الشعر-السياسي-في-العصر-الأموي
محتويات
الأدب الأموي
ازدهرتِ الحياة الأدبيّة في العصر الأموي نتيجةَ عوامل عدّة: سياسيّة، واجتماعيّة ودينيّة، فتركت آثارَها في الأدب، خاصّة الشعر، الذي كان مرآة للحياة في ذاك الوقت، فتعدّدت الاتجاهات الشعريّة وأغراضها في العصر الأموي، وظهرت اتجاهات شعريّة جديدة، وقضايا شعريّة خاصّة بالعصر الأموي كالغزل العذري والشعر السياسي، كما بَرَزَتْ مجموعة كبيرة من الشعراء الذين كان لهم تأثيرٌ كبير في العصور الأدبية التالية، وهذه المقالة ستتناول قضية الشعر السياسي في العصر الأموي، التي كان للواقع السياسي والاجتماعي دور بارز في إثارتها.
الشعر السياسي في العصر الأموي
عُرف الشعر السياسي في العصر الأموي بأنّه الشعر الذي قاله الشعراء التابعون للاتجاهات السياسية والأحزاب المتصارعة على الخلافة في العصر الأموي، وقد ازدهر الشعر السياسي في العصر الأموي حتى أصبح غرضًا قائمًا بذاته في الأدب الأموي، وكان من أبرز أشكاله الهاشميّات والنقائض. وتُعرف الهاشميات في الشعر السياسي في العصر الأموي، بأنّها القصائد التي قيلت في حب الهاشميين وتمجيدهم، وذكر محاسنهم التي جعلتهم أحقّ بالخلافة من غيرهم، وكان الكُميْت بن زيد الأَسَديّ، من أبرز الشعراء الذين اشتهروا بالهاشميات، ونظم في مختلف مضامينها، أمّا أبرز مضامين الهاشميات فكانت: [١]
- التعبير عن حب الهاشميين، وذكر محاسنهم وفضائلهم، وحقّهم في الخلافة بعد خلافة علي بن أبي طالب، وفيها قال الكُمَيْت:
فإنْ هِيَ لم تَصلُحْ لِحَيّ سِواهُمُ فإن ذَوي القُربى أَحَقّ وأوْجَبُ
يقولون لم يُورَث وتلكَ ولولا تراثُه لقد شركتَ فيهم بَكيلٌ وأرحَبُ
- رثاء الشهداء الذين قضوا من الهاشميين، ومنهم الحسين بن علي بن أبي طالب الذي استشهد في كربلاء عام 61 هـ، وفيها قال الكميت:
ومن أكبَرِ الأحْداثِ كانتْ مُصيبةً عَلَينا قَتيلُ الأدْعياءِ المُلَحّبُ
قتيل بِجَنْبِ الطّفّ من آلِ هاشمٍ فَيا لَكَ لَحْمًا ليسَ عنه مُذّبِّبُ
- هجاء أعّداء الهاشميين وخصومهم، حتى عُرِف بالهجاء السياسي، وقد نظم الكميت في هجاء حكام الأمويين:
فتلك ملوك السّوءِ قد طال مُلْكُهم فحتّامَ العَناءُ المُطوَّلُ؟
وما ضَرَبَ الأمثالَ في الجَوْرِ قبلنا لأجْوَرَ مِنْ حُكّامِنا المُتمثِّل
أمّا النقائض، وهي اللون الثاني من ألوان الشعر السياسي في العصر الأموي، فتُعرَف أنّها قصائد طِوال ينظمها شاعر ما في الهجاء بغرض الردّ على قصائد لخصيم له، يلتزم فيها نفس أسلوب خصيمه بحرًا وقافية ورويًّا لينقض معاني خصيمه ويردّها عليه، وينسب الشاعر ناظم النقيضة الفخر لنفسه ولقبيلته عكس خصيمه، وقد كانت النقائض استمرارًا للهجاء الجاهلي القبليّ، ولكن قيام الأحزاب السياسية، ومحاولة التقرّب إلى الخلفاء بغرض التكسّب، أذكى هذا الفن في العصر الأموي وجعله أبرز، حتى عُرف ثلةٌ من الشعراء بفحول النقائض، وهم: جرير، والأخطل، والفرزدق.
خصائص الشعر السياسي في العصر الأموي
تمثّل الهاشميات والنقائض لونين من ألوان الشعر السياسي في العصر الأموي، الذي ازدهر كل منهما وشاع وطبع بخصائص مائزة له عن الأخرى، وفيما يأتي الخصائص المائزة للهاشميّات وهي:
خصائص الهاشميات:
- صدق العاطفة وحرارتها، كونها نابعة من محبة قوية وخالصة للهاشميين، ولم تعرف تكسّبا أو يدخلها التكلّف والصنّعة.
