فضل-سورة-التحريم
سورة التحريم
تُعدُّ سورة التحريم من السور المدنية في القرآن الكريم، وقد نزلت على النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، وهي في آخرِ الجزء الثامنِ والعشرين وفي الحزبِ السادسِ والخمسين، والسورة محكمةٌ لا ناسخَ فيها ولا منسوخ، رقمُها من حيث الترتيب في المصحفِ الشريف 66، عددُ آياتِها 12 آية، سمِّيَت بسورة التحريم لأنَّها بدأت بقوله تعالى: "يا أيُّها النبيُّ لمَ تحرِّمُ ما أحلَّ الله لكَ تبتغي مرضاةَ أزواجِكَ والله غفورٌ رحيمٌ" [١]، وفي هذا المقال سنبيِّنُ فضل سورة التحريم وبعضَ ما تضمَّنته من عِبر وأحكَام.
مضامين سورة التحريم
تبدأ السورةُ بعتابِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- لأنَّه حرَّم على نفسِه بعضَ الأمور التي أحلَّها الله له بغيةَ إرضاءِ زوجاته، قال تعالى: "يا أيُّها النبيُّ لمَ تحرِّمُ ما أحلَّ الله لكَ تبتغي مرضاةَ أزواجِكَ والله غفورٌ رحيمٌ" [١]، بعدَ ذلكَ انتقلت السورة لتقديمِ التوجيهاتِ إلى المؤمنين حتَّى يحموا أنفسَهم وأهلهم من نار جهنَّم بطاعة الله والانقياد له تعالى، قال تعالى: "يا أيُّهَا الذِينَ آمنُوا قُوا أنفُسَكُم وأَهلِيكُمْ نارًا وقُودهَا النَّاسُ والحجَارَةُ علَيهَا ملَائِكَةٌ غلَاظٌ شدَادٌ لا يعصُونَ اللَّهَ ما أَمرَهُمْ ويفْعَلُونَ ما يؤمَرُونَ" [٢]، ثمَّ حثَّت المؤمنين على التوبة الخاصة الصادقة لله تعالى وأوضحَت أن الكفار لا تقبلُ من أعذارهم يوم القيامة، قال تعالى: "يا أيُّهَا الذِينَ كفَرُوا لَا تعتَذِرُوا اليَوْمَ إنَّمَا تجزَوْنَ ما كُنتُمْ تعمَلُونَ * يا أيُّهَا الذِينَ آمنُوا توبُوا إلَى اللَّه توْبَةً نصُوحًا عسَى ربُّكُمْ أنْ يُكفِّرَ عنكُمْ سيئَاتِكُمْ ويدْخِلَكُمْ جنَّاتٍ تجرِي منْ تحتِهَا الأَنهَارُ يوْمَ لا يخْزِي اللَّه النبِيَّ والَّذِين آمنُوا معَهُ نورُهُمْ يسْعَى بَينَ أَيْديهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقولُونَ ربَّنَا أَتمِمْ لَنا نُورنَا واغفِرْ لنَا إنَّكَ علَى كلِّ شيْءٍ قدِيرٌ" [٣].
ثمَّ تحدَّثت السورةُ عن الدعوةِ العامَّةِ إلى الجهادِ في سبيل الله بكل ما يمكله المؤمنُ من وسائلَ ممكنةً لرفعِ رايةِ الله وإعزازِ كلمته وإذلالِ الكافرين أعداء الله تعالى، قال تعالى: "يا أيُّهَا النبِيُّ جاهِدِ الكُفَّار والمُنَافِقِينَ واغْلُظْ علَيهِمْ ومَأْوَاهُمْ جهَنَّمُ وبِئْسَ المصِيرُ" [٤]، وضربت مثلينِ عن الكفار الذينَ لم ينفعهم إيمان أقربُ الناسِ إليهم كامرأتَيْ لوط ونوحٍ، وكذلك المؤمنينَ الذينَ لم يضرُّهم كفرُ أقرب الناس إليهم كامرأةِ فرعون، فلا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى وكلُّ امرئٍ بما كسبَ رَهين [٥].
