سؤال وجواب

من-هو-الشاعر-الذي-قتله-شعره


الشعر العربي

يحتلُّ الشعر في اللغة العربية مكانةً عظيمةً وله أهمية بالغة في تاريخ العرب، حيثُ مرَّ الشعر العربي خلال مسيرته الطويلة بعدّة مراحل، بَدءًا بالعصر الجاهلي ثم صَدْر الإسلام إلى العصر الأموي وبعده العصر العباسي يليه عصر الانحطاط وعصر النهضة منتهيًا بالعصر الحديث، ونظرًا لتماسك اللغة العربية وبنيتها الأدبية التي قام عليها الشعر فقد حافظ على نفسه لفترة طويلة كشكل واحد وهو الشعر العمودي قبل أن يتفرع منه الشعر الحر في العصر الحديث، وانقسم الشعر العربي بذلك إلى قسمين رئيسين: الشعر العمودي والشعر الحر، وهذا المقال سيتناول الحديث عن أحد شعراء العربية الكبار وهو الشاعر الذي قتله شعره.

الشعر في العصر العباسي

قبل الحديث عن الشاعر الذي قتله شعره لا بدَّ من الإشارة ولو من بعيد لحال الشعر في العصر العباسي، فقد شهد العصر العباسي بعد انهيار الدولة الأموية ووصول بني العباس إلى الحكم وتحقيق نوع من الاستقرار السياسي والعسكري، شهد ذلك العصر ظهور الكثير من شعراء اللغة العربية الذين لمع نجمهم، ونُقشت أسماؤهم على صفحاتِ التاريخ الخالدة، فقد تميَّز الشعراء في العصر العباسي باكتساء أشعارهم بأثواب الجِدَّة وفيها نبرة حداثية واضحة، وتأكَّد الناس أن التفوق الذي كان للشعر القديم الجاهلي قد زال بظهور هؤلاء الشعراء الكبار الذين تغلَّبوا على الموروث القديم من الشعر الجاهلي وصدر الإسلام والعصر الأموي، غير أن أغراض الشعر في هذه المرحلة لم تختلف عن الأغراض في المراحل السابقة، ونسجت فيه القصائد على نمط قصائد الفحول السابقين من الشعراء، ومن أشهر شعراء العصر العباسي وهم الذين برزوا في العصر العباسي: بشار بن برد، أبو نواس، أبو العتاهية، أبو تمام، البحتري، ابن الرومي، أبو فراس الحمداني، المتنبي وغيرهم. [١]

الشاعر الذي قتله شعره

لا يخفى على كثير من القراء من هو الشاعر الذي قتله شعره، فقد كان من كبار الشعراء في العصر العباسي ويعتبره البعض أشهر وأفضل الشعراء على الإطلاق، إنَّه شيخ الشعراء المتنبي، أحمد بن الحسين الكندي الجعفي أبو الطيب المتنبي، الشاعر الشهير والحكيم الخبير الذي يعدُّ من أعظم الشعراء العرب، ولد المتنبي في العراق في مدينة الكوفة من العام 915م، كان يحب السفر والتنقل كثيرًا، وتنقل في بادية العرب يريد الأدب وعلوم اللغة العربية، إلى أن استقر به المطاف في مدينة حلب حاضرة الدولة الحمدانية وبقيَ عند سيف الدولة الحمداني سنوات طويلة يمدحه ويثني عليه.

وللمتنبي مع سيفِ الدولة الكثيرُ من القصص المشهورة، بعد ذلك انتقل الشاعر الذي قتله شعره إلى مصر التي كانت في ظلِّ الدولة الإخشيدية ومدح كافور الإخشيدي راجيًا أن يوليه كافور منصبًا ما وبعد أن رفض كافور تولية المتنبي هجاه المتنبي وتركه راحلًا إلى العراق ثم إلى بلاد فارس، وفي طريق عودته من بلاد فارس قاصدًا مسقط رأسه الكوفة اعترضَ طريقه فاتك بن أبي جهل الأسدي، وفاتك هذا هو خال ضُبَّة الذي هجاه المتنبي في إحدى قصائده، وكان مع فاتك جماعة فنشبَ قتال بين الطرفين، جماعة فاتك، والجماعة الأخرى المتنبي ومعه ولده محسد وغلامه مفلح، وحصل القتال فيما بينهم في منطقة النعمانية في سواد بغداد، ونتيجة لتلك القصيدة التي هجى فيها المتنبي ضبة نشب هذا الاقتتال وقُتل المتنبي وولده محسد وغلامه على يد فاتك وجماعته فكان الشاعر الذي قتله شعره وكان ذلك في عام 965م. [٢]

بعض قصائد المتنبي

كان المتنبي وهو الشاعر الذي قتله شعره قامة شامخة في فضاء الشعر العربي وما تزال أشعاره إلى الآن تذهل السامع وتقع في نفس القارئ كاللؤلؤ المنثور، ولذلك عدَّه بعض النقاد والشعراء أعظم شاعر في تاريخ الشعر العربي، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج بعض من أشهر قصائد المتنبي مع القصيدة التي كانت السبب في مقتل الشاعر الذي قتله شعره: [٣]

  • قصيدة "ما أنصف القوم ضبه"، وهي القصيدة التي هجى بها المتنبي ضبة وهي التي كانت سببًا في مقتله على يد فاتك الأسدي خال ضبة، وفيما يأتي بعض من أبيات القصيدة:

