قضايا النقد العربي القديم
محتويات
تعريف النقد
يُعرّف النقد أنّه علمٌ يقوم على دراسة الأعمال الأدبيّة، وتفسيرها وتحليلها، ثمّ موازنتها بغيرها، والحكم عليها بالجودة والرّداءة لبيانِ قيمتها ودرجتها، وقد كان النقد قديمًا نقدًا انطباعيًّا بعيدًا عن الأسس المنهجيّة، ومع التطوّر الأدبيّ، أصبحت له أسُسه ومدارسه التي يقوم عليها، متناولًا من خلالها زوايا النصّ الداخليّة والخارجيّة، ويُلحظ أنّ قضايا النقد القديم تختلفُ عن قضايا النقد الحديث، وإن كان حقلها الرئيس الأدب، ففي النقد القديم تعدّدت القضايا النقديّة التي تناولَها النّقاد القدامى في كتاباتهم المتنوّعة، حتى أخذت حيّزًا كبيرًا في نظريّاتهم النقديّة، وقد لامست بشكل أو بآخر قضايا النقد الحديث وشابهتها، وتاليًا عرض لملخص قضايا النقد العربي القديم. [١]
الأسواق الأدبية عند العرب
عُرفت الأسواق الأدبية في ملخص قضايا النقد العربي القديم أنّها تجمّعات اجتماعيّة وتجاريّة وثقافيّة، تُقام في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربيّة، ويأتيها العرب من كلّ الجزيرة ليتاجروا ويتفاخروا وليسمعوا المواعظَ والخطب، ويَسعوا في فكّ أسراهم عند القبائل الأخرى، كما كانت هذه الأسواق تجمّعات للالتقاءِ الشعراء الذين يتناشدون الشعر ويحتكمون فيه إلى كبارهم؛ كالنابغة الذبياني، الذي كانت تضرب له قبة حمراء يحكم فيها بين الشعراء، وكان النقد في هذه المرحلة للشعر نقدًا ذوقيًّا انطباعيًّا، فمثلًا كلمة الذبياني هي الكلمة الفاصلة وذوقه هو الفاصل، وإذا ما أعجبته قصيدة انتشر ذكرها في الجزيرة وتناشدَها العرب في كلّ مكان، وكان للنساء أيضا في ملخص قضايا النقد العربي القديم حضورٌ في الحُكم وحلّ الخصومات وإبداء الرأي السّديد، منهن حَذام بنت الريّان، وصُحر بنت لقمان، وجمعة بنت حابس الإيادي، وابنة الخس، وخصيلة بنت عامر بن الظَّرب العدواني.
أمّا أشهر هذه الأسواق على الإطلاق فأربعة، والتي كان للشعر والنقد حضورٌ كبيرٌ فيها، وهي: سوق عكاظ الذي كان يُقام لعشرين يومًا بين مكّة والطائف، وهناك سوق مجنة التي كانت تقام بأسفل مكة، وكان الناس يأتون إليها بعد سوق عكاظ ويقيمون بها الليالي العشر أو العشرين الباقية من ذي القعدة، فإذا رأوْا هلال ذي الحجة انتقلوا إلى ذي المجاز للحج، التي تبعد ثلاثةَ أميال عن عرفات، ويلي سوق عكاظ أهميّة، وهناك أيضا سوق المربد. [٢]
ملخص قضايا النقد العربي القديم
إن المُتابع لملخص قضايا النقد العربي القديم، يلحظ أنّ أغلب هذه القضايا كانت مركزًا للحركة النقديّة والأدبيّة في العصر العباسي، وإنْ سبق ظهورُها قبل ذاك العصر، ولكنّها وصلت ذروتَها، بوصول قضايا النقد العربي القديم ذروتها في العصر العباسي، ولكنّه من خلالها يستطيع أن يتعرّف إلى الملامح النقديّة التي اعتمدها النقاد في العصر الجاهلي والإسلامي والعباسي والأندلسي، وأن يقارن بين وجهات نظر النقاد في كلّ قضية من ملخص قضايا النقد العربي القديم في العصر العباسي، كما أنّه يستطيع أن يستثمرَ التحليل النقديّ في تذوّق جمال النص الأدبي وتقدير أهمية النقد الأدبي، وتاليًا عرض سريع لملخص قضايا النقد العربي القديم.