- استخدام المنطق والحُجّة والبرهان من خلال الشعر لإثبات حقّ الهاشميين في الخلافة.
- الوَحدة الموضوعية للقصيدة، التي تتناول موضوعا واحدا وهو حب الهاشميين والدفاع عن حقهم في الخلافة، وهجاء أعدائهم.
- قلّة الصور الفنيّة والخيال؛ لتأكيد الموضوع وتقريره.
خصائص شعر النقائض:
أما خصائص شعر النقائض بوصفه لونًا من ألوان الشعر السياسي في العصر الأموي، فتمثّل فيما يأتي:
- نقض المعاني: فالشاعر الثاني يفسد ما أورده الشاعر الأول، وينقضه، ويحطّ من شأن الأول وأفكاره وقبيلته، وينسب لنفسه ولقبيلته الكرم والجود.
- المخالفة في التفسير: فكلا الشاعرين يختاران موقفا محددَا أو حادثة ما وينظمان عليها، فيفسّر كل شاعر الموقف أو الحدث بما يؤيّد موقفه ويقويه من فخر أو هجاء.
- الوَحدة الموضوعية، والتركيز على الموضوع نفسه من الشاعرين.
- وَحدة الوزن والقافية: وفيها يكون الشاعر الأول حرًّا في اختيار البحر الذي ينظم عليه، وقافيته، ولكن الشاعر الثاني يأتي مقيدًا في الرد بنفس أساليب الشاعر الأول.
- الاحتفاء بالأنساب وتاريخ القبائل: الذي كان أساسًا في مفاخرة الثاني على الأول، وتحقيره له؛ فقد كانت الأنساب مادة غنيّة للشاعر من أجل تحقير خصمه، أو ردّ نسبه، أو عزله عن قبيلته. وكان كان أبرز محرّك لهذه الخاصيّة هو عودة الناس في العصر الأموي إلى العصبيّة القبليّة الجاهلية.
- كثرة استخدام الصور الفنية والسخرية، والذي وصل في كثير من القصائد حدّ الفحش والمجون.
أهم شعراء الشعر السياسي في العصر الأموي
الشعراء الذين نظموا في الشعر السياسي في العصر الأموي كثر، وقد برّز عدد منهم من الجانب الذي أكثر النظم فيه، فكان الكُميْت بن زيد الأَسَديّ من أبرز شعراء الهاشميين، في حين كان الأخطل وجرير والفرزدق من أبرز شعراء النقائض، وفيما يلي تعريف بكل شاعر منهم.
الكُميْت بن زيد الأَسَديّ
وهو أبو المُستَهِلّ الكُميْت بن زيد بن خُنَيْس الأَسَديّ، ولد سنة 60 هـ وتوفي في خلافة مروان بن محمد سنة 126 هـ، مقتولًا على يد والي العراق يوسف بن عمر الثقفي، بعد فشل ثورة زيد بن علي على حكّام بني أميّة. يعتبر من أبرز شعراء الشيعة وقد عرف بفقيه الشيعة، كما اعتبر من أوائل الشعراء الذين سخّروا شعرهم الشعر السياسي في العصر الأموي للتعبير عم مواقفهم السياسية، وآرائهم الفكرية، وقد وظّف علمه بآداب العرب ولغاتها وأنسابها في التحيّز لبني هاشم، وحبّهم، والتأكيد على أحقيّتهم في الخلافة، ومن قصائده، بائيته في مدح الهاشميين، وتاليًا جزء منها: [٢]
طَرِبتُ وما شَوقاً إلى البِيضِ أَطرَبُ ولاَ لَعِبَاً أذُو الشَّيبِ يَلعَبُ
ولم يُلهِنِي دارٌ ولا رَسمُ مَنزِلٍ ولم يَتَطَرَّبنِي بَنضانٌ مُخَضَّبُ
وَلاَ أنَا مِمَّن يَزجرُ الطَّيرُ هَمُّهُ أصَاحَ غُرَابٌ أم تَعَرَّضَ ثَعلَبُ
ولا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً أمَرَّ سَلِيمُ القَرنِ أم مَرَّ أَعضَبُ
وَلكِن إِلى أهلِ الفَضَائِلِ والنُّهَى وَخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيرُ يُطلَبُ
إلى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بِحُبِّهم إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ
جرير التميمي