ما أنصف القوم ضبَّة          وأمُّه الطرطبَه

رموا برأس أبيه                وباكوا الأم غلبه

وإنمَّا قلت ما قلت           رحمةً لا محبه

وحيلة لك حتى              عذرت لو كنتَ تأبه

وما عليك من القتل       إنَّما هي ضربَه

وما عليك من الغدر            إنما هو سبة

وما يشقُّ على الكلب           أن يكون ابن كلبَه

ما ضرَّها من أتاها        وإنَّما ضر صلبَه

  • ومن قصائد المتنبي الشهيرة والتي يبدأ فيها كعادته في كثير من قصائده بالغزل الذي يتوج القصيدة في مطلعها، وهذه القصيدة التي يبدأ فيها: "بأبي الشموس الجانحات غواربا"، من روائع الشاعر الذي قتله شعره:

بأبي الشُّموسُ الجانِحاتُ غَوارِبَا          اللاّبِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبَا

ألمُنْهِباتُ عُقُولَنَا وقُلُوبَنَا          وجَناتِهِنّ النّاهِباتِ النّاهِبَا

ألنّاعِماتُ القاتِلاتُ المُحْيِيَاتُ               المُبْدِياتُ مِنَ الدّلالِ غَرائِبَا

حاوَلْنَ تَفْدِيَتي وخِفْنَ مُراقِبًا             فوَضَعْنَ أيدِيَهُنّ فوْقَ تَرَائِبَا

وبَسَمْنَ عَنْ بَرَدٍ خَشيتُ أُذِيبُهُ         من حَرّ أنْفاسي فكُنْتُ الذّائِبَا

يا حَبّذا المُتَحَمّلُونَ وحَبّذا                وَادٍ لَثَمْتُ بهِ الغَزالَةَ كاعِبَا

كَيفَ الرّجاءُ منَ الخُطوبِ تخَلُّصًا          منْ بَعْدِ ما أنْشَبنَ فيّ مَخالِبَا

  • ومن روائع قصائد الشاعر الذي قتله شعره قصيدة "كم قتيل كما قتلت شهيد"، والتي نسجها المتنبي على البحر الخفيف الذي يترقرق في النفس بكل عذوبة، وفيما يأتي بعض من أبيات القصيدة:

كمْ قَتيلٍ كمَا قُتِلْتُ شَهيدِ          لِبَياضِ الطُّلَى وَوَرْدِ الخُدودِ

وَعُيُونِ المَهَا وَلا كَعُيُونٍ             فَتَكَتْ بالمُتَيَّمِ المَعْمُودِ

دَرَّ دَرُّ الصَّبَاءِ أيّامَ تَجْرِيــرِ          ذُيُولي بدارِ أثْلَةَ عُودِي

عَمْرَكَ الله! هَلْ رَأيتَ بُدورًا               طَلَعَتْ في بَراقِعٍ وعُقُودِ

رَامِياتٍ بأسْهُمٍ رِيشُها الهُدْبُ            تَشُقّ القُلوبَ قبلَ الجُلودِ

يَتَرَشّفْنَ مِنْ فَمي رَشَفَاتٍ              هُنّ فيهِ أحْلى مِنَ التّوْحيدِ

كُلُّ خُمْصَانَةٍ أرَقُّ منَ الخَمْــرِ           بقَلْبٍ أقسَى مِنَ الجُلْمُودِ

  • وكذلك قصيدة "أيدري الربع أي دم أراقا"، من القصائد الشهيرة للشاعر الذي قتله شعره المتنبي، وفيما يأتي بعض من أبيات القصيدة:

أيَدْري الرَّبْعُ أيَّ دَمٍ أراقَا          وَأيَّ قُلُوبِ هذا الرّكْبِ شَاقَا

لَنَا ولأهْلِهِ أبَدًا قُلُوبٌ              تَلاقَى في جُسُومٍ ما تَلاقَى

ومَا عَفَتِ الرّياحُ لَهُ مَحَلًّا        عَفَاهُ مَنْ حَدَا بِهِمِ وَسَاقَا

فَلَيْتَ هوَى الأحبّةِ كانَ عَدلاً           فَحَمّلَ كُلّ قَلبٍ ما أطَاقَا

نَظَرْتُ إلَيْهِمِ والعَينُ شَكْرَى           فَصارَتْ كُلّهَا للدّمعِ مَاقَا

وَقَدْ أخَذَ التّمامَ البَدْرُ فيهِمْ            وَأعْطاني مِنَ السّقَمِ المُحاقَا

وَبَينَ الفَرْعِ والقَدَمَينِ نُورٌ             يَقُودُ بِلا أزِمّتِهَا النّياقَا

وَطَرْفٌ إنْ سَقَى العُشّاقَ كأسًا                بهَا نَقْصٌ سَقانِيهَا دِهَاقَا

وَخَصْرٌ تَثْبُتُ الأبْصارُ فِيهِ          كأنّ عَلَيْهِ مِن حَدَقٍ نِطاقَا

سَلي عَنْ سِيرَتي فَرَسي ورُمحي          وَسَيْفي والهَمَلَّعَةَ الدِّفَاقَا

المراجع[+]

  1. شعراء العصر العباسي, ، "www.al-hakawati.la.utexas.edu"، اطُّلع عليه بتاريخ 12-2-2019، بتصرف
  2. المتنبي, ، "www.aldiwan.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 12-2-2019، بتصرف
  3. المتنبي, ، "www.adab.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 12-2-2019، بتصرف