مفهوم النص عند رولان بارت
رولان بارت
يعدُّ رولان بارت ناقدًا فرنسيًّا وفيلسوفًا من أبرزِ أعلام الفلسفة الغربيّة، اهتمّ بعلم العلامات السيمولوجيا وعَدّ من روّادها، وكان لهم إسهامات نظريّة مهمة في المنهج البنيويّ في النقد الأدبي وما بعد البنيوية، وقد اهتمّ بارت كثيرًا باللغة وتعمّق في دراستها، وقد ظهر هذا العمق بداية في كتابه الكتابة في درجة الصفر، أتبعه بعد ذلك بمجموعة من الكتب متعلقة بدراسة اللغة منها أساطير، ومقالات نقدية، ومدخل إلى التحليل البنيوي للسرد الروائي. كان رولان بارت من أعلام البنيوية لكنه تحول عنها في كتابة لذة النص، وهنا برز مفهوم النص عند رولان بارت الذي يتضمّن لذة الكتابة كإرهاصٍ نظريّ. للتفكيكية ما بعد البنيوية. [١]
مفهوم النص عند رولان بارت
عَرف النص عبر التاريخ عددًا من الدلالات التي اختلفتْ باختلاف المنهج النقديّ الذي يتناوله، وطريقة الاشتغال عليه، والشخص الذي يقاربه مقاربة نقديّة، ولكن جميع الدلالات جاءت مُضاءة بالمفهوم اللغويّ للنص وهو الرفع والظهور، ومن هذا التعريف عمل العديد من النقاد على النص لإظهاره، مع عدم الثبات على تعريفه اصطلاحيًّا.
وقد برز مفهوم النص عند رولان بارت كواحد من المفاهيم المتعدّدة للنصّ، التي اختلفت باختلاف المراحل النقديّة التي مرّ بها، واختلاف الممارسات الإجرائيّة التي تناول بها النص، وكان بحثُه من العمل إلى النص من أبرز أعماله النقدية التي ظهر فيها مفهوم النص عند رولان بارت من خلال تفريقه بين النص الأدبي والعمل الأدبي، فالأخير عند بارت هو شيء مادي ملموس يستطيع الإنسان تناوله باليد، وهو شيء أحادي خاضع للتصنيف، يمتلكه كاتبه، ومرتبط بالأنواع والأجناس.
في حين أن مفهوم النص عند رولان بارت تعدُّديّ (تناص) يظهر من خلال اللغة والمنهج فقط، متجاوزًا الأجناس والأنواع الأدبية، وهو ملك للقارئ، يقرأه قراءة إنتاجية مقتربة من الكتابة، يُعيد فيها بناء معانٍ جديدة للنص، فيكتب من خلال قراءته نصًّا جديدًا فوق النص، ولا يقتصر على ذلك، بل يعطيه تعريفًا لُغويًّا، فهو: "نسيج من الكلمات، ومجموعة نغمية و جسم لغوي"، ومن الناحية السيميائيّة فهو: "نسيج من الدوالّ التي تكون العمل"، وفي التعريفين يحدد هذا النسيج بأنه نسيج ستار متماسك متشابك في إطار كلي يخفي خلفه المعنى الحقيقي، وتحكمه وحدة كلية تربط بعضه ببعض، وتحقق داخله مجموعة من الأفكار التوليديّة. [٢].
ويقول رولان بارت في حديثِه عن النص "أحبّ النص لأنه بالنسبة إلي هو هذا الفضاء اللغويّ النادر الذي يغيب فيه كل شجار -بمعنى الشجار بين الأزواج- وتغيب فيه كلّ مماحكة لفظية، وليس النص أبدًا "حوارًا" ليس فيه شيء من مخاطر المراوغة والعدوان والمساومة وليس فيه تنافس للهجات الفردية، إنّه يؤسس في حضن العلاقة البشرية …". [٣].
مفهوم لذة النص
يمكن التعرّف إلى مفهوم النص عند رولان بارت عن قُرب من خلال كتابه لذة النص، الذي يرى فيه أن على مَن يعمل في تحليل النصوص أنْ يفرّق بين مفهومَيْن للنص، الأول بنية النص، والثاني تخلّق النص من خلال ما فيه من علاقات متشابكة ومتبادلة بين النص وكاتبه وبين النص وقارئه، وما تتركه هذه العلاقات من لذّة الاكتشاف والدلالة والتأويل.
يرى بارت أن لذة القراءة تعني لذة الكتابة، ولذة القراءة لا تتحقق لدى القارئ إلا من خلال بحث الكاتب عن قارئه وغوايته غواية مؤثثة لنص الخطاب ومقرونة باللذة، ممّا يدفع بالقارئ إلى المشاركة في عملية كتابة النص، وتحوله من مستهلك للنص إلى فاعل في إنتاجه. وبالتالي على القارئ أن يتمتّع بعدد من الشروط ليحقق للنص لذاذَتَه، وهي أن يكون مثقفًا، وقادرًا على فكّ شيفرات النص الأدبيّ، ليتعرف إلى مواضع الإبداع والجمال فيه، وقراءته قراءة شاعريّة، متجاوزة لأيّ إسقاطاتٍ قرائيّة.
ويقومُ مفهوم النص عند رولان بارت على نسيج لُغويّ له مظهران دال ومدلول، يتولّد في حالة من اللاوعي لدى الكاتب ويكتب في الوعي، مكوّنًا بذلك نصًّا مغناجُا يجذبُ القارئ إليه، ويخلق لديه نوعًا من التفاعل الحرّ مع عالم متخيّل، وبالتالي فإنّ مفهوم النص عند رولان بارت لا يتحقّق إلّا من خلال تفاعل المتلقّي مع النص، وشرحه وفَهمه وتحليله والتفاعل معه تفاعلًا واعيًا ينقله من مستوى الشرح والوصف إلى مستوى التأويل، ويحقق له قيمته الجماليّة. [٤]المراجع[+]
- ↑ "رولان بارت"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "النص وتعريفاته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "النص والتلقي"، www.ahewar.org، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2019.
- ↑ "قراءة في كتاب -لذة النص-"، www.ahewar.org، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.