنيان على عرشه في ميلان.[٢]
الخلافات الداخلية في الإمبراطورية الرومانية
لما عاد ثيودوسيوس -الحريص على منع سقوط الإمبراطورية الرومانية- إلى القسطنطينية تبين له أن فالنتنيان الثاني عاجز عن حل المشاكل التي تحيط به، فقد خدعه أعوانه وجمعوا السلطة كلها في أيديهم المرتشية، واغتصب أربوجاست الفرنجي الوثني قائد جيشه المرابط السلطة الإمبراطورية في غالة، ولما قدم فلنتنيان إلى فين ليؤكد فيها سيادته قتل غيلة. ورفع أربوجاست على عرش الغرب رجلًا يدعى اوجنيوس وبدأ بعمله هذا سلسلة من البرابرة صانعي الملك، وزحف ثيودوسيوس مرة أخرى نحو الغرب ليعيد إلى تلك الأنحاء السلطة الشرعية ويردها إلى الدين القويم، وكان تحت لوائه جيش من الهون والقوط وغيرهم، وكان من بين قواده جيناس القوطي الذي استولى فيما بعد على القسطنطينية، واستلكو الوندالي الذي دافع في المستقبل عن روما، وألريك القوطي الذي نهبها، ودارت بالقرب من أكويليا معركة دامت يومين، هزم فيها أربوجاست وأوجينوس.[٢]
كان قس من مرسيلية عاش في القرن الخامس قد صور الحالة في إيطاليا وغالة بصورة أقل جاذبية من الصورة السابقة، وقد أجاب سلفيان عن هذا السؤال بأن الآلام يقاسيها سكان الإمبراطورية ما هي إلا قصاص عادل لما كان متفشيًا في العالم الروماني من استغلال اقتصادي، وفساد سياسي، واستهتار أخلاقي؛ ويؤكد لنا أنا لا نجد بين البرابرة مثل ما نجده بين الروم من ظلم الأغنياء للفقراء، لأن قلوب البرابرة أرق من قلوب الرومان؛ ولو أن الفقراء وجدوا وسيلة للانتقال لهاجروا ليعيشوا تحت حكم البرابرة، يواصل وصفه فيقول إن الجميع في داخل الإمبراطورية كلهم غارقون في حمأة من الفساد لا يكاد التاريخ يعرف لها مثيلاً؛ فالزنى وشرب الخمر قد أصبحا من الرذائل المألوفة في هذه الأيام، كما أضحت الفضيلة والاعتدال مثار السخرية ومبعث الآلاف من الفكاهات القذرة؛ وصار اسم المسيح لفظًا تدنسه أفواه الناس.[٢]
سقوط الامبراطورية الرومانية
هي عملية أفول الإمبراطورية الرومانية الغربية، وتقسيم أراضيها الشاسعة إلى عدة كيانات سياسية، فقدت الإمبراطورية الرومانية قوتها التي سمحت لها بممارسة السيطرة الفعالة على أوروبا؛ وأشار المؤرخون إلى العوامل التي أدت إلى هذا والتي تشمل ضعف كفاءة وعدد الجيش، انخفاض صحة وأعداد السكان الرومان، انهيار قوة الاقتصاد، تنافس الأباطرة، الصراعات الداخلية على السلطة، التغيرات الدينية في تلك الفترة، وضعف كفاءة الإدارة المدنية، الضغط المتزايد من البرابرة خارج الثقافة الرومانية. إن أسباب الانهيار هي من الموضوعات الهامة والتي قدمت الكثير من المعلومات عن سقوط الدول، وقد شكل سقوط الإمبراطورية الرومانية صدمة كبيرة بسبب قوتها وازدهارها المستمر حوالي 500 عام تقريبًا، وقد اعتبر المؤرخون سقوطها نقطة نهاية العصور القديمة وبداية العصور المظلمة في أوروبا.[٢]
حيث تناول مسألة سقوط الإمبراطورية الرومانية أحد جبال الألب يراوده حلم سقوط الإمبراطورية الرومانية، فزعم إن الأربعة آلاف من الأرطال الذهبية التي وعد الرومان بأدائها إليه لم تصله بعد، وقال إنه في نظير هذا المال يرضى أن يقدم أنبل الشباب القوطي ضمانًا لولاته، فلما رفض هونوريوس طلبه اجتاز جبال الألب ونهب أكويليا وكرمونا، وضم إليه ثلاثين ألفاً من الجنود المرتزقة، وزحف في طريق فلامنيوس حتى وصل إلى أسوار روما سنة 408. ولم يلق في هذا الزحف مقاومة اللهم إلا من راهب واحد قال له إنه قاطع طريق، فرد عليه إلريك بجواب حيره إذ قال له إن الله نفسه قد أمره بهذا الغزو. وارتاع مجلس الشيوخ كما ارتاع في أيام هنيبال، ودفعه الروع إلى ارتكاب أعمال وحشية. ورد ألريك على هذا بقطع كل الطرق التي يمكن أن يصل منها الطعام إلى العاصمة، وسرعان ما أخذ الناس يموتون فيها من الجوع.[٢]
وسار وفد من أهل المدينة إلى ألريك ليسأله عن شروط الصلح، وهددوه بأن ألف ألف من الرومان على استعداد لمقاومته، فتبسم ضاحكًا من قولهم وأجابهم "كلما ازداد سمك القش كان حصده أيسر"، ثم رق قلبه فرضى أن ينسحب إذا أعطى كل ما في المدينة من ذهب وفضة، وكل ما تحتويه من ثروة منقولة قيمة. ولما سأله المبعوثون: "وأي شيء بعد هذا يبقى لنا؟" أجابهم في ازدراء: "حياتكم". وآثرت روما أن تمضي في المقاومة؛ ولكن الجوع اضطرها أن تطلب شروطًا جديدة للاستسلام؛ فقبل ألريك منها 5000 رطل من الذهب وثلاثين ألف رطل من الفضة، وأربعة آلاف قباء من الحرير، وثلاثة آلاف من جلود الحيوان، وثلاثة آلاف رطل من الفلفل، فتأجل سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى حين.[٢]
وفي هذا الوقت عينه فرّ عدد لا يحصى من البرابرة الأرقاء من أسيادهم الرومان وانضموا تحت لواء ألريك، وكأن الأقدار شاءت أن تعوض الرومان عن هذه الخسارة، ففر من جيش ألريك قائد قوطي يدعى ساروس وانضم إلى هونوريوس، وأخذ معه قوة كبيرة من القوط، وهاجم بها جيش البرابرة الرئيس، وعدّ ألريك هذا العمل نقضًا للهدنة التي وقعها الطرفان، فعاد إلى حصار روما، وفتح أحد الأرقاء أبواب المدينة للمحاصرين؛ وتدفق منه القوط، واستولى العدو على المدينة الكبرى لأول مرة في ثمانمائة عام سنة 410، ولبثت ثلاثة أيام مسرحًا للسلب والنهب بلا تمييز بين أماكنها أو أهلها اللهم إلا كنيسة القديس بطرس وبولس فلم يمسسهما أحد بسوء، وكذلك نجا اللاجئون الذين احتموا فيهما، فكان هذا الحدث بداية دومينو سقوط الإمبراطورية الرومانية.[٢]