اللفظ والمعنى
في ملخص قضايا النقد العربي القديم احتلت هذه القضية حيّزًا كبيرًا في كتابات النقاد العرب القديم؛ لِما للفظ والمعنى من أهمية في تشكيل النص الأدبي، وكان من أبرز النقاد الذين تناولوها بالدرس: الجاحظ وابن قتيبة وابن رشيق القيرواني وعبد القاهر الجرجاني وابن شهيد وابن الأثير وغيرهم، وتاليًا عرض لبعض آرائهم فيها: [٣]
- الجاحظ: فصل الجاحظ بين اللفظ والمعنى، وجعل المعاني مطروحة في الطريق للجميع، وهي المادّة الأولية للشعر، ولكنّ الفضل يعود للفظ، الذي يدعو معه إلى حُسن صياغته، وجودة سبكه، وسهولة مخرجه.
- ابن قتيبة: وهو يفصل بين اللفظ والمعنى، ويجعلهما كيانَيْن مستقلين، ويُقسّم الكلام إلى أربعة أقسام: قسم حسن لفظه وجاد معناه، وقسم حسن لفظه دون فائدة من معناه، وقسم جادَ معناه وقصرت ألفاظه عنه، وقسم تأخّر معناه ولفظه.
- ابن شهيد الأندلسي: وهو يرى بضرورة التحام اللفظ بالمعنى، فالشعر ليس باللفظ وحده، ولكن باللفظ والمعنى معًا.
- ابن رشيق القيرواني: يربط بين اللفظ والمعنى، ويرى بأن المعنى روح منصبّة في جسم اللفظ، فإذا قوي الجسد قويت الروح، وإذا ضعف الجسد ضعفت الروح.
- ابن الأثير: وهو يفضل المعنى على اللفظ، وَعَدَّ المعاني الجديدة والمخترعة هي أساس الحكم على الشاعر بالإبداع، وأنّ إبداعَ الشاعر الحقيقيّ يكمن في قدرته على الإتيان بمعنى غريب لم يطرق من قبل، ومن هنا يقسم المعاني إلى قسمين: إبداع من غير اقتداء، واحتذاء على رسمٍ سَبَق.
السرقات الشعرية
السرقات الشعريّة في ملخص قضايا النقد العربي القديم هي أن يقومَ شاعر بأخذ الألفاظ أو المعاني أو الاثنين معًا، واستخدامهما في شعره، دون الإشارة إلى صاحب الشعر أو نسبة ما أخذ منه إليه، وقد برزت هذه القضية في ملخص قضايا النقد العربي القديم من العصر الجاهلي واشتغل بها النقاد حتى العصر الحديث، ولكنّها برزت بشكل أوضح في العصر العباسي، مع ظهور الخصومة بين أبي تمام والبحتري، وذلك لعوامل عدّة هي: [٤]
- الخلاف بين المُحدَثين والمحافظين في ملخص قضايا النقد العربي القديم: فعندما لمعَ صيت أبي تمام بوصفه شاعرًا مجدّدًا، وكان له مذهب جديد في الشعر وله أتباعه من خلال اعتنائه بالاستعارات والتشبيهات واستخدامها في شعره، برز أتباع البحتري القديم في شعره واتّهموا أبا تمام بالسرقة من الأقدمين؛ لإخراجه من دائرة التجديد في الشعر عن خطّ القدماء، وهذا الأمر جعل النقاد ينقسمون إلى فئتين: فئة تفضل الصنعة عند أبي تمام، وفئة تفضل الطبع عند البحتري.
- التعصّب: فقد كانت السرقات الشعرية وسيلة للطعن في الخصوم، دون النظر إلى مزايا العمل الأدبي، فأصبح النقاد يتتبعون جزئيات قصائد الشعراء المحدثين، لمطابقتها بقصائد الشعراء الأقدمين وإثبات السرقات، وقد تطرّق ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء إلى هذه القضية، وقسم السرقات إلى قسمين، مثبتًا وجودَ السرقات، وهذان القسمان هما: سرقة اللفظ وسرقة المعنى، ومن الأمثلة التي استشهر بها على سرقة اللفظ قول امرئ القيس:
فلأيا بللأي ما حملنا غلامنا
- على ظهر محبوك السراة مجنب
ورأوْا أنّ زهير بن أبي سلمى قد سرق اللفظ من الشطر الأول للبيت وضَمّنه شعرَه قائلًا:
فلأيا بللأي ما حملنا غلامنا
- على ظهر محبوك ظماء مفاصله
ويذهب ابن طباطبا في كتابِه عيار الشعر، إلى أنّ الأقدمين قد سبقوا المُحدَثين في المعاني البديعة والألفاظ الفصيحة، ولكنّه أشاد بالشعراء الذين يستطيعون الإتيانَ بالمعاني المسبوق إليها من خلال وضعها في ألفاظ جديدة، أمّا الآمدي في كتابِه الموازنة بين الطائيّين، فقد نفى السرقة عن المعاني المشتركة المتداولة بينَ الناس، إنّما في المعاني البديعة التي يختصّ بها شاعر دون آخر، وقد أكّد على هذا الرأي عبد العزيز الجرجاني في كتابه الوساطة بين المتنبّي وخصومه.
