سؤال وجواب

حكاية الثعلب والغراب


حكاية الثعلب والغراب

كان ياما كان، في قديم الزمان، وسالِف العصر والأوان، كان هناك غُراب يعيش في غابة بعيدة، كانت هذه الغابة كثيفة الاشجار، وأرضها مفروشة بالأزهار الجميلة والنادرة، كان هذا الغراب يختلفُ عن باقي الغربان، فهو طيّب وكريم على عكس الغربان التي تكون قاسية ولئيمة وتسرق قوتَ البشر، وكان هذا الغراب يمتلك صوتًا قبيحًا -ككلّ الغربان- تكرهُه كلّ الحيوانات، ولم يكن أحدٌ يحبّ هذا الصّوت، ممّا سبّب لهذا الغراب حالة من الحزن؛ لأنّه لا أحد يحبّ صوته، فقرّر الانعزال عن باقي الحيوانات، حتّى أتى ذلك اليوم الذي صادف فيه ثعلبًا مكّارًا، في قصّة مشهورة اسمها حكاية الثعلب والغراب.

ذات يومٍ مرّ ثعلبٌ مكّار ذو فِراء ناعم بجانب شجرة يقف عليها الغراب، وكان الغراب يحمل في منقاره قطعة جبنة، وكان الثعلب جائعًا ويريد شيئًا يسدّ رمقه، فرأى قطعة الجبن التي في فم الغراب، فقرّر أن يجد طريقة ليأخذها من الغراب، ولأنّه يدرك أنّ الشّجرة عالية ولن يستطيع الصّعود إليها بنفسه، فإنّه يجبُ أن يجد طريقة يجعل فيها قطعة الجبن تنزل من منقار الغراب دون الصعود إليها، فلمعت في باله فكرة شرّيرة، وقال للغراب: أيّها الغراب، كيف حالك، أنا صديقك الثّعلب، قال الغراب: أهلًا بك يا ثعلب، من أين عرفتني، وماذا تريد مني؟ قال الثعلب: كل الحيوانات يتحدّثون عن صوتك، ويقولون إنّه رائعٌ وفتّان، هل لك أن تغنّي لي شيئًا؟ صدّق الغُراب كلام الثّعلب المكّار، وبدأ ينشد أغنية بصوته القبيح، ولكنّه ما إن بدأ بالغناء حتّى سقطت قطعة الجبن من فمه والتقطها الثعلب، وأخذها وفرّ مسرعًا، بينما سكت الغراب، وأدرك الحيلة التي انطلت عليه، وحزن حزنًا شديدًا، ولكنّه أخذ درسًا لن ينساه، ولن يخدعه الغرباء مرّة أخرى حتّى وإن ادّعوا الطيبة، وكان باديًا عليهم رقّة الطّباع ونعومة الفراء!

العبرة من هذه القصّة أنّ الغريب لا يوثَقُ به حتّى يُعاشر، ويبان خيره وشرّه، وعندها إن كان شخصًا خيّرًا فإنّه قد يستطيع الإنسان أن يثق به، ولكن إن كان شرّيرًا فإنّه يجبُ الابتعاد عنه وعدم الثّقة به، وهذا ما لم يكن يعلمُه الغراب في حكاية الثعلب والغراب، فقد وثق بالثعلب وهو لا يعرفه، وذلك لمجرّد أن حدّثه بلهجة ناعمة، وكان فراؤه ناعمًا ورقيقًا، فلذلك كان سهلًا على الثّعلب أن يخدعه ويسرق منه طعامه، ولذا على الإنسان أن يكون حذرًا مع الغرباء، وألّا يثق بهم إلّا بعد أن يختبرَهم، وهذه العبرة المستخلَصة من حكاية الثعلب والغراب.