موضوع-تعبير-عن-نفسك
تعبير عن نفسك
في أعماق كلّ واحدٍ فينا فضاءٌ حالمٌ مسكونٌ بالغموض الذي لا يعلمه إلّا الله، فالنفس البشرية مليئة بكلّ أسبابِ الحياة، وهي في الوقت نفسه مليئة بالترقّب والأمل، فهي تحملُ كلَّ التناقضات وتحلم بكلّ ما هو غريب، لكن لا يخرج إلى الملأ إلّا ما يُقرّه العقل، فتظلّ النفس في أعماقها غارقة في أحلامها، ولا تأبه لكلّ ما يدور حولها من أمور إلّا إن أرادت هي ذلك، فأنا كلما جلستُ مع نفسي حاورتها بكلّ شيء، ولا أخبئ عنها أي شعورٍ غريب أحمله، ولا أخافُ من أن تلومني أو أن تنقلب ضدّي، لأنّ نفسي هي أكثر من يدعمني بكلّ تناقضاتي وآرائي المختلفة وحياتي.
كلّما راودني حلمٌ ما، أخذ العالم كلّه يُسمعني كلماته المملوءة بطاقته السلبية ويطلب مني أن أتراجع عن حلمي، لكنّ نفسي المليئة بالأمل كانت دومًا تدعمني، وتخبرني أنني أستطيع، وأنني لا بدّ وأن أحقق ما أريد، لقد كانت نفسي هي التي تمسح على قلبي وترعى حلمي مهما كان مستحيلًا، وفي كلّ مرةٍ أمرض فيها كانت تُصاب نفسي أحيانًا باليأس، لكنها كانت تنفض عنها هذا اليأس سريعًا وتملأني بحب الحياة وتقول لي أن الألم سيزول، فالنفس فيها من التناقض ما يُثير العجب، فقد أودع الله تعالى سرّه فيها، وجعلها شيئًا عصيًّا على الفَهم.
ربّما تمرض النفس أحيانًا وتضيق بكلِّ ما حولها وتُصاب بالاكتئاب أو تقلب المزاج، وهذا ما كان يحصل معي كثيرًا، فقد كانت نفسي تضيق بكلّ ما حولها، وأجد نفسي أكره كل العالم وكلّ الناس، وكنت كثيرًا ما أجلس وأبكي وأتخيّل أنّ كل الكون ضدّي، لكنني اكتشفت أنّ النفس أيضًا تحتاج إلى الحبّ والحنان والعطف، وتحتاج إلى من يُداريها وينفض عنها الغبار، وهذه مهمة القلب والروح، فالروح تعقد علاقة أبديّة مع النفس على الرّغم من سموّ الروح عليها، لكنّها ترى في الروح ملاذها الذي لا يخونها أبدًا.
من عجائبِ نفسي أنها تستطيع الشعور بالفرح قبل أن يأتي، كما أنّها تستشعر بحزن من أحبهم وحزنها قبل أن يشعر القلب بذلك، لذلك أراها متأهّبةً دائمًا كي تكون قوية؛ لأن النفس القوية لا يُمكن أن تخذل صاحبها، وربّما هذا هو الفرق بين الإرادة وبين الخضوع، وبين الأمل وبين اليأس، فالقوّة الحقيقة تبدأ من نفسي وتستقرّ في قلبي وعقلي، فإن صنت قوتها وأرشدتها إلى الصواب فلن تخذلني أبدًا، ولن أقع في أي حيرةٍ أبدًا، لأنّ النفس تحتاج إلى بوصلة صحيحة ترشدها إلى الصواب إن خانتها الاتجاهات جميعًا.