أحداث فتح جزيرة قبرص
محتويات
جزيرة قبرص
تقع جزيرة قبرص في البحر المتوسط وهي إحدى أكبر جزر هذا البحر، وتعتبر اليوم دولة مستقلة بذاتها، وتقع جنوب شرق قارة أوروبا، وقد تعرَّضت قبرص في تاريخها إلى كثير من الغزو الخارجي، فانتقلت من حكم الرومان إلى المسلمين ثمَّ الرومان وظلَّ التنازع عليها قائمًا حتَّى أواسط القرن الماضي، وينتشر فيها اليوم الدين المسيحي والإسلامي، وقد تعرَّضت قبرص للفتح الإسلامي أول مرة في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهذا المقال سيسلِّط الضوء على أحداث فتح جزيرة قبرص من جوانب عدَّة.
الفتوحات في خلافة عثمان بن عفان
تولَّى أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- خلافة المسلمين بعد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد ازدادت في عهده رقعة الدولة الإسلامية في عهده واتسعت اتساعًا كبيًا، فقد فُتحت في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مناطق واسعة من تركيا وخراسان ونيسابور، ووصلت جيوش المسلمين إلى أنطاكية وتوغلت في شمال أفريقيا، فقد أعطى عثمان الأمر لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- للتوغل في شمال أفريقيا فوصل المسلمون إلى طرابلس والجزائر والمغرب، وقد تمَّ تأسيس أول أسطول بحري في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بمشورة والي الشام آنذاك معاوية بن أبي سفيان، فعبر المسلمون البحر وتم فتح جزيرة قبرص بواسطة الأسطول البحري الإسلامي الأول، وهذه الفتوحات العظيمة كانت كلُّها قبل النزاعات والخلافات والفتن التي ماجت بالأمة في أواخر خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وانتهت بمقتله، والله تعالى أعلم.[١]
قبرص في عهد عمر بن الخطاب
كان معاوية بن أبي سفيان واليًا على الشام في عهد خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وفي ظلِّ الفتوحات الإسلامية الكبيرة التي كانت في عهد عمر، أرسل معاوية بن أبي سفيان رسالة إلى عمر يطلب منه الإذن لفتح جزيرة قبرص، وبرَّر له ما يريد باقتراب الروم من حمص، ولأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يخاف على المسلمين من ركوب البحر، كتب رسالة إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنه يسأله عن البحر، فردَ عليه عمرو بن العاص قائلًا: "إنِّي رأيت خلقًا كبيرًا يركبه خلقٌ صغير ليس إلا السَّماء والماء، إنْ ركَدَ خرق القلوب وإن تحرك أزاغ العقولَ، يزاد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، وهم فيه كدود على عود، إنْ مال غرق وإن اعتدل برق"، فلمَّا قرأ عمر ما كتب عمرو بن العاص، بعث إلى معاوية قائلًا: "والذي بعث محمدًا بالحقِّ، لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا، وقد بلغني أنَّ بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن الله في كل يوم وليلة أن يغرق الأرض، فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر باللَّه، لمُسْلمٌ أحبُّ إليَّ مما حوت الروم وإياك أن تعرض إليَّ فقد علمت ما لقي العلاء مني"، فتأخر فتح جزيرة قبرص في عهد عمر إلى أن استلم عثمان وأمر ببناء أسطول بحري قام بفتحها.[٢]
أحداث فتح جزيرة قبرص
أذن الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لمعاوية بن أبي سفيان والي الشام ببناء أسطول بحري لغزو جزيرة قبرص، فكتب إليه: "لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم، خيِّرهم، فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه"، وكان لمعاوية ما أراد حيث جهز أسطولًا بحريًا وانتخب الناس، فخرج في الأسطول أبو ذر الغفاري وأبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وكان قائد الأسطول عبد الله بن قيس الحارثي، خرج جيش المسلمين من سواحل عكا وقصدوا جزيرة قبرص، عندما نزل الجيش الإسلامي على ساحل قبرص، وقعت أم حرام بنت ملحان عن دابتها فماتت ودفنت هناك، ثمَّ اجتمع الصحابة الكرام واتفقوا على أن يبعثوا برسالة إلى أهل قبرص يخبروهم أنهم لم يأتوا لغزو البلاد وإنَّما جاؤوا لدعوة أهلها إلى الإسلام ولتأمين حدود الشام من هجمات الروم البيزنطيين، ولكنَّ أهل الجزيرة لم يقبلوا طلب المسلمين وتحصنوا في حصونهم ولم يخرجوا لملاقاة المسلمين، فقام المسلمون بمحاصرة قبرص حتَّى طلب أهلها الصلح فوافق المسلمون على الصلح ووضعوا شروطًا خاصة بهم وهي ألَّا يدافع المسلمون عن الجزيرة وألَّا يخبر سكان الجزيرة بتحركات المسلمين وأن يدفع أهل قبرص الجزية للمسلمين وألَّا يساعدوا الروم في غزو المسلمين أبدًا، وفي سنة 32 للهجرة نقض أهل الجزيرة الصلح بمساعدتهم الروم في غزو المسلمين، فقرر معاوية أن يستولي على الجزيرة ويضعها تحت حكم المسلمين، فهاجم قبرص بمساعدة جيش عبد الله بن سعد بن أبي السرح الذي كان واليًا على مصر، فسيطروا عليها وغنموا غنائم كثيرة، وتم فتح جزيرة قبرص وضمها لبلاد المسلمين وإرسال حامية من المسلمين تتألف من اثني عشر ألفًا من الجنود، استقروا فيها وبنوا فيها مسجدًا للمسلمين، والله أعلم.[٣]
نبوءة الرسول بفتح جزيرة قبرص
ثبت في صحيح البخاري إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- تنبأ بفتح جزيرة قبرص ومشاركة أم حرام بنت ملحان -رضي الله عنها- في الفتح، حيث روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَدْخُلُ علَى أُمِّ حَرَامٍ بنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ -وكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ- فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فأطْعَمَتْهُ وجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهو يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلتُ: وما يُضْحِكُكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِن أُمَّتي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً في سَبيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هذا البَحْرِ مُلُوكًا علَى الأسِرَّةِ، أوْ: مِثْلَ المُلُوكِ علَى الأسِرَّةِ، شَكَّ إسْحَاقُ، قَالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ، فَدَعَا لَهَا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ثُمَّ وضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهو يَضْحَكُ، فَقُلتُ: وما يُضْحِكُكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِن أُمَّتي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً في سَبيلِ اللَّهِ - كما قَالَ في الأوَّلِ - قَالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَنِي منهمْ، قَالَ: أنْتِ مِنَ الأوَّلِينَ، فَرَكِبَتِ البَحْرَ في زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بنِ أبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عن دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ"[٤]، والله تعالى أعلم.[٣]المراجع[+]
- ↑ "ثالث الخلفاء عثمان بن عفان (2)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "الكامل في التاريخ"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-05-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "الفتح الإسلامي لقبرص"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2788 ، صحيح.