مقتطفات-من-كتاب-وحي-القلم
الأدب العربي
يدلُّ مصطلح الأدب في اللغة العربية على الكلام الإنشائيّ الذي ينطوي على درجة من الإتقان والبلاغة، حيث ينبع من أعماق النفس البشرية ويقوم بإحداث تأثير كبير في نفس المتلقي، وبه يتمُّ التعبير عن كل ما يدور في نفس الإنسان من أفكار وخواطر ومشاعر وهواجس بأرقى أساليب الكتابة، ويشملُ الأدب العربي جميع أعمال اللغة العربية المكتوبة من روايات وقصص وشعر ومسرح ونقد ونثر وذلك عبر كل العصور التي مرَّ خلالها الأدب العربي، وفي هذا المقال سيدور الحديث عن كتاب وحي القلم ونبذة عن مؤلفه مصطفى صادق الرافعي.
مصطفى صادق الرافعي
من أكبر كتّاب اللغة العربية في القرن العشرين، وُلد مصطفى صادق الرافعي في عام 1880م في محافظة القليوبية في مصر، كان والده رئيسًا للمحاكم الإسلامية الشرعية في عدة أقاليم، ثم عمل رئيس محكمة طنطا الشرعية، دخل إلى مدرسة دمنهور الابتدائية ثم انتقل إلى مدرسة المنصورة، وحصل على الشهادة الابتدائية، أصيب بمرض أدى إلى إضعاف سمعه ثمّ في الثلاثين أصيب بالصّمَم تمامًا ممّا اضطرّه إلى ترك التعليم الرسمي، فلجأ إلى مكتبة والده ينهل من معين الكتب.
نظم الشعر في سنّ مبكرة وأصدر أول ديوان شعري له عام 1903م وكان له أثرًا كبيرًا بين كبار الشعراء في مصر آنذاك، عام 1912م سافر إلى لبنان وألف كتاب "حديث القمر"، وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى رآى الرافعي درجة البؤس وصورها المنتشرة في كثير من البلاد وهذا ما انعكس على كثير من كتاباته في كتاب المساكين وكتاب رسائل الأحزان وكتاب السحاب، ومن أشهر كتبه كتاب وحي القلم وكتاب إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، عمل كاتبًا في محكمة طخا ثم نقل إلى محكمة طنطا الشرعية وبعدها إلى المحكمة الأهلية وبقي فيها حتى وفاته، حيث توفي في 10 أيار من عام 1937م عن عمر يقارب 57 عامًا. [١]
حول كتاب وحي القلم
يعدُّ كتاب وحي القلم من أشهر كتب الأديب مصطفى صادق الرافعي، وهو آخر كتاب كتبه الرافعي، يتألف من ثلاثة أجزاء تشكِّل في مضمونها مجموعة كبيرة من المقالات الإنشائية والنقدية التي استوحاها الرافعي من صور الحياة الاجتماعية المعاصرة ومن قصص التاريخ الإسلامي ومن وحي القلم كما سماها ومن فيض خاطره الثري، وقد نشرها في العديد من المجلات والصحف المصرية مثل: الرسالة، البلاغ، المقتطف في بداية القرن العشرين، فقد بدأ بكتابتها في عام 1934م وكان يكتب كل أسبوع قصة أو مقالة ويرسلها إلى واحدة من تلك الصحف وخاصة في مجلة الرسالة.
ومن المواضيع التي تناولها كتاب وحي القلم المواضيع الاجتماعية ومواضيع دينية يعمد فيها إلى توضيح ما حصل عليه التباس في الدين الإسلامي ومقالات تتناول آداب الإسلام وكثير من جماليات القرآن الكريم ومقالات تتناول مواضيع الوصف والحب، حيث كان الرافعي ينتزع الحقائق والقصص والصورالاجتماعية ويبثُّها في كتاب وحي القلم بأسلوبه الأدبي المتميز والذي يسمو بالبلاغة والفصاحة، كما عبَّر كتاب وحي القلم عن شخصية الرافعي الكاملة ففيه دينه وخلقه ومبادؤه وعواطفه ووقاره وتزمته وفكاهته وغضبه ورأيه وأفكاره وشخصيته كاملةً، حيث يستطيع القارئ أن يتعرف على الرافعي من خلال هذا الكتاب فقط دون بقية مؤلفاته.
وفي ختام مقدمة الكتاب يقول الرافعي في كتاب وحي القلم مدافعًا عن أسلوبه في الكتابة: "ربما عابوا السموَّ الأدبي بأنه قليل ولكن الخير كذلك، وبأنه مُخالِف ولكن الحق كذلك، وبأنه مُحيِّر ولكن الحَسَن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ولكن الحرية كذلك، إن لم يكن البحر فلا تَنتظِر اللؤلؤ، وإن لم يكن النجم فلا تنتظر الشعاع، وإن لم تكن شجرة الورد فلا تَنتظِر الورد، وإن لم يكن الكاتب البياني فلا تنتظر الأدب". ومن المقالات والقصص الشهيرة في كتاب وحي القلم: يمامتان، الحب الأول، أيها البحر، الطفولتان، في الربيع الأزرق وغيرها. [٢]
مقتطفات من كتاب وحي القلم
حمل كتاب وحي القلم بين صفحاته الكثير من القصص والمقالات الشهيرة التي استقى ماءها وصاغها الرافعي أحيانًا من الواقع الاجتماعي في تلك المرحلة وأحيانًا من القصص التاريخية والإسلامية، فكان لها تأثير عظيم على معظم قراء اللغة العربية حيث بثَّ فيها عواطفه ومشاعره وقدرته اللغوية في الإبداع وتنميق النصوص وتزيينها وإخراجها بأبهى حلة بلاغية، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر بعض مقتطفات من كتاب وحي القلم: [٣]
- لا وجود للمقالة البيانيَّة إلا في المعاني التي اشتملت عليها، يُقيمها الكاتبُ على حدودٍ ويُديرها على طريقةٍ، مُصيبًا بألفاظه مواقع الشعور، مثيرًا بها مكامن الخيال، آخذًا بوزنٍ، تاركًا بوزنٍ، لتأخذ النفسُ كما يشاء وتترك.
- وا أسفاه، هذه هي الحقيقة: إنَّ دقة الفهم للحياة تفسدها على صاحبها كدقة الفهم للحب، وإنَّ العقل الصغير في فهمه للحب والحياة، هو العقل الكامل في التذاذه بهما. وا أسفاه، هذه هي الحقيقة!.
- والعجز وضعف الهمة واضطراب الرأي في لغة العقل معانٍ ثلاثة لكلمة واحدة هي الخيبة، وما أسرار النجاح إلا الثلاثة التي تُقابلها وهي القوة والعزيمة والثبات.
- إن الفضيلة فطرة لا عِلم، وطبيعة لا قانون، وعقيدة لا فكرة،
- وأساسها أخلاق الدين لا آراء الكتب.
- وقد ذهبت بي في هواها كل مذهب إلا مذهبًا يحل حرامًا، أو مذهبًا يخِل بمروءة، ولقد علمتُ أنَّ الشيء السامي في الحُب هو ألا يخرج من العاشق مُجرم.
- ومن ثمَّ لا عصمة على المحب إلا إذا وجد بين إيمانين أقواهما الإيمان بالحلال والحرام، وبين خوفين أشدهما الخوف مِن الله، وبين رغبتين أعظمهما الرغبة في السمو.