الصدق والكذب
كان للنقاد في هذه القضية آراء مختلفة في ملخص قضايا النقد العربي القديم، فالمألوف كراهيّة الكذب، ولكنّ الشعراء أبدعوا في الكذب في شعرهم حتّى لَفَتوا النقاد إليهم، فذهب عدد منهم للقول "أعذبُ الشّعرِ أكذبُه"، وكان ابن حزم الأندلسي من أبرز مَن أخذوا بهذا الرأي، عندما رأى أن الشاعر سيكون محطًّا للسخرية إذا أُخذ بالصدق، واستثنى من رأيِه أشعار الحكم والمواعظ والمدائح النبوية؛ لأن الأصل فيها الصدق، أما أبو هلال العسكري في كتابه الصناعتين، فذهب إلى أغلب الشعر قائم على الكذب، لما فيه من صفات خارجة عن المألوفة والعادة، خاصة في المدح والهجاء والغزل، ولا يُقصد من هذا الكذب إلا جودة المعاني وحسن الألفاظ، ولكنّ أصحاب هذا الاتجاه يؤكّدون على أن الكذب مجاله التخييل والتمثيل، وهدفه تلطيف الحقيقة وتلوبنها [٥]، وفي ذلك قال البُحتريّ: [٦]
كلفّتُمونا حدودَ منطقِكم
- والشعرُ يُغني عن صدقِه كَذبُه
وقد رأوْا أنّ بيت بشار بن برد الآتي هو من المبالغات الممقوته في الكذب، إذ يقول:
إذا ما غَضبْنا غضبةً مُضَرِيّةً
- هَتَكْنَا حِجَابَ الشَّمْسِ أوْ أمطرَتْ دما
إنّ مثل هذه المبالغات الممقوتة في ملخص قضايا النقد العربي القديم هي ما دفعت الفريق الثاني من النقاد إلى رأي "أعذب الشعر أصدقه"، ودَعَوْا إلى إظهار الحقيقة كما هي دون مجاوزة الحدّ، ذلك أنّ من يتجه إلى المبالغة هو من عجز عن استخدام المألوف، ويُحكى أنّ عمر بن الخطاب كان يفضّل شعر زهير بن أبي سُلمى لصدقِه، ومن أنصار هذا الرأي ابن طباطبا في كتابِه عيار الشعر.
عمود الشعر العربي
وقد ظهرت هذه القضية في ملخص قضايا النقد العربي القديم في الشعر نتيجة التعدديّة الثقافيّة والعِرقيّة والفكريّة، ونتيجة ظهور ظواهر جديدة في الشعر كظاهرة البديع الذي أولاه مسلم بن الوليد اهتمامه وأكثر من استخدامه، حتى عدّ رأس مدرسة البديع، ومنها أيضًا ظاهرة التجديد التي برزت في شعر أبي تمام، حتى عدّه العديد من النقاد مفسدًا الشعر بخروجه عن تقاليد الشعر العربي، ومن هنا كان لا بدّ من ظهور مصطلح عمود الشعر ضمن ملخص قضايا النقد العربي القديم؛ ليُؤكّد من خلاله النقاد على التقاليد الشعريّة والسنن المتبعة والمتوارثة عند الشعراء العرب [٧]، وقد تحدّث العديد من النقاد عن عمود الشعر، وكان لأبي علي المرزوقي الفضل في جمع ما كتب عنه في الكتب النقديّة المتفرّقة في كتاب واحد هو شرح ديوان الحماسة، وصاغ فيه مفهوم عمود الشعر وأصوله السبعة التي بُني عليها، وهي: [٨]
- شرف المعنى وصحته: كأنْ يكونَ المعنى مقبولًا في الفكر، متلائمًا مع قرائته، مُبرِزًا الغرض الذي يريدُه الشاعر، ومنه قول المتنبي:
وكل امرئ يولي الجميل محبّبُ
- وكل مكان ينبت العزّ طيبُ
- جزالة اللفظ واستقامته: وقد حدّد النقاد مجموعة من الشروط الواجب توفّرها في اللفظة لتكون مقبولة، منها أن تكون حروف اللفظة متباعدة المخارج، وأن تكون شائعة دون أن تكون عاميّة في الوقت ذاته، وألّا تخالف قواعد اللغة وقوانيها.