من شعراء الشعر السياسي في العصر الأموي، وهو أبو حرزة جرير بن عطية اليربوعي التميمي، من قبيلة بني كليب من قبيلة بني تميم، عاش زمن الحجاج بن يوسف الثقفي، ولزمه ومدحه ما يقارب عشرين عاما. نظم في العديد من أغراض الشعر من مدح، وغزل حتى قيل عنه أأغزل الناس شعرا، وفي الهجاء فكان أشهر شعراء عصره في فن الهجاء، فلم يتمكن من مجاراته والوقوف أمام هجائه إلا الفرزدق والأخطل، فبُرّز شاعرا مهمًا في الشعر السياسي في العصر الأموي، ومن شعره هجاءه للفرزدق في بائية على البحر البسيط، وتاليا نموذجا منها: [٣]
إِنَّ الفَرَزدَقَ أَخزَتهُ مَثالِبُهُ عَبدُ النَهارِ وَزاني اللَيلِ دَبّابُ
لا تَهجُ قَيساً وَلَكِن لَو شَكَرتَهُمُ إِنَّ اللَئيمَ لَأَهلِ السَروِ عَيّابُ
قَيسُ الطِعانِ فَلا تَهجو فَوارِسَهُم لِحاجِبٍ وَأَبي القَعقاعِ أَربابُ
هُمُ أَطلَقوا بَعدَ ما عَضَّ الحَديدُ بِهِ عَمروَ بنَ عَمروٍ وَبِالساقَينِ أَندابُ
أَدّوا أُسَيدَةَ في جِلبابِ أُمُّكُمُ غَصبًا فَكانَ لَها دِرعٌ وَجِلبابُ
الفرزدق
شاعر من شعراء الشعر السياسي في العصر الأموي، وهو هَمَّام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، الشهير بالفرزدق، يعدّ من شعراء الطبقة الأولى من الإسلاميين، بين فحول الشعراء في كتب طبقات الشعراء، عُرف ببلاغته، وحُسن لغته، حتى قيل في شعره ولغته: "لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس"، وتوفي دون أن يكتب بيتا واحدا في النسيب، وأشهر ما عُرف به من نظم كان في الهجاء، وكان من هجائه: [٣]
إِنَّ الفَرَزدَقَ أَخزَتهُ مَثالِبُهُ عَبدُ النَهارِ وَزاني اللَيلِ دَبّابُ
لا تَهجُ قَيساً وَلَكِن لَو شَكَرتَهُمُ إِنَّ اللَئيمَ لَأَهلِ السَروِ عَيّابُ
قَيسُ الطِعانِ فَلا تَهجو فَوارِسَهُم لِحاجِبٍ وَأَبي القَعقاعِ أَربابُ
هُمُ أَطلَقوا بَعدَ ما عَضَّ الحَديدُ بِهِ عَمروَ بنَ عَمروٍ وَبِالساقَينِ أَندابُ
أَدّوا أُسَيدَةَ في جِلبابِ أُمُّكُمُ غَصبًا فَكانَ لَها دِرعٌ وَجِلبابُ
الأخطل
وهو غياث بن غوث التغلبي، أشهر شعراء الشعر السياسي في العصر الأموي ومن أهجى الشعراء فيه، وهو من شعراء النقائض، اتصل بالسياسة بغرض التكسب، فمدح معاوية بن أبي سفيان، ثم ابنه يزيد، وكان هجاءً للأنصار، ثم اتصل بعبد الملك بن مروان، ومنه صار مدافعا عن بني أميّة ومن حالفها ومروجا لسياستهم، وهاجيا لأعدائهم، ومن حالفهم. نظم الكثير من قصائد الهجاء، وكان جرير والفرزدق أبرز من هجاهم، ومن قصائده: [٤]
أَلا يا لَيتَ كَلباً بادَلونا بِمَولانا وَكانَ لَها الصَميمُ
فَبادَلنا بِزَيدِ اللاتِ عَوصاً كِلا البَدَلَينِ مُقتَرَفٌ بَهيمُ
وَطابِخَةُ الَّتي لا عِزَّ فيها تُجيرُ بِهِ وَلا حَسَبٌ كَريمُ
لَعَمرُكَ إِنَّني وَاِبنَي جُعَيلٍ وَأُمَّهُما لِإِستارٌ لَئيمُ
فَما تَدري إِذا ما الناسُ ساروا أَتَظعَنُ بَعدَ ذَلِكَ أَم تُقيمُ
يَظَلُّ بَنو النَعامَةِ حابِسيهُم إِذا وَرَدوا وَوِردُهُمُ ذَميمُالمراجع[+]
- ↑ شعر (أدب), ، "www.marefa.org"، اطلع عليه بتاريخ 26/2/2019، بتصرف
- ↑ طربت وما شوقا إلى البيض أطرب, ، "www.aldiwan.net"، اطلع عليه بتاريخ 26/2/2019، بتصرف
- ^ أ ب إن الفرزدق أخزته مثالبه, ، "www.aldiwan.net"، اطلع عليه بتاريخ 26/2/2019، بتصرف
- ↑ ألا ليت كلبا بادلونا, ، "www.aldiwan.net"، اطلع عليه بتاريخ 26/2/2019، بتصرف