فضل سورة التحريم
كالكثيرِ من السُّورِ لم ترِدْ في فضل سورة التحريم أحاديثُ خاصَّة بالسورةِ وحدِها عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- بل إنَّ كلَّ ما رودَ عبارة عن أحاديث ضعيفة أو موضوعةٍ لا أصلَ لها. ولكنَّ فضل سورة التحريم كفضلِ بقيَّة سورِ القرآن الكريم، ففي قراءتِها كما في قراءةِ القرآن الكريم كلِّه للمسلمِ في قراءتِه أجرٌ كبير وفضل عظيم لا يعلمه إلا الله تعالى، كما ورد في الحديث الشريفِ الذي رواهُ عبد الله بن مسعود أنَّ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قالَ: "من قرَأ حَرفًا من كِتابِ اللهِ فلَه به حسَنةٌ، والحَسنةُ بعشْرِ أمثالِها، لا أقولُ {ألم} حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ" [٦].
وفضلُها أيضًا في العملِ بما جاءت به من أحكام وأوامر كتبها الله تعالى على عباده المسلمين في كتابِه الكريم، كالحثِّ على تزكيَةِ النفس والتزامِ صفات المؤمنين وأخذ العبرةِ والعظةِ من آياتِها الكَريمة [٧].
امرأة فرعون
ضربَ الله تعالى مثلًا في سورة التحريم عن المؤمنِ الذي لا يضرُّه كفْرُ من كفرَ حتَّى لو كان أقربَ الناسِ إليه، وذكرَ لنا امرأةَ فرعون مثالًا على ذلك، وهي آسيا بنت مزاحم -رحمها الله-، قال تعالى: "وضَرَب اللَّهُ مثَلًا للذِينَ آمنُوا امرَأَتَ فرْعَوْنَ إذْ قالَتْ ربِّ ابنِ لي عِندَكَ بيْتًا في الجنَّةِ ونجِّنِي منْ فرعَوْنَ وعمَلِهِ ونَجِّنِي منَ القَوْمِ الظَّالمِينَ" [٨]، وفي هذا المثال ترغيبٌ وحثٌّ للمؤمنين على الصبرِ في الشدائدِ كما صبرَت آسيا على ظلمِ وأذى فرعون.
وفي الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري أنَّ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "كمُلَ مِن الرجَالِ كثيرٌ، ولَم يكمُلْ منَ النِّسَاءِ: إلَّا مَريمُ بِنتُ عمرانَ، وآسِيةُ امرأَةُ فِرعونَ، وفَضلُ عائِشةَ علَى النِّسَاءِ كَفَضلِ الثَّرِيدِ علَى سَائرِ الطَّعامِ" [٩]. وقيلَ إنَّها آمنت بموسى -عليه السلام- فكشفَ فرعونُ أمرَها وأمر بقتلِها حتى أنَّه كان يعذَّبها بالشمس كما ورد في الحديث: "كانَتِ امْرأةُ فِرعونَ تعذَّبُ بالشمسِ، فَإذا انْصرَفوا عَنها أظلَّتْها المَلائكةُ بِأجنِحِتِها، وكَانت تَرَى بَيتَها فِي الجنَّةِ" [١٠][١١].المراجع[+]
- ^ أ ب {التحريم: الآية 1}
- ↑ {التحريم: الآية 6}
- ↑ {التحريم: الآيات 7، 8}
- ↑ {التحريم: الآية 9}
- ↑ تفسير سورة التحريم, ، "www.alukah.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 30-10-2018، بتصرف
- ↑ الراوي: عبدالله بن مسعود، المحدث: المنذري، المصدر: الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/296، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما
- ↑ سورة التحريم, ، "www.al-eman.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 30-10-2018، بتصرف
- ↑ {التحريم: الآية 11}
- ↑ الراوي: أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 5418، خلاصة حكم المحدث: صحيح
- ↑ الراوي: سلمان الفارسي، المحدث: الألباني، المصدر: السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 6/36، خلاصة حكم المحدث: صحيح على شرط الشيخين
- ↑ تفسير وضرب الله مثلا امرأة فرعون, ، "www.islamweb.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 30-10-2018، بتصرف