سؤال وجواب

شعر الحكمة في العصر العباسي


مفهوم الحكمة

الحكمة هي العلم والحِلم والخبرة، وهي خلاصة تجربة حياتيّة ومعاناة اجتماعيّة، ينطق بها صاحبها بكلام وجيز ودقيق، ليعبّر فيه عن مبدأ أو رأي أوحقيقة، يوجّهه إلى سامعيه ومن حوله للاتّعاظ والإرشاد، وشروطها أن تكون شاملة وعامّة، ولكي يكتب لها الاستمراريّة والخلود، يجب أنْ تنطبق على كلّ النّاس في كلّ مكان وزمان، والحكمة موجودة في شعرنا العربيّ، منذ ظهوره وعلى مرّ العصور الأدبيّ حتّى العصر الحاضر، والنّاس في كلّ زمان ومكان يحتاجون إلى من يرشدهم، ويوجههم، ويستخرج لهم عِبر الزّمان، كليلة ودمنة الهنديّة التي ترجمت للفارسيّة ثمّ نقلها ابن المقفّع إلى العربيّة فتمثّلوا كلّ ذلك شعرًا، وضمّنوا بعضه أبياتهم، وما كادوا يقعون على كتابيّ الأدب الكبير والأدب الصّغير اللّذين نقل فيهما ابن المقفع تجارب الفرس وحكمهم ووصاياهم في الصّداقة والمشورة وآداب السّلوك حتّى أخذوا يفردون المقطّعات في تصويرها شعرًا، يقول الغزل، لتلخّص تلك التّجربة في حكمة أو اثنتين خلال القصيدة، فزهير بن أبي سلمى ضمَّن معلقته شذرات من تجربته تخدم غرض القصيدة، وتميّز شعر الحكمة العبّاسي بإفراد قصائد أو مقطوعات كاملة للحكمة، ينتقل الشّاعر فيها من عرش الشّاعر العفويّ إلى كرسي الناظم المعلم، يجمع فيها كل ما وافق وزنُه وثمُنَ معناه، من ذلك قصيدة (ذات الأمثال) لأبي العتاهية التي جمع فيها كثيرًا من الأمثال البليغة، إذ تبلغ نحو أربعة آلاف مَثَل، ومن الشّعراء الذين كانت لهم في الحكمة قصائد كاملة صالح بن عبد القدوس، يقول: [٣]

المَرءُ يَجمَعُ وَالزّمـــــانُ يُفـــرِّقُ

وَيَظــــلُّ يــَرقّعُ وَالخُطُوبُ تُمَزِّقُ

وَلأن يُعــــــادي عاقِـــــلاً خَيرٌ لَهُ

مِن أَن يَكــــونَ لَــهُ صَديقٌ أَحمَقُ

مِن أَن يَكــــونَ لَــهُ صَديقٌ أَحمَقُ

إنّ الصّديقَ عَلى الصّديقِ مُصدَّقُ

وَزِنِ الكَــــلامَ إذا نَطَقتَ فَإِنَـــــّما

يُبْدي عُيوبَ ذَوي العُقُولِ الْمَنْطِقُ

شواهد على شعر الحكمة في العصر العباسي

الحِكمَةُ هي حقيقة إنسانيّة يعبّر فيها الأديب عن وجهة نظره، وهي العدل والحِلم وقول الحقّ المطلوب، والحِكمَةُ: الفلسفة، ويمكن القول إنّ الحِكمة أعمّ من الحُكم، فالحِكمة حُكمٌ، ولكن ليس كلّ حُكمٍ حكمةً، وقد تعرّض الكثير من الشّعراء العرب وعلى مرّ العصور لغرض الحكمة، وذلك لما خبروه من ضنك العيش ومرارة الأيّام، فنطقوا بكلام يحمل العظة والإرشاد لسامعيه، وقد أجاد الشّعراء في فن الحكمة، واستمدوا معانيهم من وحي الخيال والواقع المعيشي فأعادوا للشعر بهجته وروعته وحكمته، ومن شعراء الحكمة في العصر العبّاسي:

  • أبو تمّام الطّائي: يقول في بَيْتيْه أنّه لا يمكن نسيان الحبيب الأوّل مهما تقدّمت بنا الأيّام والسّنون، فلم يُعرف طعم الحبّ إلّا من خلال اللقاء بالحبيب الأوّل، ولذلك بقيت ذكراه منقوشة في القلب. [٤]

نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ من الهوى

مَا الْحُبُّ إِلاَّ لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ

كَمْ مَنْزِلٍ فِي الْأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى

وَحَنِينُهُ أَبْدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ
  • أبو نُوَاس: وفي بَيْتَيْه يطلب أبو نُواس من مرشده ألّا تكثرَ من لومه لأن ذلك سيزيده بعدًا وانحرافًا، وأخبره بأنّ من يدّعي الفلسفة في علمه، بأنه لا يمكن لأحدٍ أن يحوز العلم كلّه، يقول: [٥]

دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ

ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ

فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ً

حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ
  • المتنبّي: وفي البيت الآتي يقول المتنبي أنّه يسهل عليه أن يصاب بأيّ عاهة في جسمه، ولكن لا يصعب عليه بأن يتعرّض عرضه أو عقله لأيّ أذى: [٦]

يَهُونُ عَلَيْنَا أنْ تُصابَ جُسُومُنَا

وَتَسْلَمَ أعْراضٌ لَنَا وَعُقُولُ

المراجع[+]

  1. "حكمة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 04-06-2019. بتصرّف.
  2. "بشار بن برد >> أَبا مُسلمٍ ما طُولُ عَيْشٍ بِدَائمِ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 04-06-2019.
  3. "الحكمة"، www.books.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 04-06-2019.
  4. "ما الحب إلا للحبيب الأول.. وكذلك المقبل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 04-06-2019.
  5. "أبو نواس >> دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 04-06-2019.
  6. "المتنبي >> ليالي بعد الظاعنين شكول"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 04-06-2019.