- الإصابة في الوصف: وهو أن يصوّر الشاعر ما يريده من خلال الإحاطة به، وإبرازه كما هو في خارج النص الشعري، وقد عُدّ قول البحتري الآتي من عدم الإصابة في الوصف:
ذنبٌ كما سُحب الرداء يذبّ عن
- عرفٍ، وعرفٌ كالقناع المسْبَلِ
- التحام أجزاء النظم والتئامها على تخيّر من لذيذ الوزن: ويعني ذلك إجادة تأليف الكلام وحُسنه، وبما يحقق التحامه سواء على مستوى البيت الشعري الواحد أم على مستوى القصيدة كاملة، ويقترن هذا الشرط بالجانب الموسيقيّ بما يطرب الأسماع، ويحقّق انسجامها الموسيقيّ.
- التناسب بين طرفَيْ الاستعارة: أي أنْ تكونَ العلاقة بين المشبّه والمشبّه به واضحة، يسهل معها الوصول إلى وجه الشبه، وكان هذا الأمر مطلوبًا في التشبيه واجبًا في الاستعارة لغياب أحد طرفَيْ التشبيه فيها، ومن الاستعارات البعيدة وغير المقبولة قول أبي نواس في البيت الآتي، وقد أخذوا عليه بُعد العلاقة بين المال والصوت:
بُحّ صوتُ المالٍ ممّا
- منك يشكو ويَصيحُ
- مُشاكلة اللفظ للمعنى وشدّة اقتضائهما للقافية: ويعني أن الألفاظ بما تتضمنه من معانٍ عليها أن تناسب الغرض الشعري حسب عبد القاهر الجرجاني، وأن يكون لكلّ مقام مقال، أما اقتضاء اللفظ للقافية، أيْ استخدام كلمة القافية في سياقها الذي يتطلّبها، ولا يستخدمها الشاعر من باب الضرورة الشعريّة.
الطبع والتكلّف
وبرزت القضية في ملخص قضايا النقد العربي القديم، للتفريق بين الشعر الذي قيل تكلّفا وبعد اعمال الصنعة فيه، وبين الشعر الذي قيل طبعا وكان نتاج ملكة شعرية عند الشاعر، وقد خاض في هذه القضية العديد من النقاد، منهم ابن قتيبة، وابن سلام الجمحي والجاحظ والجرجاني، وإن اختلفت المسميات بينهم لنفس القضية، فابن قتيبة رأى أن الشعر إما متكلف أو مطبوع، وقد ذكر نصّا "وهذا الشعر بيِّن التكلف ردئ الصنعة، وكذلك أشعار العلماء، ليس فيها شيء جاء عن إسماح وسهولة، كشعر الأصمعي، وشعر ابن المقفع، شعر الخليل، خلا خلف الأحمر، فإنه كان أجودهم طبعًا وأكثرهم شعرًا".
أما ابن سلام فقد ذهب إلى أن الشعراء يفتروق بين الطبع والتكلف، وذهب أيضا إلى تميّز الشعراء في غرض دون آخر، لذلك جعل لبعض الأغراض الشعرية طبقة خاصة لتميز الشعراء فيها، ومنها طبقة المراثي. ورأى ابن قتيبة في الجانب نفسه، أن بعض الأغراض الشعرية تكون أقرب للطبع عند بعض الشعراء من أغراض أخرى، فيسهل عليهم النظم عليها[٩].المراجع[+]
- ↑ "تعريف النقد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "أسواق العرب في الجاهلية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "في قضية اللفظ والمعنى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "السرقات الشعرية"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2019. بتصرّف.
- ↑ ابن أبي الحديد، الفلك الدائر على المثل السائر، صفحة 305، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ "أبَى طَلَلٌ بِالجِزْعِ أَنْ يتكلما"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019.
- ↑ "في قضية اللفظ والمعنى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد المراغي، علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع، صفحة 280، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "قضية الطبع والتكلّف"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2019. بتصرّف.