كلمة-عن-الأخلاق
كلمة عن الأخلاق
لا يشكّ عاقلان في أنَّ بناءَ الحضارات، ووعيَ الأمم، وتقدُّمَ الشعوب، لا يكون ولن يكونَ إلّا بالحكمة، والعدل، والأمانة والصدق، وغير ذلك من الفضائل التي تقتضيها المدينة الفاضلة التي دعا إليها الإنسان منذ عهد أفلاطون، ولم يزلْ يدعو إليها حتَّى يومنا هذا، وكلُّ هذه الفضائل السابقة تندرجُ تحت لفظة واحدة وهي الأخلاق، وهذا موضوعٌ مخصّص لقول كلمة عن الأخلاق تتحدث عن أهمية الأخلاق في قيام الحضارات.
لقدْ دعتِ الديانات السماوية كلّها دعوة إلهيّة إلى الأخلاق، وجعلتَها أساسًا للدين السليم، فقد وردَ عن النَّبي -صلّى الله عليه وسلّم- قولُهُ: "إنَّما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ صالحَ الأخلاقِ"، [١]، وهذا دليلٌ واضح على أهمية الأخلاق التي بُعِثَ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- ليتمِّمَها للناس أجمعين، ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي الذي دعا إلى صلاح الأخلاق في كثير من قصائده، فقد قال:
وإنّما الأمَمُ الأخلاقُ ما بقيتْ فإنْ هُمُو ذهَبتْ أخلاقُهُمْ ذَهَبُوا
وقال أيضًا:
وإذا أصيبَ القومُ في أخلاقِهمْ فأقمْ عليهم مأتمًا وعويلا
فالأخلاق هي أساس الحضارات، وهي أهم لبنة في بناء الدول، فالشعب الذي ذهبتْ أخلاقُهُ، سيبني مجتمعًا قائمًا على الغشِّ والكذب والرشوة والنَّصبِ والاحتيال، فسيكون آيلًا للزوال والفناء، فما بُنِيَ على باطلٍ لا يدوم أثرُهُ، ولعلَّ أبرز مظاهر الأخلاق التي ينبغي على النّاس أنْ يتحلُّوا بها، واثقين من أنّها أساس لمجتمعِ الفضيلة الذي تحلمُ به الإنسانية من بداية الخلق، وأهم هذه المظاهر: الأمانة، فالأمانة هي أساس لكلِّ عمل يقوم به الإنسان، لأنها تقوّم سلوك الإنسان وتجعلُهُ قادرًا على تحمّل المسؤولية في كافة شؤون حياتِهِ، وخاصّة في عملِهِ، فالأمانة في العمل أهم أسباب تقدم الأمم، وكذلك الكلمة الطيبة، فالكلام الحسن اللطيف مع الآخرين، من غير نفاق ولا مداهنة، يربّي في القلوب المودة والمحبة والمسامحة، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "الكلمة الطيبة صدقة"، [٢]، وأخيرًا حبّ الخير للآخرين، فهو أساسٌ لتوطيدِ العلاقاتِ الإنسانية في المجتمعات، فليس هناك أجمل من أخ يفرح لفرحك ويحزن لحزنك، ويقف بجانبك في السراء والضراء.
ولا شكّ أنَّ الأخلاق تتجسّد في كلِّ فعلٍ سليم، يتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة، التي فطرَ الله -سبحانه وتعالى- الناسَ عليها، فالخير واضح، وبيّنٌ، ولا يحتاج إلى دليل عليه، تقتفي أثرهُ الفطرة، وترغب به النفس، وتهنأ وتسعدُ بفعلِهِ، ولعلَّ أجمل ما يُختم به هذا الموضوع ليبقى عالقًا في قاعِ الروح، لتسعى إليه النفس وترغب به، هو قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
صلاح أمركَ للأخلاقِ مرجعُهُ فقوِّمِ النَّفسَ بالأخلاقِ تَسْتَقِمِ
فلا بدَّ من تقويم النفس الأمارة بالسوق، بالأخلاق ليصلحَ أمر الإنسان، وبما أنَّ الإنسان هو أيقونة المجتمع الأولى، فإنَّ صَلُحَتْ صلُحَ المجتمع، وتحقَّق حلمُ البشر بمجتمعٍ قائم على الفضيلة والعدالة.