بحث عن الهجرة النبوية
هجرات المسلمين
في بدايات انتشار الإسلام وبعد المجاهرة بالدين الجديد في أرجاء مكة المكرمة، تعرَّض المسلمون الأوائل لكثير من الأذى والسبِّ والشتمِ وغير ذلك من سوء المعاملة من قبل سكان قريش، فاضطر المسلمون إلى الهجرة والهروب من بطش قريش وأذاها، فأمر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المسلمين أن يهاجروا بداية إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثمَّ الهجرة الثانية إلى الحبشة، ثمَّ جاء الأمر الإلهي بالهجرة النبوية إلى يثرب، فهاجر المسلمون جميعًا من مكة إلى يثرب التي أصبح اسمها المدينة المنورة بعد دخول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إليها، وفيما يأتي بحث عن الهجرة النبوية المباركة.
بحث عن الهجرة النبوية
بعد أن اشتدَّ البلاء وعظم الأذى وازدادت معاناة المسلمين في قريش، خاصة بعد بيعة العقبة الثانية، أذن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- للمسلمين بالهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، واللحاق بالأنصار، وقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- فيما جاء في صحيح البخاري أنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال للمؤمنين عندما جاء إذن الهجرة: "إنِّي أُرِيتُ دارَ هِجْرَتِكُمْ، ذاتَ نَخْلٍ بيْنَ لابَتَيْنِ وهُما الحَرَّتانِ، فَهاجَرَ مَن هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ.."[١]، فسمع الصحابة قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وبدؤوا يخرجون من قريش إلى يثرب خفية واحدًا تلو الآخر، وكان أول الصحابة هجرة هو أبو سلمة بن عبد الأسد، وتبعه الصحابة الذين كانوا على الإسلام جميعًا، منهم من هاجر بمفرده ومنهم من خرجوا جماعات إلى يثرب، ولم يبقَ في المدينة من المسلمين إلَا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- وكلُّ مسلم محبوس أو محتجز أو ضعيف.[٢]
بعد أن هاجر المسلمون من مكة ولم يبق في قريش إلَّا أبو بكر وعلي مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وذات ليلة خرج رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- مع أبي بكر من مكة وبقي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في فراش رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- وفي تلك الليلة كانت قريش قد جمعت من كل قبيلة رجلًا، وجهزت عددًا من الرجال وقررت قتل رسول الله، وعندما دخل الرجال بيت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وجدوا علي بن أبي طالب في فراشه فعلموا بأمر هجرة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى المدينة، فأرسلت قريش رجالها لتتبُّع أثر النبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- وإرجاعه إلى مكة ولكن محاولات قريش للحاق برسول الله وأبي بكر باءت بالفشل، فقد كتب الله على نبيه الهجرة النبوية ووصل إلى يثرب، واستقبله الأنصار بالفرح والبُشرى، وبدأتِ الهجرات منذ ذلك الوقت حتّى فتح مكة من كلِّ البلاد التي وصل إليها خبر الإسلام، حتَّى قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم فتح مكة: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا"[٣].[٤]
وجديرة بالذكر قصة سراقة بن مالك وما حدث مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأبي بكر -رضي الله عنه- أثناء الهجرة النبوية، حيث يروي أبو بكر الصديق في الحديث الذي جاء في صحيح البخاري، قال: "فَارْتَحَلْنَا بَعْدَما مَالَتِ الشَّمْسُ، واتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بنُ مَالِكٍ، فَقُلتُ: أُتِينَا يا رَسولَ اللَّهِ، فَقالَ: لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ معنَا، فَدَعَا عليه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَارْتَطَمَتْ به فَرَسُهُ إلى بَطْنِهَا -أُرَى- في جَلَدٍ مِنَ الأرْضِ، -شَكَّ زُهَيْرٌ- فَقالَ: إنِّي أُرَاكُما قدْ دَعَوْتُما عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللَّهُ لَكُما أَنْ أَرُدَّ عَنْكُما الطَّلَبَ، فَدَعَا له النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَنَجَا، فَجَعَلَ لا يَلْقَى أَحَدًا إلَّا قالَ: قدْ كَفَيْتُكُمْ ما هُنَا، فلا يَلْقَى أَحَدًا إلَّا رَدَّهُ، قالَ: ووَفَى لَنَا"[٥]، وقد وعد رسول الله سراقة عندما لقيه بسواري كسرى، ودارت الأيام وأسلم سراقة بعد فتح مكة وفي خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فُتحت بلاد فارس فنادى عمر بن الخطاب لسراقة بن مالك وألبسه سواري كسرى، وكان وعد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لسراقة حقًّا، وهذه إحدى معجزات رسول الله أثناء الهجرة النبوية ومن معجزاته أيضًا ما ذكر الماوردي في قوله: "فمن معجزاته -صلى الله عليه وسلم- عصمتُه من أعدائه، وهم الجمُّ الغفير، والعددُ الكثير، وهم على أتمِّ حَنَقٍ عليه، وأشدِّ طلبٍ لنفيه، وهو بينهم مسترسلٌ قاهر، ولهم مخالطٌ ومكاثر، ترمُقُه أبصارُهم شزرًا، وترتد عنه أيديهم ذعرًا، وقد هاجر عنه أصحابه حذرًا حتَّى استكملَ مدَّته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليمًا، لم يكْلَم في نفسٍ ولا جسد، وما كان ذاك إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه الله تعالى بها فحققها، حيث يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[٦] فعَصَمَه منهم".[٧]
وفي ختام ما وردَ من بحث عن الهجرة النبوية يمكن القول إنَّ الهجرة النبوية المباركة حدث من الأحداث العظيمة التي غيرت التاريخ الإسلامي كاملًا، وغيَّرت سَيْرَ الدعوة الإسلامية، فقد نقلتِ الهجرةُ المسلمين من الضعف إلى القوة ومن الخوف إلى الأمان، نقلتِ المسلمين من مجتمع مكة القائم على الثارات والحروب والترصُّد والخوف من الآخرين إلى مجتمع المدينة القائم على الحب والتآخي، من بلد تعبد الأوثان والحجارة إلى بلد فيها من فيها من أهل الكتاب، فبعد أن اشتدَّ البلاء على المسلمين في قريش وكثر الأذى وبدأت قريش تترصَّد وتخطط لقتل رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- جاء الأمر بالهجرة من مكة إلى المدينة، هربًا بدين الله في سبيل بناء دولة إسلامية تكون قاعدة لنشر الدين الإسلامي في الجزيرة العربية كاملة، وقد اتخذ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيما بعد تاريخ الهجرة النبوية تأريخًا خاصّة بالمسلمين وهو مازل سائرًا حتَّى اللحظة.[٨]المراجع[+]
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3905، صحيح.
- ↑ "الهجرة النبوية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2825، صحيح.
- ↑ "هجرة نبوية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 17-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 3615، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 67.
- ↑ "الهجرة النبوية الشريفة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "عبر من الهجرة النبوية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-05-2019. بتصرّف.